عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قرآن مهجور. سورة الليل وسيجنبها الأتقى

الكاتب السوري يا ريم، فرح أنطون، ألف كتابا عن أن ثلاثة كلمات ترسم مصير أي مجتمع من التخلف والتقدم، و وفقا لتعامله معها يحدد موقعه من المدنية والحضارة.. المال والدين والعلم.. الله اختصر المسافات وجعل المال والدين مترادفان. حتى أن يوم الدين. وهو يوم القيامة. مشتق من الدين المالي. لتوضيح أنه يوم استيفاء الحقوق ورد المظالم. وأطول آية في القرآن في سورة البقرة، صفحة كاملة في مصحفك الصغير يا ريم، هي آية الدين. دين مالي للتأكيد على أهمية المعاملات المادية بين البشر وإيقاظ الضمير للوفاء والسداد.

لم تكن أطول آية في القرآن عن العبادات من صلاة وحج. ولم تكن عن أمور الاعتقاد من توحيد ونبوة. بل عن الدين. الذي هو المال.

قصارى السور التي حفظتيها صغيرة يا ريم، تحوي الكثير من المعاني التي تختصر كليات الإسلام وأصوله وأهدافه.. نبع التكوين الأول، الضائع، وسط القشور والشكليات والمظاهر والتمتمات الفارغة.

قضية المال.. الإنفاق في وجوه الخير.. التخلي عن البخل والأنانية والاكتناز.. البخيل يدخل النار يا ريم.. والزكاة مشتقة من التزكية.. تزكية النفس عن حب التملك والخوف من الغد الذي يدفعنا للمزيد من الجشع والنهم لجمع الأموال. التزكية هي تجاوز الذات. ورحمة بالآخرين. أن تكون قويا أمام شهوتك للمال. وأن يكون حبك لله وثقتك فيه واستئناسك بما يمنحه لك من ثواب وأمان أكبر من كل شيء.

سورة الليل..

(والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى. وما خلق الذكر والأنثى).1-3

كلمات بسيطة تلقائية يفهمها الجميع يا ريم.. تعاقب الليل والنهار هما أصل الحياة. وبهما يمضي الزمن الذي لم نستطع التخلص منه. الليل والنهار يثيران داخلك الشجن وشيء من التأمل وحزن شفيف يجعلك رقيقة متأملة أقرب إلى الصمت والفلسفة.. وكما أن الليل والنهار هما وجهي عملة واحدة للزمن فكذا الذكر والأنثى.. لا غنى عنهما لمضي الحياة. الله يذكرنا دائما بقصة رومانسية باقية ببقاء الحياة. رجل – امرأة، لا يتخليان عن بعضهما.

(فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى.) 5-7
(وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى.) 8-10

لاحظي التضاد بين أعطى وبخل.. صدق وكذب.. فكأن العطاء والكرم وبذل المال ورعاية الفقراء وتهذيب النفس هو الحسنى، هو أول مراتب التصديق والإيمان ودخول الجنان.. وأن البخل والشح والأنانية، هو أول درجات التكذيب والكفر.. فماذا يفعل الله بؤمن سلبي أناني بخيل لا ينفع غيره.. !

أيضا مصير الإنسان مرتبط بعمله وإرادته وإدراكه.. العطاء والتقوى يجلبون رضا الله وتيسيره, والبخل والتكذيب يجلبون العسرى.. والآية تضع الترتيب (من أعطى واتقى.. فسنيسره لليسرى.. من بخل واستغنى.. فسنيسره للعسرى..)

أنت، أولا، ثم تيسير الله أو تعسيره ثانيا.

(وما يغني عنه ماله إذا تردى) 11

لاخظي تكرار الأمر وتأكيده.. أيها الناس لن تفعكم أموالكم إذا هلكتم.. ويربط الهلاك بالبخل والجشع وعدم رعاية الغير.

التقارير الدولية تقول أن 92% من ثروات العالم

ينتفع بها نصف سكان العالم. والنصف الثاني له الفتات. كلام الله ليس رفاهية وهو الحل الوحيد. كل قوانين العدالة الاجتماعية لم تستطع حتى الآن ضبط الميزان، والرأسمالية العالمية لم تجلب للفقراء إلا المزيد من الاستعباد والفقر. العالم الغربي بدأ في مراجعة سياساته المالية خاصة بعد أزمة النظام الأمريكي ودخوله مرحلة الديون التي عطلت 40% من العمل الفيدرالي ما جعل شبح إفلاس الحكومة الأمريكية ممكنا.

الآيات تربط بين الله والإنسان، العطاء والرفاهية والتكافل، بشكل متداخل سلس يخاطب نفوس المؤمنين ويضع التحدي أمامهم. ذاك طريق الله لو أردتم أن تسلكوه. دين الله هو تزكية النفس من البخل والأنانية والمخاوف. وهو الرعاية والكرم والحنان. رومانسي هذا الكلام يا ريم، لكنه واقعي لأقصى درحة وحلا مهما لكثير من مشاكلنا ومعنى واضح عبر الآيات.

(فأنذرتكم نارا تلظى. لا يصلاها إلا الأشقى) 14-15
(وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى) 17

لا يستحي الله من التكرار ليوضح ويؤكد ويقطع الشكوك.

الله يضع المقابلة ليصير الأمر جليا ويميز بين طائفتين متضادتين.. انه ينذرهم نارا تلظى، يهلك فيها الأشقياء. وسيجنبها الأتقىاء. فالشقاء ضد التقوى. ومن التقي..؟ هو من يؤتي ماله لرعاية الفقراء. ويزكي نفسه من البخل والطمع. إذن عكسه الشقي الهالك في النار.

قاعدة واضحة.. البخلاء غليظو القلب في النار.. والرحماء كريمو النفس في الجنة.. نستطيع أن نشرح الإسلام أحيانا بعبارة واحدة.. وتلك عبقريته.

(وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) 18-21

قيل أنها نزلت في أبي بكر عندما دفع كل ماله للنبي. ولكن العبرة بعموم الموقف. أي أن الانفاق لا يكون من أجل مجازاة أو مكافئة الآخرين نظرا لنعمة أسدوها لنا. ردا للجميل. بل ابتغاء وجه الله تعالى.

*
قبلتي على يدك الرقيقة ووجهك الحزين لن تجعلاني اسائل نفسي عن ذنوبي الصغيرة. فمن دون لثم يديك تصير الحياة أكثر شقاء.. تحياتي ريم..