عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الألتراس.. وشبهات حول دوره السياسي!!

لم يقابل ظهور ما يسمى بـ"مجموعات الألتراس" في مصر باهتمام كبير في بداية تلك الظاهرة عام 2007، ولم يعرف بوجودهم أحد إلا عندما شنت بعض وسائل الإعلام هجوما عليهم واتهمتهم بالتعصب وفقدان الروح الرياضية، والتسبب في كثير من الصدامات الدامية بين مشجعي الأندية

. وعلى مستوى الأجهزة الأمنة قوبلت بنظرة يملؤها الشك والريبة بسبب الخوف من أن تشيع تلك المجموعات العنف في الملاعب، ونتيجة لقدرتها على الحشد والتنظيم، في زمن كانت تحظر فيه أي تجمعات من أي نوع، صغر حجمها أم كبر.
هذا قبل الثورة.. أما الآن وفي زمن الثورة ظهر دور جديد للألتراس يختلف تماما عن الغرض من نشأته سابقا – والذي يتمثل في الدفاع عن كرامة واسم النادي الذي ينتمون إليه، والحفاظ علي الصورة المشرفة لجماهير ناديهم - وهو دخوله ساحة السياسة خلال وبعد ثورة 25 يناير، فمع تصاعد وتيرة المظاهرات في الجمهوية، اعتبر الألتراس نفسه جزءا فاعلا في أحداثها ضد ممارسات الشرطة الباطشة – والتي قد عانى منها في فترات سابقة -، فظهر دور ملحوظ لشباب الألتراس خلال أيام الثورة، وخاصة يوم الجمعة الأولى التي عرفت بـ"جمعة الغضب" في 28 يناير 2011، وتصدرهم في الصفوف الأولى في مناطق كثيرة على مستوى الجمهورية في المواجهة التي جرت بين المتظاهرين وقوات الشرطة، وربما يعود هذا إلى خبرتهم المكتسبة على مدار الأعوام الماضية في التعامل مع الشرطة خلال السنوات الماضية.
وبعد انتهاء المواجهات خلال بدايات الثورة باتت ظاهرة تصدر شباب الألتراس للمشاهد السياسية أمرا مألوفا، فمثلا رأيناهم يتصدرون مشهد ويعلنون مسئوليتهم عن حماية أسر الشهداء خلال محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك، بالإضافة إلى مشاركته في مليونية 9 سبتمبر والتي انتهت باقتحام مقر السفارة الإسرائيلية.
مع الوقت تحولت تلك المجموعات من اقتصارها على التجمع بهدف تشجيع ومساندة أنديتها الرياضية، إلى قوى فاعلة في الساحة السياسية بامتياز. بل قد وصل الأمر حد أن تلك المجموعات قد نقلت السياسة إلى الملاعب، فرأينا مؤخرا هتافات في بعض المبارايات من قبل مجموعات الألتراس ضد الأجهزة الأمنية حمل بعضها اتهامات بالتخوين والفساد وإعلان العداء، ولم يخلو المشهد من التطور في بعض الحالات - كما في مباراة الأهلي وكيما أسوان في شهر سبتمبر الماضي- إلى حد الاشتباكات وسقوط ضحايا من الطرفين.
خلال الأيام الماضية، خاصة في الأحداث المؤسفة التي جرت بميدان التحرير والمناطق المجاورة وأشهرها شارع محمد محمود عادت مجموعات الألتراس لتتصدر المشهد السياسي حيث لعبت دورا كبيرا في دعم واستمرار المظاهرات التي اندلعت مجددا في التحرير ابتداءً من مساء يوم 19 نوفمبر الجاري، ومجددا احتلوا مقدمة الصفوف أثناء اشتباك بعض المتظاهرين مع قوات الشرطة والأمن المركزي، وتناقلت وسائل الإعلام نجاحهم في الإبقاء على استمرار الاشتباكات لأطول فترة ممكنة، فيما يشبه محاولة متعمدة لكسب جولة ثانية في معركتهم مع عدوهم اللدود – الشرطة والأمن المركزي – وإلحاق الهزيمة بهم كما حدث في الأيام الأولى خلال ثورة يناير.
لكن ما يدعوا إلى التساؤل الآن حول دور تلك المجموعات هو حالة الغموض التي تحيط بها حول كيفية تكوينها وخريطة تحركاتها وكيفية التواصل بين أعضائها، خاصة بعد أن باتت – كما ظهر جليا في الأحداث الأخيرة – تحركاتها مرتبطة أو تصب في مصلحة مطالب سياسية معينة ذات طبيعة أيديولوجية لقوى سياسية محددة دون أخرى، الأمر الذي جعل البعض يشير إلى ارتباط تحرك شباب الألتراس في ضوء سلوكهم المائل بطبيعته إلى التصعيد والاشتباك مع قوى الأمن بقوى معينة، حيث لا يمكن أن نعتبر تلك التحركات "فعلا تلقائياً أو عشوائيا" - على طول الخط  - كما قيل من قبل ببدايات اندلاع الثورة في نياير الماضي.
وأن المؤشرات باتت تلوح لدى البعض بأن هناك صفقة مبرمة بين تلك المجموعات وبعض القوى والأحزاب السياسية الجديدة بهدف الابقاء

