في ذكرى ميلاد صاحب القنديل ..عندما يصبح النقد تنويرا للمجتمع
حانت اليوم ذكرى ميلاد "يحيي حقي"، التي توافق 17 يناير، و يعد حقي علامة بارزة في تاريخ الأدب بما قدمه من إبداع مختلف على مدار تاريخه الأدبي .
نشر رائد القصة العربية الحديثة،العديد من الروايات و أربع مجموعات من القصص القصيرة بالإضافة إلى العديد من المقالات، ومن أشهر رواياته "قنديل أم هاشم" التي تتطلب التحليل والتأمل في إيحاءاتها ورموزها النابعة من الحوار والسرد ورسم الشخصيات ، وهو ما يجعلها خالدة في ذهن القارئ أكثر من غيرها، فهي لا تقتصر على كونها رواية اجتماعية بل إنها تعد من أبرز الروايات التي قدمت نقدًا للمجتمع الشرقي والمصري على لسان بطلها"سي إسماعيل"، لكن ما يهمنا هو الصورة الرمزية غير المباشرة بها، وذلك لأن الكاتب جعلنا نتوصل لهذا النقد دون جهد منه، ونقد ايضًا الازدواجية المتمثلة في الشخصية الشرقية، والتذبذب بين الإيمان المطلق من ناحية، والرغبة في التحرر من قيود العادات والتقاليد من ناحية أخرى، ويمكن التمثيل لذلك بـ "الشيخ الدرديري"، خادم ضريح أم هاشم، فهو من ناحية يجب أن يكون مثالا للطهر والنقاء – لخدمته ضريح السيدة زينب-، ومع ذلك فهو من جانب آخر يعيش في حياة السكر والملذات.
كما عبر الكاتب عن هذا النقد في روايته على لسان إحدى شخصياته وهو الطبيب الأوروبي لإسماعيل حين قال له: "إن بلادك في حاجة إليك، فهي بلد العميان"، كما يدل على شدة الجهل والتخلف الموجودة في بلاد الشرق ومصر بالأخص. تختلف رواية "قنديل أم هاشم" عن غيرها من الروايات لأنها تجعلنا نفهم الشخصيات والأحداث عن طريق الرموز والإيحاءات غير المباشرة، لا توجد شخصية بها بغير دلالة؛ فعلى سبيل المثال شخصية "ماري الأروبية" التي تمثل المجتمع الأوروبي بكل صفاته، وبكل الحرية التي يتمتع بها والتي تفتقر إليها المرأة الشرقية.
تبدو الرمزية جلية في شخصيات الرواية وأحداثها ، فشخصية الأب ترمز للأصالة والانتماء إلى الجذور الشرقية، فكان منطقيا بالنسبة لمعطيات الشخصية أن يرفض اي شكل للمدنية والتحضر فهو حين ألحق ابنه بجامعة أوربية كان مضطرًا، فها هو يصطدم مع ابنه اسماعيل ويرفض رميه المصريين بالتخلف ويثور عليه عندما ينتقد زيت القنديل قائلا : " هل هذا هو كل ما تعلمته في بلاد بره؟ كل ما كسبناه أن تعود إلينا كافرًا".
جدير بالذكر أن يحيي حقي ولد في 17 يناير 1905 في بيت صغير من بيوت وزارة الأوقاف المصرية، في حي السيدة زينب بالقاهرة؛ لأسرة تركية مسلمة متوسطة الحال غنية بثقافتها ومعارفها، هاجرت من الأناضول، تلقى يحيى حقي تعليمه الأوليَّ في كُتَّاب "السيدة زينب"، وبعد أن انتقلت الأسرة من "السيدة زينب" لتعيش في "حي الخليفة"، التحق سنة 1912 بمدرسة "والدة عباس