عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الفن القبطي رحلة في النفس البشرية أملاً في الخلاص

مضي معه قرونًا طويلة سائرًا علي نبراسه ومعبرًا عن مبادئه فلم يكن الفن سوي محاولة من الفنان للتقرب من الخالق المبدع. لذا فقد ارتبط الفن، وعلي مدي آلاف السنين بالدين،

وحاول الفنان البدائي التعبير عن عميق إيمانه بخالقه من خلال أعمال فنية تلقائية بسيطة تطورت مع الزمن لتنسج ببطء وبشكل تراكمي أحد فصول العلاقة بين الإنسان واعتقاداته.
من رحم الكنيسة الكاثوليكية وبرعايتها أحيانًا، خرجت الأعمال الفنية العظيمة، إلي أن شق الفن طريقه معبرًا عن الحياة بملامحها وجمالياتها.. ومن ثم تعقيداتها تاركًا بعضًا منه في علاقته القديمة مع الدين.
وعندما حلت  المسيحية بمصر قبل حوالي ألفي عام أعادت تأكيد العلاقة بين الفن والدين وأبدع الفنان المصري القبطي في التعبير عن إيمانه بالمسيحية من خلال الأيقونات والتصوير بالموزاييك والمنسوجات الكتانية والتماثيل والأواني الفخارية، وحتي شكل العمارة كان في خدمة الدين.
ويعتبر الفن القبطي حلقة اتصال بين الفنون المصرية القديمة والفن الإسلامي، وبديهي أن يأخذ الكثير من عناصره من الفن المصري أولا ثم من فن الإسكندرية ثانياً مع بعض التأثيرات البيزنطية والساسانية، وقد برزت شخصية الفن القبطي خلال القرن الخامس الميلادي بعد أن انفصلت الكنيسة القبطية عن الكنيسة البيزنطية، وكان نضجه بين القرنين الخامس والسابع الميلادي.
وقد مال الفن القبطي في بدايته إلي الرمز، وإلي النظر داخل النفس والقيم الروحية التي تغني عن النظر في الدنيا أملاً في الخلاص، واتخذ من بعض العلامات والأشكال في الحضارة القديمة رموزاً أسبغ عليها فكراً روحياً جديداً.
ويعد الفن القبطي هو الفن الأول في الشرق الأوسط الذي كان من إنتاج الشعب ولم توجهه الدولة.. ولقد أنتجه مسيحيو مصر منذ الفترة التي اعترفت فيها الدولة بالكنيسة عام 313م واستمر لفترة بعد الفتح العربي.
ويلاحظ أن الفن القبطي كان فناً شعبياً، ذلك لأن المسيحية دخلت مصر قبل أن تصبح الدين الرسمي للدولة الرومانية.. وقد نشأ هذا الفن بين جماعة من المصريين المضطهدين وبخاصة في الأقاليم بعيداً عن العاصمة، ولم يكن أغلب الذين يمارسون الإنتاج الفني في أول الأمر من المتخصصين. فكثيراً ما كان الرهبان وأعوانهم يبنون ويزخرفون علي أساس تقليد ما يقع تحت أيديهم من منتجات مستوردة من بلاد أخري.. وكانت بعض الصناعات مزدهرة في العصر القبطي، وكانت تقاليد تمتد إلي الحضارة المصرية يتوارثها الأبناء عن الآباء كفن النسيج والحفر في الخشب والعاج والتحف المعدنية.
ويمكننا أن نتناول بعضا من تلك الفنون وتطورها في السطور التالية:

صناعة الأخشاب
تجلي تفوق الأقباط في فن النجارة في درايتهم الكاملة بالأنواع المختلفة للأخشاب. فلم يتوقف استخدامهم علي الأنواع المحلية - كما كان الحال عند قدماء المصريين - مثل خشب الجميز والنبق والسنط والنخيل، بل لجأوا إلي استيراد أجود الأنواع من الخارج مثل خشب الأبنوس من أثيوبيا وجنوب السودان، والأرز من لبنان وسوريا، والساج من الهند بالإضافة إلي خشب الجوز والبندق والبلوط من أوروبا وغرب آسيا وغيرها. 
وكان أعز أنواع الأخشاب عند الأقباط خشب الزيتون الذي ورد ذكره كثيرًا في الكتاب المقدس، فكانوا يصنعون منه - وحتي الآن - الأختام المستخدمة في ختم الخبز المقدس الذي يستخدم في الصلوات الكنسية،

وكذلك خشب الجميز، إذ يعتقد أنها شجرة مقدسة لكونها تعيش أجيالاً عديدة بدون ري بالماء حتي أن المصريين القدماء كانوا يكثرون من زراعتها بجانب المقابر والمعابد وصنعوا منها توابيت الموتي.
استمر تزيين الخشب ونقشه برسم صور دينية ومناظر من حياتهم وأعمالهم إلي حوالي القرن العاشر الميلادي في عصر الفاطميين عندما تبدلت هذه الصور بأشكال هندسية ونباتية تتخللها صور الطيور والحيوانات.
وأهم ما يستلفت النظر في صناعة الأبواب الدقيقة والحواجز الخشبية بالكنائس والتي يطلق عليها اسم حامل الأيقونات، أنها تتكون من عدة قطع صغيرة من الخشب المخروط أو المنقوش. وتتجلي روعة تلك الصناعة في أنه يمكن تجميع أجزائها بعضها إلي بعض دون استعمال المسامير أو الغراء في تثبيتها.
الزجاج:
اشتهرت منطقة وادي النطرون وأديرته منذ العصر القبطي المبكر بهذه الصناعة وأنه كانت توجد في هذه المنطقة عدة معامل لصناعة الزجاج، وهذه المعامل تعود إلي العصر الروماني.. وفي عام 1730 زار مصر الرحالة «جرانجيه» وقد رأي ثلاثة معامل للزجاج مهجورة بجهة وادي النطرون، كما كانت الأديرة القبطية - حتي القرن التاسع عشر - مليئة بالزجاج المستخدم في المصابيح الملونة المشغولة بالمينا. وفي منتصف القرن الثامن الميلادي بدأت الكنائس في استعمال أوان للقيام بالطقوس الدينية من مادة الزجاج الدقيق بدلاً من الذهب أو الفضة.
العمارة القبطية:
لا يختلف أحدنا علي أن المسجد والكنيسة هما أهم مبني في المدينة، خاصة في القري المصرية.. فقد ورثنا عن المصريين القدماء الاهتمام الكبير بمعتقداتنا الدينية وتغلغلها في النفوس.
أما العمارة القبطية المستخدمة في خدمة الحياة الدنيوية فهي تشمل العمارة السكنية والمنازل ومبانيها وزخرفتها وتخطيط المدن ومصانع الهدايا التذكارية.. وقد استعان الفنان القبطي - في زخرفة العمارة - بمناظر جني وتجميع محصول العنب، نيل مصرالخالد وفيه تسيرالمراكب محملة بالأواني الفخارية، غزلان، تماسيح وأسماك وأيضًا نبات اللوتس.. ومن ثم كان من الطبيعي أن يستخدم المسلمون الصناع والعمال المهرة من الأقباط في أعمال البناء والزخرفة في العصر الأموي.. وفي مصر نجد التأثير الفني للأقباط علي زخارف منازل الفسطاط وجامع عمرو بن العاص ومقياس النيل بالروضة.