عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

للديمقراطية أنياب ومخالب.. واقرأوا التاريخ

الخطاب التحريضى والتخوينى ضد الأحزاب يدفع إلى توريط النظام فى خطيئة كبرى

وقائع ودلالات ضغوط «الجوقة الإعلامية» لتأجيل انتخابات البرلمان وتعديل الدستور
الذين يحذرون من سطوة «المال السياسى والمخابراتى» يعلمون جيداً من الذين انفضحت أسماؤهم فى «قوائمها السوداء»
القوى السياسية تعرضت للتجريف والتهميش والتأميم فى العهود البائدة.. وتستحق الدعم لا الإعدام
عبدالحليم قنديل قال لى أمام «المشير»: الوفد يريد عودة الملك .. فقلت له: لا الملك ولا عبدالناصر سيعودان
دعوت الرئيس إلى الحوار مع الأحزاب لتقوية دورها فقال: أدرك أن الأحزاب تحتاج وقتاً للتحرك.. لكن الأستاذ عادل حمودة له رأى آخر
السيسى يرفض مبدأ «الظهير السياسى» ويكره فكرة «حزب الرئيس» ويؤمن أنه يستمد قوته من حب ومساندة الشعب
لا حرية ولا عيش ولا عدالة اجتماعية دون تداول حقيقى للسلطة بين أحزاب شرعية معبرة عن الشعب
عبدالناصر والسادات ومبارك دفعوا ثمناً غالياً لـ«تأميم الحياة السياسية» وتزوير انتخابات وتزييف الإرادة الشعبية
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل 30 يونية ليست دليلاً على هشاشة الأحزاب لأنها جرت فى ظل استقطاب سياسى ودينى حاد

كيف ينظر الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى العمل الحزبى فى مصر؟ وما موقفه تحديدًا من الأحزاب ومن فكرة التعددية الحزبية وتداول السلطة.. التى هى فى حقيقتها عماد وأساس النظم الديمقراطية فى العالم كله.. والتى تعتبرها أبجديات العلوم السياسية ضمانًا وحيدا للتصدى للديكتاتورية وحكم الفرد؟!
هذا السؤال ظل يشغلنى منذ أن تقدم المشير عبدالفتاح السيسى ملبيًا نداء الشعب له للترشح لرئاسة الدولة.. ومكللاً - عن استحقاق - لزعامته وقيادته، التى استمد شرعيتها من ثورة الثلاثين من يونية.. ومن التأييد الشعبى الجارف الذى حظيت به قراراته وتحركاته من أجل إنقاذ البلاد من مستقبل غامض أوشكت على الغرق فى ظلماته.. فى ظل نظام حكم إخوانى «فاشستى» عابث ومتآمر قفز إلى مقاعد السلطة فى غفلة من الزمن.. بعد ثورة بريئة بيضاء افتقدت القيادة الثورية فتهيأت لتجار الدين فرصة اختطافها وتشويه مسارها.. لكنهم سرعان ما انكشف خداعهم وكذبهم وخبثهم فلفظهم الشعب بعد عام واحد أسود قضوه فى الحكم.. وكانت الثورة الثانية التى توفر لها ما افتقدته ثورة 25 يناير، وهو القيادة الثورية المتمثلة فى المشير عبدالفتاح السيسى ورفاقه.
وعبر ثلاثة لقاءات شرفت بحضورها مع «المشير».. أولها فى الأيام الأخيرة لفترة دعايته الانتخابية مرشحًا لمنصب الرئاسة.. واللقاءان الثانى والثالث بعد توليه الرئاسة.. وهما لقاءاه مع رؤساء تحرير الصحف اللذان كان آخرهما يوم الأحد 24 أغسطس الجارى.. أى منذ أسبوع واحد.. تابعت وشاركت فى حوارات مع الرئيس دارت فى سياق بحثى الدؤوب عن اجابات شافية لتساؤلاتى التى طرحتها فى بداية هذا المقال.. لن أقفز الآن إلى استنتاج خلاصاتها التى هى فيها تلك الاجابات.. بل أفضل أولاً ذكر بعض تفاصيل هذه الحوارات.
