رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عن الثورة واستمرارها وخراب البيوت

- 1 -

توجه إلىّ جاري – القاطن بالمقعد الموزاي لمقعدي في الأتوبيس – قائلاً: "الله يخرب بيت الثورة واللي عملوا الثورة.. زي ما خربوا بيوتنا..".

لم أفهم السبب الذي دفعه إلى أن يتوجه "لىّ" أنا بالذات بكلامه رغم أن الأتوبيس – كعادته – "مزحوم" عن آخره بالركاب.

قلت له: يا سيدي اصبر، إن الله مع الصابرين.. فالدنيا لا تهدم وتبنى في يوم واحد..

ابتسم الرجل، ونظر إلى نظارتي بسخرية وتهكم واضحين ولم يرد!!

 – 2 -

كان فيما قرأناه عن الثورة في النظريات الكلاسيكية، أن العملية الثورية تنطوي علي عمليتين أساسيتين، هما الهدم والبناء، ولو أرجعنا هذا إلى واقعنا اليومي لوجدنا أن الحياة كلها تدور حول هاتين العمليتين، فنحن نمارسهما في كل لحظة نعيشها، على مستوى العلاقات الإنسانية وعلى مستوى تجديد خلايانا الجسدية، بل حتى في الجماد والنبات وهذا ثابت ومعلوم، غير أن ما نريد أن نقوله هنا هو أن قيمة وميزة الثورة الحقيقية هي أنها تخلق ظرفا لا يمكن أن يتوفر بحال من الأحوال في الظروف العادية.

ففي مراحل التاريخ العادية، تمر عمليات التغيير ببطء شديد قد يصل لحد الثبات الظاهري، وهو يعتمد خلال هذا على التراكم غير الملحوظ، لكن عندما نتحدث عن لحظة ثورية تاريخية فإننا نتحدث عن الممكنات الفارقة، ويصبح من الممكن أن نقول إن ما يستغرق تغييره سنوات طويلة يمكن إنجازه خلال ساعات؛ فالثورات تقوم بعمليات اختصار للزمن وتسريع وبلورة للإنجازات باعتبارها نقلات نوعية في التاريخ، لأن الثورات تحول الكمي المتراكم إلى كيفي سريع ومنظور.

– 3 -

في هذا السياق نؤكد على حقيقة أنه من غير الممكن التنبؤ بوقت اندلاع الثورات، وهناك مقولة شهيرة لعالمة الاقتصاد السياسي روزا لوكسمبورج (1871-1919) هي أن "الثورة لا يمكن التنبؤ بها قبل ساعة واحدة من اندلاعها."، وفي نطاق حديثنا عن الثورة المصرية ننقل ما قاله الصحافي الفرنسي آلان جريش في مقاله بـ"اللوموند ديبلوماتيك" بعنوان "اليقظة العربية تغير النظام الإقليمي"، والتي يُقرُّ فيها بأنه لا الدوائر الغربية ولا غيرها أمكنه التنبؤ باندلاع الثورات التي تجري الآن في العالم العربي. في الوقت الذي بات "التهكم على الشارع العربي أمراً اعتيادياً في أروقة قصر الإليزيه، كما في وزارات الخارجية الغربية.".

– 4 -

لما سبق ناحية إيجابية وأخرى سلبية في غاية الخطورة، الإيجابي أن لا أحد يستطيع منع حدث

الثورة، لكن تبقى معضلة تاريخية هي أن الثورة حين فتحت الباب للهدم والبناء من أجل تغيير النظام القديم - غالبا - لا تكون هناك قيادة منظمة لديها الإمكانات والقدرة علي نقل العفوية والارتجال خلال المراحل الأولى من الثورة إلى التنظيم من أجل استلام قيادة المرحلة الجديدة واستكمال باقي مراحل التغيير الثوري.

والأمر قريب جدا من تفسير الفيلسوف الفرنسي إدجار موران Edgar Morin‏ خلال تعليقه على الثورتين التونسية والمصرية في مجلة اللوموند ديبلوماتيك: "تُظهر لنا إيكولوجيا الفعل أنه إثر انطلاقته مباشرة، يصبح الفعل غالباً غير خاضع لنوايا الذين أطلقوه، فينحرف.. ولئن كان هناك غليان خلاّق، ينمو لدى الشباب المتمرد، فإن ذلك لا ينفصل عن فوضى، تُفضي إلى انقسامات وأخطاء، ناتجة عن استسلام متسرِّع، أو عن متطلبات من المستحيل تلبيتها على الفور."

فقوة العفوية التي تعد العامل الأول في إنجاح الثورة تصبح ضعفا عندما يتعلق الأمر في مرحلة لاحقة ببناء منظومة اجتماعية عادلة، حينئذ يلمس الجميع (في ظل غياب القيادة الثورية) الشعور بالفراغ المؤسساتي والهيكلي والفكري الذي كان يملأه الاستبداد ويرعاه، وهذه معضلة الثورة وقدرها في ضرورة استمراريتها وديمومتها، كي تتمكن من إنجاز أهدافها المجتمعية الرئيسية.

– 5 -

وفي رأيي فإن ثورتنا الشعبية العظيمة التي اندلعت يوم 25 يناير 2011 داخل بيوت ومصانع وشوارع وميادين المحروسة، وقدمت آلاف الشهداء والجرحي، ونجحت في إزاحة رأس النظام وبعض رموزه، فتحت الباب واسعا (على مصراعيه) للتغيير، بما يشمله من استكمال عمليات الهدم للقديم، وضرورة بناء نظام عادل جديد، ثم تركته وانشغلت في أمور أخرى!!

وللحديث بقية..