رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمد الدويك يكتب: لماذا لا يسلم المسلمون؟

كان اينشتين يقول: مشكلتنا الآن هي نفس مشكلتنا القديمة؛ أن قوة الإنسان سبقت يقظة ضميره، و نمو عضلاته جاء قبل نمو تفكيره.. وأن البشرية بعد القنبلة النووية لا حل لها سوى أن تعيش حالة توحد أممي ضخم. لنبذ العنف وحل الخلافات بطريقة سلمية، لأن الحرب القادمة لو نشبت في ظل وجود قوة تدميرية ضخمة في يد البشر فقد يتحول العالم إلى جحيم.

اينشتين رجل العلم والتجربة كان يتحدث كالشعراء عن الضمير والعقلانية ونبذ العنف.. اتهموه بالرومانسية، ولكنه كان يرى أن الرومانسية هي البديل الأوحد عن الدمار. لأن الإنسان لو ترك لجهالاته فسوف يحدث كوارث عظمى.

أدرك العالم الشمالي "الغربي" تلك المعادلة، خاصة بعد الخراب الذي شهدته أوروبا في الحرب العالمية الثانية عام 1945، ولذلك نشأت عصبة الأمم وعقدت خطة مارشال للتنمية وإعادة التعمير، المشروع نسبة إلى قائد الأركان الأمريكي جورج مارشال وفيه يشترك الجميع لتدارك الخسائر والفقر، ونبذوا خلافاتهم المؤسسة على صراع المصالح عن طريق اقتسام خيرات العالم.

وتلك كانت وصية بونابارت في منفاه في جزيرة نائية بعد هزيمته في معركة الشعوب "واترلو" 1815، قال لابنه، من الأفضل بدلا من أن يحارب انجلترا أن يقتسم الثروات معها، لأن الحرب لا نهاية لها.

ثم اعتمدوا الحريات الدينية بعد ذكريات حروب طويلة بين البروتستانت والكاثوليك عام 1648 أدت إلى نقص سكان أوروبا بنسبة 30% وانتشرت بسببها المجاعات والأمراض وانتهت بصلح وستفاليا.. وكانت الأديان هي أول الخاسرين. الأمر لم ينته بشكل كامل وظلت المناوشات بين الكاثوليك والبروتستانت في ايرلندا الشمالية وأدت إلى قتل الآلاف مما حدى ببريطانيا عام 1969 إلى إنشاء جدار عازل بين الطائفتين في مدينة بلفاست. 

المشكلة أننا لم ندرك تلك الحقائق ولازلنا نعيش في قرون الصراعات الأولى.. وصرنا نتصارع مع الجميع.. صراع إسلامي/ علماني.. سني/ شيعي، دار كفر/ دار إيمان.. الخ

في أخبار الصحافة العالمية تجد أن تفجيرات بوسطن الأخيرة المتسبب فيها شابان مسلمان من الشيشان ذهبا للانتقام من أمريكا.. ثم تقرأ عن عمر همامي الأمريكي المسلم وأحد أهم المطلوبين في أمريكا، هاجر إلى الصومال للجهاد مع حركة الشباب، ثم اختلف همامي مع رئيس الجماعة فأرسل في قتله.. هكذا يتم تصفية الخلافات بين المجاهدين.!

بالمناسبة هم يجاهدون ضد صوماليين مسلمين أيضا – يمنعون مشاهدة التلفاز ومباريات كرة القدم، في حين أن بعض المجاعات تقتل ربع مليونا كل حين، رغم ان الصومال تملك أطول ساحل بحري لدولة إفريقية مما يؤهلها لمركز تجاري عالمي ضخم.

وفي سوريا تجد أن داعش - اختصارا لدولة اسلامية في العراق والشام - والتي يقودها أبو بكر البغدادي، كأحد أفرع تنظيم القاعدة، قد اختلفت مع جيش النصرة، بقيادة أبو محمد الجولاني، القيادي بتنظيم القاعدة أيضا. فيما يمثل الانشقاق التاريخي الأول بين رجال تنظيم القاعدة، ما أدى الى نشوب القتال بينهما..