فى اللقاء الأول.. الانتخابى.. كنت قد لاحظت أن المشير عبدالفتاح السيسى جلس على المنصة الرئيسية لقاعة الاجتماع فى فندق «الماسة» التابع للقوات المسلحة.. والذى اتخذه مقرًا دائمًا لحملته الانتخابية.. وإلى يمينه ويساره قيادات صحفية.. بينهم رؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارة وكتاب.. جميعهم يمثلون أو بالأصح ينتمون إلى فصيل سياسى واحد.. وأفاضوا جميعًا واستفاضوا فى شرح ومدح زعامة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.. وشعبيته التى وفرت له ظهيرًا سياسيًا مكنه من القيادة والسيطرة على مقاليد الحكم.. بل لم يخجل بعضهم من تحريض المشير ضد الأحزاب القائمة.. وتذكيره بما فعله عبدالناصر مع الأحزاب فى أعقاب ثورة 1952 باعتباره انجازًا تاريخيًا!!
وللأمانة لم يظهر المشير السيسى آنذاك استحسانًا لتوجهات الحوار.. واكتفى بابتسامته الهادئة المعهودة.. بينما استمروا هم فى محاولاتهم المضنية «لتلبيس» الرجل قميص زعامتهم التاريخية.. بينما أظنه كان مدركًا جيدًا لمغزى حوارهم ومآربهم.. دفعنى الموقف للتداخل فى الحوار.. ووجهت سؤالاً مباشرًا لسيادة المشير.. وقلت له: إننى أريد من سيادتكم بشكل مباشر رأيكم فى التعددية الحزبية وموقفكم من الأحزاب.. إننى يا سيادة المشير أرى عن يمينكم ويساركم تيارا سياسيا واحدا يتصدر المشهد.. وأسمع اسم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عشرات المرات خلال هذا اللقاء وأدرك دلالة ذلك ويقلقنى؟!
وقبل أن يبدأ «المشير» بالرد على سؤالى.. فوجئت بالزميل الكاتب الدكتور عبدالحليم قنديل رئيس تحرير «صوت الأمة» موجها كلامه إلى: «أنتم فى حزب الوفد عاوزين ترجعوا الملك تانى».. وضحك زملاؤه.. فقلت له مباشرة ودون تردد «إننا لا نريد عودة الملك.. ولا نريد عودة عبدالناصر».
وهنا أشهد بأن المشير السيسى كان بالغ الذكاء - كعادته - فى احتواء الموقف.. وتحدث مؤكدًا أنه يقف على مسافة واحدة من جميع التيارات السياسية والأحزاب.. ويعتبرهم شركاء فى الثورة والقيادة والنظام السياسى.. وأنه يرفض فكرة الظهير الحزبى من أساسها.. ولا يريد تكرار فكرة «حزب الرئيس».. لإيمانه بأن الظهير السياسى الذى يستند إليه هو الشعب وليس حزبًا معينًا.. إلا أنه فى نفس الوقت عبر عن اعتقاده بأن هناك ضرورة لتنقية المناخ السياسى من هذا العدد الكبير من الأحزاب الضعيفة.. وأنه يفضل اندماج هذه الأحزاب فى كيانات قوية تتوفر لها فرص المشاركة السياسية الفعالة والتحرك الشعبى المثمر.. وللأمانة أيضًا.. كان المشير السيسى محقًا فى ذلك.
الحوار الثانى دار خلال أول لقاء عقده الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد توليه منصبه الرئاسى، مع رؤساء تحرير الصحف.. وعادت مرة أخرى النغمة التحريضية ضد الأحزاب من رموز نفس الفصيل المتصدر للمشهد الإعلامى.. وتكررت أيضا نغمة «الظهير الحزبى» و«حزب الرئيس»، بل وصل الأمر إلى محاولة بعضهم تحريض الرئيس على اجبار رجال الأعمال على التنازل - بأى وسيلة - عن أموالهم للدولة - دون انتظار لتبرعهم أو تطوعهم لذلك.. وللمرة الثانية يجىء رد الرئيس محبطًا لهدفهم.. ومؤكدًا إصراره على نبذ فكرة الظهير الحزبى واعتماده على حب وتأييد الشعب له.. كما كان حاسمًا وواضحًا فى رفضه للاصطدام برجال الأعمال قائلا بالحرف الواحد: «لن تكون هناك مصادرة أو تأميم لأموال أو ممتلكات».