على الفوضى والعمل على إشاعة روح التوتر الأمنى، في مقابل تحمل جميع نفقات الألتراس – من تذاكر المباريات ونفقات التجمع وتأمين وسائل الانتقال وإعداد اللافتات وشراء الشماريخ التي يميل سعرها إلى الارتفاع نظرا للإقبال عليها - غير أنه حتى الآن لا يوجد دليل واحد مادي يثبت صحة هذه الاتهامات، خصوصا وأن الشعارات المرفوعة من قبل شباب الألتراس تؤكد عدم انحيازها لأي قوى أو تيار سياسي معين.
وتكمن الخطورة في الاتهام أو الافتراض السابق في طبيعة التكوين النفسي والتنظيمي – شبه المتطرف – لتلك المجموعات والتي صرح لي أحدهم بأن من يتولى إدراتها الداخلية مجموعات عمل صغيرة يسمونها بالتوب بويز "Top Boys"، تقوم كل منها بتنظيم فعاليات وأنشطة كل مجموعة – مثل تنظيم الرحلات وتصميم وتنفيذ اللوحات وتأليف الشعارات والهتافات وتنظيم وقيادة التشجيع في المناسبات المختلفة وبشكل عام الإشراف علي جمع التبرعات من الأعضاء وغيرهم والإشراف على شكل إنفاق التمويل داخل كل مجموعة-.
أيضاَ هناك عنصر آخر يجعلنا نشعر بالقلق من احتمال تسيسس تلك المجموعات المنظمة وهو تميز تلك المجموعات بما يمكن أن يسمى في علم الاجتماع بـ"روح المجموعة" أي اعتبار كل عضو في مجموعة بأنه جزء من كيان متوحد لا يمكن أن يتجزأ، والشعور الجارف بروح الانتماء والولاء لكل فرد في المجموعة بالنظر إليه كجزء من كل، حيث يقاس قيمة كل عضو في مجموعات الألتراس بما يقدمه ذلك العضو للمجموعة من ولاء وإخلاص يتجسد في جهد وعطاء مستمرين دون إنتظار المقابل، ومن ثم يُلاحظ مع الوقت غياب أي نزعات إلى التفكير الفردي والتماهي "الأعمى" داخل المجموعة، ولعل تفسير عدم الظهور إعلاميا لقادة أو رموز لتلك المجموعات إلا في حالات ضيقة جدا – وإذا حدث يكون غالبا الظهور بوجوه ملثمة - يكون جزءا من تلك النفسية التي حاولنا الاقتراب منها في السطور السابقة.
ما سبق هو محاولة لإلقاء الضوء على ظاهرة أثارت جدلا حادا أفرز بدوره لدى البعض عددا من علامات الاستفهام بشكل عام حول حالة الغموض والضبابية التي تحيط بتلك المجموعات سواء كان ذلك ناتج عن قصد أو عن غير قصد، أو بشكل خاص حول الدور السياسي الذي بات الألتراس "الرياضي" بكافة مجموعاته يلعبه.
والخلاصة أن الأمر يحتوى عدد من الدلالات المهمة التي تجعل أخذ بحث حقيقة تلك الاتهامات الموجهة إلى تلك المجموعات بالعمل وفق مصالح وتوجهات قوى سياسية بعينها على محمل الجد، حتى لا يتطور الأمر في المستقبل إلى ما لا يحمد عقباه ولا يمكن السيطرة عليه.