رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

السلفيون يكتسحون الائتلافات في أغرب"المليونيات"


ولى المصريون وجوههم شطر "قبلة الثوار"، أدوا صلاة الحرية في محرابه، يقبل الميدان من أتاه "مصريا" أيا كانت أيدلوجيته، له سبعة أبواب مفتوحة على مصراعيها أمام الثائرين، لايفرض شروطا على رواده، ولا يفجر في خصومة من جعلوه "سبوبة" يقتاتون من الانتساب إليه، لكنه في لحظة أعطى أوامره لأروقته المعتقة بعبق "الشهداء" أن تكشف عن أسرارها، وتنذر شعبا ما أتاه من نذير، إلا وله في إنذاره مآرب أخرى، ليس من بينها على مدار سبعة أشهر هي عمر "مصر الثورة" مصلحة الشعب، الذي انتفض ثم أقام أفراح العرس قبل عقد القران..
فتش عن مليونيات "التحرير" منذ غروب شمس النظام البائد في 11فبراير، أو مايسمى وفقا لقاموس المليونيات "جمعة التنحي"، أبحر في أعماقها، ثم اهدأ قليلا وأرجع البصر كرتين إلى أحداث العباسية التي تمخضت عن جدار عازل من الكراهية بين الشعب، ومعتصمي الميدان، إزاء إصرارهم على النيل من تماسك الجيش، ينقلب إليك البصر خاسئا في جمعة "الإرادة الشعبية ووحدة الصف" التي دشنها الإسلاميون، قطعا وهو حسير.

زعم الذين شكلوا مايسمى مجازا ائتلافات شباب الثورة البالغ عددها ما يربو عن مائتين، أنهم نواب عن الشعب المصري في قرارته، طرحوا الإسلاميين أرضا، فخلت لهم مقاعد الفضائيات، وحجرات مجلس الوزراء ليدلوا بدلوهم في تشكيلات الحكومات المتتابعة.. ثمة صخب أحيط بمن في الميدان، فور الإعلان عن مليونية "الهوية " التي اعتزم الإسلاميون إقامتها بـ"التحرير"، ردا على طرح المبادئ الحاكمة فوق الدستورية، وتأكيدا على ضرورة الحفاظ على هوية مصر الإسلامية..

تقاسموا أمرهم بينهم، وظنوا وفقا لــ"تضخم الذات" الذي بدت أعراضه منذ يوم التنحي، إلى الآن، أن شرعية التحرير لاتجوز لأحد غيرهم، وتأرجحت المواقف على مدار ثلاثة أيام بذل خلالها د.صفوت حجازي، والشيخ محمد عبدالمقصود، إلى جانب أعضاء اللجنة التنسيقية لجماهير الثورة، جهودا مضنية للوصول إلى صيغة توافقية، بين كافة الفصائل، لقطع الطريق على المتربصين بـ"الثورة المصرية"، والناظرين إليها نظر المغشي عليه من الموت.

أسفرت نتائج الاجتماعات المتتابعة عن مسمى لـ"مليونية الجمعة"، يلخص اللحظة الراهنة آنذاك، "وحدة الصف والإرادة الشعبية"، ليكشف الستار صباح اليوم عن أغرب مليونيات الثورة منذ انطلاق شرارتها الأولى في الخامس والعشرين من يناير، ويبطل العجب عندما تمنح عينيك فرصة قراءة متأنية لــ"كواليس" تشبه مدا ثوريا، وجذر لأمواج متدافعة من البشر ظلت هادرة على جنبات الميدان قبيل عشاء ليلة الجمعة، وحتى وقت أصيلها في الرابعة عصرا..