حوار من الرئيس
وتأتى المرة الثالثة.. فى اللقاء الأخير للرئيس مع رؤساء التحرير.. وتنبرى نفس «الجوقة».. محذرة من إجراء الانتخابات البرلمانية فى ظل الدستور الحالى الذى يوسع من سلطة البرلمان على حساب سلطة الرئيس.. ومحرضة ضدالدستور نفسه باعتبار أنه قد تم وضعه فى تسرع وعجالة فلم يحقق الطموح المنشود.. ومحذرة أيضا من التسرع فى تحديد موعد لإجراء الانتخابات البرلمانية.. بينما لم تنته الدولة بعد من إصدار قانون تقسيم الدوائر الانتخابية أو عرضه فى حوار مجتمعى، وهو ما يعرض - ومن وجهة نظرهم - هذا القانون، بل ويعرض الانتخابات نفسها للعطن بعدم الدستورية والبطلان.
وخلال الحوار تحدث الرئيس السيسى فى سياق شرحه لتحديات المرحلة الراهنة، عن التحدى السياسى وضرورة دمج الشباب فى العمل بالسياسة خاصة أن النظام الانتخابى الجديد قد حدد فى القوائم الانتخابية «كوتة» للشباب من مقاعد مجلس النواب.. وطالب الرئيس والصحف وأجهزة الإعلام بالقيام بهذا الدور، والعمل على توعية وتجميع وصفّ الشباب وإعدادهم للعمل السياسى، وتقديم قوائم بأسماء من يصلح منهم لدفعه إلى الاشتغال بالسياسة والترشح لمقاعد البرلمان.
طلبت الكلمة وحالفنى التوفيق فى أخذها رغم ضيق الوقت الذى كان مخصصًا للقاء.. ورغم تخصيص 90 ثانية فقط لكل متكلم، حرصًا على اتاحة وقت الحديث للجميع.. وفى عجالة تحدثت إلى الرئيس معتذرًا له عن اختلافى معه فى الرأى.. وقلت له: إنكم يا سيادة الرئيس تطالبون الإعلام بالتصدى لتحد سياسى ولدمج الشباب فى العمل بالسياسة.. واسمحوا لى إن هذا ليس عمل الإعلام.. بل هو دور الأحزاب التى تمتلك الآليات والوسائل والأدوات للقيام بهذا العمل.. وإن كانت الأحزاب تبدو ضعيفة ومقصرة فى القيام بدورها.. وربما يكون ذلك حقيقيًا نتيجة لما تعرضت له من تجريف وتهميش فى العهد السابق لثورة 25 يناير المجيدة.. فإنه من الأولى أن ندعم هذه الأحزاب ونقيم معها حوارًا وطنيًا حقيقيًا لتشخيص أسباب تقصيرها وتحديد وسائل تقويتها وتمكينها من النهوض بمسئولياتها، بدلاً من البحث عن بديل لها.
كان هناك الكثير والكثير من الكلام الذى أريد أن أسترسل فى طرحه أمام الرئيس حول هذا «الجرح» الذى ربما لا يشعر به مثلى الكثيرون ممن حضروا اللقاء.. باعتبار أنهم لم ينغمسوا فى العمل الحزبى بالقدر الكافى.. وتغيب عنهم الصورة الحقيقية لهموم الأحزاب.. ربما يتسع المجال فى السطور التالية هنا لتوضيحها باستفاضة وتوثيق.. لكن الوقت لم يكن كافيًا - كما أوضحت - وشكرت الرئيس على اهتمامه بما طرحت.. وقام سيادته بالرد قائلا: «إننا تحدثنا مع ممثلى كل الأحزاب والقوى السياسية منذ نحو 4 أشهر فى هذا الأمر.. وقلت لهم لا تتركوا الشباب.. وأنا أعلم أنه إذا كانت هناك إرادة حقيقية لذلك فلن نستطيع أن نصل لهذا الهدف مع الأحزاب فى يوم وليلة.. لكن لابد أن يكون هناك طرح آخر نقوم به.. وعموما هذه هى تجربتنا مع الأحزاب.. وهناك أعراض ومشاكل للتجربة.. وستكون لها آثار.. سلبيات وايجابيات.. ونحن نحترم التجربة ولا نتدخل بشكل مباشر وحاسم.. كما أن هناك البعض ممن لهم رأى مخالف.. والأستاذ عادل حمودة من هؤلاء الذين يختلفون فى الرأى».
