رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الدويك يكتب عن القران المهجور:الاجتماع والسياسة

(وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) 59 النساء.

لم تستخدم آية في القرآن استخداما سيئا كما استخدمت تلك الآية.. طاعة ولي الأمر.. ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك.. اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي رأسه كزبيبة.. إلى آخر هذا التشويه الذي احتل ألاف الصفحات ومئات السنين.

لو كانوا فتحوا كتاب الله وقرأوا من ذات السورة، سورة النساء، الآية السابقة فقط، لكان الأمر أكثر وضوحا.. الآية 58 تقول:

(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)

آداء الأمانة إلى مستحقيها.. رمز لكل حق مالي يجب رعايته وحفظه وحسن القيام على إدارته.. وفيه يدخل كل سبل الاقتصاد الحديث.. والحكم بالعدل، دولة القانون التي تنطبق على الجميع دون تمييز طبقي أو عرقي أو سلطوي.

كانت الكنيسة الكاثوليكية تصدر فتاوى أن الهنود الحمر قد خلقوا من روح شريرة مفارقة لروح الله، لذلك يجب قتلهم وتطهير أرض أمريكا منهم حتى يتسنى للمواطن الأبيض، ابن الرب الصالح، أن يقوم بدوره وحياته.. وكان البارونات واللوردات والاقطاعيين في اوروبا ينعمون بمعاملة فوقية تحميهم من المساءلة التي يتعرض لها عموم الناس من الرعاع والدهماء.

جبلة بن الأبهم، ملك فارسي كبير دخل الإسلام في عهد عمر، وأثناء طوافه بالبيت داس طرف ثوبه رجل يمشي خلفه، فالتفت جبلة ولطمه على وجهه.. فاشتكى الرجل إلى عمر.. فقال عمر لجبلة إما ان يقتص منك وإما أن يعفو عنك.. قال جبلة باندهاش: تقتص مني وأنا ملك وهو سوقة..؟ قال عمر، قد سوى الإسلام بينكما.

فارتد عن الإسلام وهرب.. كثير منهم لو خيرناه بين المساواة والكفر. سيختار الكفر.

لذلك كان الرسول يصيح في أهله، يا بني عبد المطلب لا يأتيني الناس بالأعمال وتأتونني بالأنساب..

يذكرهم أن النسب وإن كان نسبا مشرفا ينتمي لنبي، فهو لا يضيف للإنسان أي أفضلية في المساءلة الدينية أو الدنيوية. ولذلك عندما ينشئ أحدهم دولة تقوم عليها عائلة أو قبيلة بالملك فهو يطعن الإسلام في مقتل وإن نوى العكس. السعودية مثال واضح لعائلة ملكية تنعم بالسلطة والنفوذ والثروة ولا تخضع لذات القوانين التي يخضع لها عموم الناس. وفي النهاية يزعمون أنها إسلامية..!

بنو أمية الذين توارثوا الحكم في ذراريهم، وكذلك بنو العباس وحتى العثمانيين، لا ينطبق عليهم وصف الحكم الإسلامي، طالما ميزوا بين الناس بناء على قبيلة أو جماعة.

الآية 58 وضعت معايير واضحة.. آداء الأمانات إلى مستحقيها.. والحكم بين الناس بالعدل. ثم تأتي الآية 59 التي تفرض الطاعة لولي الأمر.. وبذلك لا طاعة لظالم أو لص أو غير كفء.. هكذا احكام الدين التي حاولوا إفراغها من صدقها وثوريتها.

كان الفقيه الثائر سعيد بن المسيب، يسخر من أبي هريرة الذي هادن الحكم السلطوي لبني أمية، ويقول "كان أبو هريرة إذا أعطاه معاوية سكت.. فإذا أمسك عنه تكلم".. سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي ج 2 ص 442.

المرض قديم فيما يبدو..

*

السؤال الأهم، من هو ‫#‏ولي‬ ‫#‏الأمر‬ المقصود في الآية ..؟

ولأن الرسول مات دون أن يفسر القرآن. فكل التفاسير مجرد فهوم لأصحابها غير ملزمة لنا. ويصير أصدق تفسير هو تفسير القرآن بالقرآن.

نجد أن مصطلح ولي الأمر قد ورد في سياق آخر في نفس السورة يسمح بفهم أفضل..

(وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به. ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) 83 النساء.

أولي الأمر في الآية، هم مجموعة من الخبرات التي يتم الرجوع لها في شئون الحياة لما لديها من حكمة ومهارة وتجربة في استنباط ما ينفع الناس في الخوف والأمن.