يعني في سوريا الحرب مش بين بشار والجيش الحر فقط.. ولا بين الجيش الحر "المعتدل" والمتشددين في جبهة النصرة، بل امتد القتال بين المتشددين بعضهم وبعض.. جيش النصرة وداعش، وكلاهما ينتمي لتنظيم القاعدة. الأمر مخيف بحق. ودولة كاملة قد انهارت.

الأمر لا يتوقف عند أتباع الدين الإسلامي، ولكن يجب أن يتم دعم الفكرة عبر جميع الأديان.. البوذيون يمارسون أبشع أنواع القتل والاضطهاد والتهجير لمسلمي الروهوينجا في ميانمار، بورما، ثمانية ملايين مسلم يعيشون حياة بائسة على حافة الخطر.

والهندوس من قبل قاموا بهدم مسجد كبير وتسويته بالأرض مخلفين آلاف القتلى.. واضطهاد وقتل المسلمين جار الآن في افريقيا الوسطى.
*
قضى الإسلام في مكة أكثر مما قضاه في المدينة. بل نزل أكثر من نصف القرآن بمكة. فيما يمثل الدعامة الرئيسية للأفكار العقائدية الكبرى في الإسلام.. ويدعي البعض كذبا وزورا أنها آيات منسوخة لم يبق في المصحف إلا رسمها.. يقولون هذا بكل تجرؤ على كتاب الله فيما يمثل إهانة قد تصل الى حد الجحود بآياته..
 
استدار الزمان وصرنا في أحوج الأمر إلى هذه القراءة للإسلام.. الإسلام المكي.. إسلام الكلمة والمعاملة.. إسلام الصبر والتضحية والعمل.. بدلا من توظيف مصطلحات إسلامية في المزيد من التشويه والعداء دون أي أثر.. كلمة جهاد صارت تستخدم في المعاجم الغربية كبديل للإرهاب والإسلام.. والمشكلة أن هذا الجهاد المزعوم ينتهي بخسائر فادحة للشخص والفكرة.

يجب أن نكون أكثر ديناميكية في التعامل مع عالم مختلف.. ومع تحديات جديدة.. لأن من لا يستوعب التغيير مكتوب عليه الفناء.. عمر بن الخطاب ذهب ليأخذ الجزية من أهل الكتاب.. فغضبوا، وقالوا لن ندفع الجزية.. خذ منا ما تأخذه من المسلمين.. قال عمر نأخذ من المسلمين صدقة.. قالوا ونحن ندفع صدقة.. فوافقهم وتخلى عن المصطلح.

طالما أن النتيجة واحدة.. لا بأس بتجاوز الخلاف الشكلي الظاهري اللفظي.. واللي بينا كبير.   

في المطار، يقف صديقي السنغافوري الذي يعد دكتوراة حول أنماط التدين بين مصر وتركيا وماليزيا، بإحدى الجامعات الانجليزية، يقول لي مسرعا بينما الشاشة الالكترونية تخبر أن الميعاد قد اقترب، اكتب لي كلماتك الأخيرة عن الإسلام تريدها رسالة إلى أصدقائي في الجامعة.. 

فكتبت مسرعا،

كي يحترمك الناس يجب أن تحترمهم أولا. والحفاظ على عقيدة غيرك هو الطريق إلى حفظ عقيدتك. الله ينهى عن التعدي على الآخرين ولو كانوا كفارا يعبدون آلهة من دون الله حتى لا يبادلونا العداء والسباب. والناس أنواع وكل أمة ترى نفسها على صواب. والكل يعمل. والحسم الأخير

غير موجود في الدنيا. والله وحده يفصل يوم القيامة في الأعمال والنيات والعقائد. ولأن الحسم في يد الله وحده فلا سبيل إلا أن نعيش إخوة. وإلا سنموت كبلهاء.. وسباق الخير هو الهدف الأسمى للإسلام. ووصيته الباقية. ومشيئته التنوع والاختلاف.