من أي درب قررت الدخول إلى الميدان، ستأخذك خطاك إلى لجنة شعبية، تلخص وجوه أعضائها المنتمين لكافة الفصائل الثورية، ملامح مليونية تتراوح نتائجها في أذهان المراقبين للحظة السياسية الراهنة، بين الاشتباك البعيد الفكرة بين الفرقاء "أيدلوجيا"، أو الاتفاق القائم على ركائز عدة لقاءات جرت بينهم أسفرت عن ملاذ آمن يسمى "وحدة الصف"، على عتبات الميدان كان أعضاء اللجان الشعبية حاضرين، يذكرك بماض دافئ عبر مصطلحات الأيام للاعتصام في 25يناير، ابتداء من "متزعلش من التفتيش "، مرورا بـ"ابتسامة مصرية خالصة"، وانتهاء بــ"إحنا آسفين اتفضل".

على مرمى البصر إذا كنت من مريدي الدخول من ناحية عبدالمنعم رياض، سترصد عيناك كتل بشرية موزعة على أرصفة الميدان، كما لو أنك أغمضتهما فجر السبت 29يناير، ثم فتحتهما ليتبدل التاريخ إلى يوليو بالرقم ذاته، على جانبي الطريق الذي تقطعه حديقة ممتدة من أمام المتحف المصري حتى منتصف الميدان، تتراص الأعلام المصرية على الجانبين، بينما يستند الباعة الجائلون على أسوارها، على اليسار من نهاية السور، شرع السلفيون في إعداد منصتهم، التي وقعت على يمين منصة الحزب الناصري، لتتوارى خلفها "عيادة الثورة " ذات الـ20 يوما منذ بداية اعتصام 8يوليو، وخيمة الإبداع الخاصة بـ"رابطة فناني الثورة"..، بينما ترعرع بينهما الخلاف الذي كاد أن يصل إلى حد التشابك، بعد إعتراض الأطباء على إقامة ذات المكبرات الصوتية المتعددة، والتي تؤثر سلبا على مهمة الكشف على المرضى، ثم رد منزوع الخبرة من أحد شباب السلفيين يأتي في "إمكانية نقل العيادة إلى مكان آخر في الجهة المقابلة"..

عند فناني الثورة لن تستطيع أن تمر، وقد استرق بصرك صورالشهداء التي رسمتها فرشاة "الإبداع" على حائط الخيمة، ملتصقة بصورة لـ"عبدالناصر" مزيلة بعبارة –على اسم مصر كتب التاريخ ماشاء،على الجانب الأيمن يقف محمد عبدالجليل منسق رابطة فناني الثورة، منزعجا من تعدد المنصات للفصائل المختلفة، والذي وفقا لرؤيته يتناقض مع مسمى "وحدة الصف"، مؤكدا في معرض حديثه على أن الجمعة الوحيدة التي تطابق مسماها مع آداء القوى الوطنية هي "جمعة الغضب".

وسط الميدان عادت المنصة الرئيسية، بعد غياب إلى اللجنة التنسيقية لجماهير الثورة، تكسوها لافتات مطالب الثورة من كافة جوانبها، وأمامها تتوزع الكتل البشرية، تاركة مساحة يردد فيها على استحياء بعض المتظاهرين الأغاني الوطنية التي رحلت عن "التحرير" في أول مشهد من مشاهد المليونية المثيرة..

وفي الحديقة المستديرة يأخذك الصمت والترقب الملازمين لــ"سكانها" من المعتصمين، إلى ما هو أبعد من انتظار مليونية،

كل مافيها هو انضمام فصيل شعبي "السلفيون"، لم يكن قد شارك بكثافة من قبل أو زاحم لــ"الثوار" عملا، عند مدخل خيمة 6إبريل القابعة في مقدمة الحديقة، كان بهاء الديساوي عضو المكتب السياسي للحركة، جالسا بصحبة أحد أصدقائه، سألته عن حالة القلق التي تبدو طابعا لــ"المعتصمين"، لاتحتاج إلى جهد لاكتشافها على وجوههم، ليررد قائلا "ليس لدينا قلق من السلفيين، خاصة بعد اتفاق جمعنا وكافة الفصائل الثورية"، نافيا طرح فكرة تعليق الاعتصام إلا بعد تعليق المطالب.

