عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"الثورة" الحائرة بين العسكر والثوار

رغم أن الثورة في مصر قد أنجزت مطلبها الرئيسي الذي حددته مع اندلاعها باقتلاع رأس الفساد محمد حسني مبارك عن الكرسي الذي تشبث به أكثر من 30 سنة، وبعض حاشيته وكثير من رموز العصر البائد، لكن بعد هذا الانتصار الذي حققته "الثورة" التي امتدت اشعاعاتها حتى غمرت مناطق شاسعة من الكرة الأرضية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، يبدو للمتأمل أن مصر "الثائرة" تقف اليوم حائرة بين طريقين، الأول "الإصلاح" ويرفعه القائمون على الأمر كبرنامجٍ يهدف لتهدئة واحتواء ضغط الاحتجاجات الشعبية اليومية، وفي المقابل يتمسك الثائرون بمصطلح "التغيير" أو "الإسقاط" كشرط أساس لبدء البناء.

فهل ما نراه هو عودة أو بالأحرى ارتداد إلى البداية، حيث بدأ الحديث يدور حول الإصلاح أم التغيير أيهما أولى بتلك المرحلة أم أن ما نراه ناتج عن طبيعة المرحلة مما يوحي بالمرحلة السابقة على السقوط المدوي للنظام السابق والذي طالما تغنى بكلامه وخطبه عن التغيير والاصلاح؟! بالتأكيد، لا ننكر أن هذه المرة تختلف الأسئلة المطروحة، والتي قد يكون أهمها، هو: كيف يمكن تسوية إشكالية العلاقة بين طرفي الثورة: الشباب الغاضب الذي فجر الانتفاضة وانتصر ولا يقبل بأقل من التغيير الشامل، والجيش المحافظ الذي اضطلع بدور الضامن والحامي للثورة، لكنه تقليدي، وأحد المؤسسات التي عبرت من المرحلة الثورية دون أي تأثر، كما أنه بطبيعته وتركيبته لا يستسيغ التحولات الدراماتيكية.

بالتأكيد هناك دلالات وأبعاد سياسية واجتماعية تعود إليها تلك الثنائية التي يراها طرف ثالث مؤامرة وفتنة، وهم في نهاية الأمر ليسوا معنيين بهذا التصادم، وإنّما جل ما يريدونه هو العودة إلى الوضع القديم قبل الثوري، ويتناسى كل الأطراف أن هناك جذورا عميقة هي التي أفرزت طرفي الصراع وتسببت مباشرة فيما يجري الآن.

فحتى الآن تتميز الثورة المصرية - وربما الثورات العربية كلها - بأن من يسعى فيها للتغيير الجذري – أي قطع الصلة نهائيا بالماضي المتمثل في كل من شارك بشكل مباشر أو غير مباشر في نشر القمع والظلم والاستبداد ومن ثم ضياع الأمل والشعور بالذات وانعدام الوطنية - أغلبهم من جيل الشباب، وفي المقابل نجد أن من ليس بعمر الشباب أغلبهم قد تكيفوا بطبيعة الحال مع النظام السابق، وربما يعود ذلك إما للتعود على نمط الحياة الشاقة واستمراء الظلم أو كونه أحد المستفيدين من منظومة الفساد القائمة، وبالتالي فإنه دائما ما يميل إلى البحث عن الاستقرار أو الحنين إلى العودة للعهد السابق.

والإشكالية التي نتحدث عنها هنا لا يمكن حصرها في الرمزية فقط بين روح الثوار ونمطية غيرهم، بقدر ما هي في آليات ومرجعية اتخاذ القرارات؛ فالخروج من نمط النظام السابق يتطلّب قرارات حاسمة لها وقعها وأثرها، تستهدف القطع مع السياسات والأشكال السابقة، وتحرير النظام الجديد من احتكار الحياة السياسية والاجتماعية، بحيث تسمح لمختلف الاتجاهات بالعمل في مناخٍ آخر مختلف، وتحول دون التعديات على الشأن العام، حتى تستعيد فكرة الدولة فعاليّتها.

بصيغة أخرى أكثر وضوحا، على أيّ شرعية ستبنى هذه القرارات –التي أشرنا إليها-؟ أهي الشرعية القائمة حاليا على فلسفة المؤسسة العسكرية والنخب التي فشلت سابقا وتحاول الآن أن تقود التغيير لكنها حتى الآن تتحدّث

عن "إصلاح" جزئي يتم تحت ضغوط الاحتجاجات، أم هي شرعية جديدة تنتج عن روح "الثورة" و"التغيير"؟. تغيير جريء وجذري في بنية نظام الحكم نفسه، وليس فقط في شخوص المؤسسات.

للأسف.. على صعيد الحياة السياسية، ما يميّز التحركات الموجودة الآن في الشارع هو استمرار تفريغها من مضمونها الفعلي، أي كونها بالأساس حيّزاً للصراعٍ بين أفكار وبرامج سياسيّة وحركات اجتماعية تعتمد على قاعدة شعبية تمكّن في الأخير من عملية إرساء تداول الحكم الذي يخضع في تقييمه لنتائج ما تم إعلانه من خطط استراتيجية ووعود سياسية سابقة.

لكن ما يزال هناك حتى الآن من يمارس السياسة بمنطق السلطة، وأحزاب تحاول تأطير زبائنها، وحكومة لا لون مميزا ومحددا لها تحاول أن تعتمد خطاباً بيروقراطيا وتوافقياً في الظاهر. ومن هنا، لم يكن ممكنا في السابق، ولا يمكن في الوقت الحالي أن نحرّك أو نهز هذا الركود إلاّ عبر تحركات شعبية واسعة مستمرة – كما حدث في الأيام الأولى للثورة - تطالب بحرية التعبير، وحرية مساءلة المسئولين، وحرية تشكيل الجمعيات والأحزاب، وممارسة حرية الفكر والاعتقاد.

بناء على ما سبق، لا يجوز أن تظل تحكمنا قوانين ودساتير تستخدمها السلطات القائمة لتبرير قمع التحركات الاجتماعية والاحتجاجات الشعبية، في حين لا تتوانى هي نفسها عن القفز عليها واختراقها وذلك بحجّة "الإصلاح" حين ترى ذلك دون الرجوع إلى الشعب – الاعلان الدستوري مثالا.

ونعود إلى بداية الإشكالية الأساسية الحساسة والتي طرحناها هنا، حول أولوية ومعنى "الإصلاح" أو "التغيير" ضمن النظام القائم، إذ كيف يُطلب من السلطة القائمة الانقلاب على ذاتها؟!

إن وقوف الجيش على الحياد أثناء اندلاع شرارة الاحتجاجات، واستمرارها وتطورها لاحقا؛ سمح له في الوقت المناسب أن يناط به دور السلطة المتحكمة والضابطة لآليات التغيير والإصلاح تحت الضغط المتواصل من الشارع، والمعضلة التي نواجهها الآن هي ضرورة تحديد: من سيستلم السلطة في تلك المرحلة؟ وما هي الشرعية التي سيستمد منها سلطته؟ ودوره؟ هل سيختار منهج "التغيير" أم "الإصلاح"؟ هل سيختار "الحرية" أم "السلطة"؟ أو كما يقول البعض: هل سيختار "الشعب" أم "البطانة –أي الطبقة الداعمة للحاكم-"؟