والقرآن عطف أولي الأمر على الرسول. إذن هم ليسوا حكاما بالمعني المباشر للكلمة. لأن الرسول كان هو الحاكم الفعلي للمسلمين.. كما لم يختص القرآن رسول الله وحده بتقرير الاستنباط ومعرفة الصالح والضار في شئون الدنيا.. بل جعله لأولي الأمر، المتخصصون الفاهمون العقلاء.. وجعل هؤلاء الأولياء، بما لديهم من صفات رشيدة، مقترنين بأعمال النبوة.

الآية تقرر أن ولي الأمر لا علاقة له بالحكم، بل، بالكفاءة والمشورة.. ليست وظيفة ولكن مهارة.

ومن أجل مخاطبة الغرب فقد صارت موضة .. Job description. & criteria. & qualification

‫#‏المعارضة‬..

(وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله والرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) 61 النساء.

أي نظام لابد أن يكون له معارضين.. خصومات مع نظام الحكم القائم أو ثقافته أو تشريعاته.. ومدينة الرسول لم تخل منهم.. لكنها كانت معارضة أكثر شرا وجرما من أي معارضة أخرى.

فهي ليست معارضة للحاكم أو القائد، ولكن معارضة لنبي.. هؤلاء قد أعلنوا إيمانهم من قبل ولكن وقت الخلاف تجدهم يرفضون حكم الرسول بما فيه من عدل وإحقاق.. ويريدون القبلية والتعصب والظلم.. فما هو الرد المناسب الذي اقره القرآن للنبي ليتعامل به مع هؤلاء المعارضين ؟

الآية توضح:

(فأعرض عنهم. وعظهم. وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا) 63 النساء.

أعرض عنهم يا محمد، وتجنب نشوء بوادر صراع.. كل ما عليك أن تعظهم.. ليس إلا الكلمة الطيبة.. والقول البليغ.. وبلاغة القول، ترفعه عن الإساءة والسباب.. هكذا يكون التصرف مع المعارضة الداخلية التي تتنكر للدين.(!)

وطائفة أخرى أكثر شرا.. يذهبون للرسول يعلنون طاعتهم والتزامهم بقراراته. فإذا خرجوا من عنده نقضوا عهدهم وبدلوا كلامهم.. يستحلون الكذب والخديعة والتحلل من العهود..

فهل هناك عقوبة دنيوية أو سلطوية شرعها الإسلام لمواجهة تلك المعارضة التي تستحل الكذب والخيانة على رسول الله..؟ دعونا نقرأ الآية..

(ويقولون طاعة. فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول .. فأعرض عنهم وتوكل على الله) 81 النساء.

فقط اعرض عنهم. اتركهم وشأنهم. وامضي في عملك وإصلاحك. وتوكل على الله.

اقرأ أدبيات علوم السياسة من أفلاطون وأرسطو وحتى هيتنتجتون وأرثر شليزنجر، لو وجدت تصورا أفضل من هذا تعال وتحدث عنه..

‫#‏الخارجون‬ عن الدولة..

وهؤلاء أقر القرآن قتالهم..

(فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم .. إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم .. فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) 89 النساء.

الآيات تقر القتال في صالح الذين تولوا، أي تولوا قتال المسلمين.. إلا لو كان هناك ميثاق أو معاهدة فهي واجبة الاحترام.. ويتوقف القتال لو أعلنوا رغبتهم في السلام وكفوا أيديهم عن الأذى.

بداية القتال في الآيات ونهايته لم يكن بسبب احتراب طائفي أو عقيدي.. ولم تتدخل نوزاع الدين في الأمر.. انما ناس تولت المسلمون بالقتال.. والقتال يمتنع لو وجد عهد أو ميثاق.. والقتال يتوقف لو ألقى الطرف المعتدي السلام وترك السيف.

فهو ليس قتالا لإجبار الآخر على الدين. ولكن لإجباره على المسالمة واحترام العهود.. وكما يقول السياسيون لو رغبت في السلام فاستعد للحرب.. فالعالم يحكمه قانون توازن القوى أكثر منه مشاعر احترام الضعيف.

ها هو نظام حكم إسلامي متكامل.. يشرح معنى ولي الأمر، ويؤكد على الأمانة والعدل والكفاءات، ويطرح كيفية التعامل مع المعارضة ومع الخارجين. بدلا من هذه السطحية والرجعية التي يقدمون بها الإسلام.