بين الخيام، كان أحمد عبدربه –عضو ائتلاف شباب الثورة "كماعرف نفسه"، تدور أعينه بين المارة، باحثا عن إجابة شافية حول مستقبل "مليونية" دعا إليها السلفيون، ومصر قلقة بعد اتهامات العمالة التي طالت بعض الحركات الثورية. وثمة خيمة على مقربة من "6إبريل" داخل الحديقة، ممهورة بعبارة "سلفيو كوستا..إحنا اللي بنحاسب ع المشاريب دائما"، ضاعفت حيرة "عبدربه"، الذي لم يبرح جواب تساؤله الأول، حتى داهمه ما هو أكثر غموضا، "سلفيو كوستا"، وفقا لــ"تفسير " منسقها –محمد طلبة- هي حركة ليست سياسية، لكنها تدعو إلى التعايش بين المصريين"، ويرجع سبب التسمية بحسب قوله إلى "ذهاب أعضاء الحركة عقب أحد الاجتماعات التأسيسية إلى مقهى "كوستا" الشهير، لإزالة اللبس الشائع بين قطاع المصريين عن "جمود" السلفيين.

و"وحدة الصف" طبقا لرؤيته، محض مصطلح فضفاض، لن يتحقق في "المليونية " ولو بأدنى نسبة ممكنة، يأتي ذلك لاعتناق طلبة "قناعة" راسخة، أن المصريين لم يتوحدوا في تاريخهم، إلافي 18يوما هي عمر ثورة 25يناير..

قبيل منتصف ليل الخميس، شهد الميدان ضربة استباقية مطبوعة بـ"الطابع السلفي"، جاءت في مسيرة طافت أرجاء الميدان مرددة هتاف "إسلامية –إسلامية"، قابلها على الجانب الآخر حماس منفلت لــ"أنصار التيار الليبرالي "، دفعهم إلى استعمال الدف في ترديد هتاف "مدنية –مدنية"، لتقترب الأمور من الاشتباك بالأيدي، لولا حسم بعض العقلاء للخلاف في مهده، والاستعانة بشعار الميدان الحاضر الغائب"إيد واحدة"..

قليلة هي النقاشات التي دارت بين السلفيين وممثلي التيارات الأخرى،وهو ما كشف النقاب قبيل الساعات الأولى من صباح اليوم، عن تبني "مطالب خاصة" ممنهجة بعيدة في خصوصيتها عن مطالب "وحدة الصف"، الأكثر غرابة هو استبدال العلم المصري، بقطعة قماش بيضاء فاقع لونها، تحتضن "الشهادة بين سيفين"، والسير ذهابا وعودة داخل الميدان، مع ترديد "الشعب يريد تطبيق شرع الله"..

ومع بزوغ الفجر، عادت موجات البشر إلى نوبات "المد" داخل الميدان، من كل حدب وصوب، جميعهم يشترك في إعلاء لافتة "إرادتنا مش هتتسرق"، ثم هتاف بدأ منذ السابعة صباحا إلى آخر اليوم"ارفع رأسك فوق إنت مسلم"، ومع اقتراب موعد صلاة الجمعة تحول الميدان إلى طوفان سلفي، ينشر حمولته في أي جنب شاء، في مقابل انسحاب "مذهل" لكافة الحركات الثورية، التي تسلل أعضاؤها إلى المقاهي المجاورة للميدان مستأنسين بعبارات البلهاء التي في ظاهرها السخرية من الآخر، لكن باطنها فيه اعتراف مقنع بــ"الهزيمة"..، وانعدام القدرة على المواجهة..

عن كاهل الإخوان والجماعة الإسلامية، رفع السلفيون الحرج في واجب الهتافات، واستعراض القوة داخل "الميدان"، وبرغم اختلاف في طريقة إدارة الميدان "السلفي"، غير أن احتراما لآراء فصيل وطني، يتشبث بالتجربة السياسية التي هو حديث عهد بها، لابد أن يمنح في مقابل انسحاب "المعتصمين" الذين صدعوا رؤسنا بــ"الصمود"، والقدرة على المواجهة..