يقول الله في سورة الأنعام:

(اتبع ما أوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين. ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل . ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم . كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون) 106-108

الآية الأولى تأمر الرسول أن يلتزم بدينه، ويعرض عن المشركين. يتركهم، ويكف عن الجدل و إثارة الخصومات معهم.. والآية التالية تؤكد على أنه رغم نبوته لا يملك عليهم أي حق مادي أو سلطوي. يذكره أنه ليس وكيلا ولا حفيظا عليهم فهم أحرار في قرارهم. ثم يأمر المؤمنين بعدم المساس بعقائد غيرهم من الكفار بسوء، وينهاهم عن التعدي بالكلام والسباب على آلهة غيرهم حتى لا يؤدي ذلك إلى سباب متبادل.

ويختم الله الآيات، أن كل أمة ترى نفسها على صواب "كذلك زينا لكل أمة عملهم" وترى عملها هو الأفضل، والله ترك الكل يتحرك ويعمل، وتكون العودة له في الآخرة لينبئ الجميع بمصير عمله، من كان على صواب ومن كان على ضلال.

و في سورة المائدة:

(ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة. ولكن ليبلوكم فيما آتاكم. فاستبقوا الخيرات. إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) 48

لن يتوحد الناس على فكرة واحدة. أمة واحدة. عقيدة واحدة.. وهذا هو الابتلاء الأول في الحياة.. الحقيقية الأولى.. التنوع والاختلاف والتعددية.. ويكون ذلك اختبارا للانسان كيف يدير هذا الاختلاف. وكانت وصية الله لنا لتجنب الصراع "فاستبقوا الخيرات" أي أن رحلة الإنسان يجب أن تدور حول البحث عن الخير. بكل لغة وفي كل طريق وبأي دين.. بل التسابق على هذا الخير.

وفروا جهودكم أيها المؤمنون في توحيد الناس على أمة واحدة أو دين واحد. فهذا مستحيل. بل مضاد لمشيئة الله.. ولتنشأ لديكم ثقافة التنوع. وثقافة الخير. فكأن المؤمن بالإسلام مؤمن بالتعددية كحقيقة إلاهية. وأن هذا ابتلاء للإنسان ينظر كيف يتصرف فيه.

وفي سورة الشورى يضع القواعد التي يمشي بها الرسول مع أهل الكتاب كأصل عام في شئون السلم:

(ولذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم. وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب. وأمرت لأعدل بينكم. الله ربنا وربكم. لنا أعمالنا ولكم أعمالكم. لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير) 15

انه يبحث عن عامل مشترك يوحدنا "الله ربنا وربكم". وفي الدنيا يحكمنا العدل. ولكل واحد عمله لا يزايد به على الآخر ولا يصم غيره بالهلاك.. والعمل مصيره إلى الله هو الذي يحاسب عليه. "لا حجة بيننا وبينكم"، أي أن الحسم العقائدي القائم على الحجة الواضحة في الدنيا غير موجود.. بل مصيره إلا الله تعالى.. وفي أول الآيات يأمر رسوله بالدعوة والاستقامة واعتزال الهوى. وكلها كلمات تدل على أن الأصل هنا هو الكلمة القائمة على الاقتناع.

الآية كلها تبحث عن كل الطرق لنبذ الصراع، إما بإقرار عامل ديني مشترك. إله واحد. أو عامل بشري مشترك وهو العدل والعمل. وأنه لا أحد يملك حجة دامغة على دين الآخر.

و الله يجمع بيننا وإليه المصير.

ابتسم صديقي وقال، أعتقد أنها كلمات يجب أن يقرأها أصدقائي الانجليز.. بل هي معلومات جديدة ستفيدهم كثيرا في بحوثهم. ووجهة نظرهم.