كان الرئيس هنا يشير إلى ما كتبه فى وقت سابق الكاتب الصحفى عادل حمودة - الذى أكن له كامل الود والاحترام وأسعد بلقائه دائمًا - تحت عنوان «حوار مع الرئيس حول الانتخابات البرلمانية المقبلة». والذى يحذر فيه مما أسماه «النتائج العشوائية غير المتوقعة» للانتخابات البرلمانية المقبلة، لأنه يرى أن الائتلافات الحزبية فشلت

فى التوحد والاتفاق.. بل إنه يرى أن الأحزاب - دون أن يستثنى أحدًا - ضعيفة وهشة وتفتقد الشعبية والشفافية - على حد وصفه - ويقول أيضا إن «المال السياسى سيلعب لعبته لتمويل مرشحين فى الانتخابات المقبلة سيصحبون نوابًا فى خدمته.. بجانب لعبة أخرى من المال المخابراتى الذى سيأتى من الخارج لفرض سيطرة القوى الخفية على مجلس النواب.. وأنه لذلك يرى أن «حزب الرئيس» سيظل هو الوسيلة المناسبة للإنجاز».
هذا هو ما يراه الأستاذ عادل حمودة.. وله كامل الحرية فيما يرى.. أما أن يستحضر الرئيس هذه الرؤية فى سياق تقييم أو تقدير لدور الأحزاب ومستقبل النظام الحزبى والانتخابات البرلمانية المقبلة.. فهذا أمر يستدعى التوقف والحوار.
مخالب وأنياب الديمقراطية
هنا نتوقف.. لنجد أنفسنا أمام حتمية التأكيد على خطورة استمرار الخطاب التحريضى العدائى لدى بعض رموز وقيادات الفكر والعمل السياسى والنخب ضد الأحزاب ومحاولة تحويلها إلى «فزاعة للنظام».. بهدف دفع الدولة المصرية إلى خطيئة تاريخية كبرى أخرى.. بتأميم السياسة مثلما فعل جمال عبدالناصر عندما أجهز على نظام التعددية الحزبية وألغى الأحزاب السياسية فى يناير 1953.. ليحل محله التنظيم الشمولى الأوحد.. بدءًا بـ«هيئة التحرير» وانتهاء بالحزب الوطنى.. تلك المسيرة الاستبدادية التى أطاحت فى طريقها بنظام عبدالناصر نفسه.. ثم نظام الرئيس الراحل أنور السادات مؤسس الحزب الوطنى «حزب الرئيس».. والتى كانت وقود ثورة 25 يناير 2011.. تلك الثورة التى يتناسى المحرضون الآن أنها ثورة ضد التسلط والديكتاتورية والاستبداد.. ويتناسون أهدافها «العيش - الحرية - والعدالة الاجتماعية».. تلك الأهداف التى تمثل فى حقيقتها أضلاع مثلث الديمقراطية.. فلا حرية ولا عدالة اجتماعية ولا لقمة عيش إلا بالديمقراطية.. ولا ديمقراطية إلا بتداول حقيقى للسلطة بين أحزاب حقيقية تسعى إلى تحقيق المصالح السياسية والاجتماعية والاقتصادية لفئات وعناصر المجتمع.. من خلال برامج تعبر عن الأفكار والقيم والمبادئ المختلفة للقوى الوطنية والسياسية المكونة للمجتمع.
مبادئ ثورة 25 يناير.. ثم ثورة 30 يونية، التى هى فى حقيقتها دعائم شرعية الرئيس عبدالفتاح السيسى نفسه الذى بايعه الشعب وانتخبه وفق آليات ديمقراطية، تفتح أبواب المشاركة أمام جميع المصريين.. بمختلف انتماءاتهم الحزبية والسياسية.. لتدخل البلاد إلى مرحلة خصبة من التعددية الديمقراطية القائمة على التداول السلمى للسلطة عبر الانتخابات الحرة والنزيهة بمشاركة الأحزاب.
نذكركم يا سيادة الرئيس.. ونذكرك يا أستاذ حمودة.. بأن الأحزاب التى يحاول البعض الآن الحكم عليها بالاعدام - تستحق منكم اليوم الدعم والمساندة.. لا نقول دعمًا ماديًا أو تنظيميًا.. فهذا شأنها وحدها.. ولكن من خلال فهم واعٍ وتقدير مستنير للظروف التاريخية التى أضعفت هذه الأحزاب وأعاقت قيامها بدورها الحقيقى.. بدءًا من ظروف نشأتها - أو عودة التعددية الحزبية - فى عام 1976، حيث لم يكن مقصودًا بها أبدًا ترسيخ مبادئ الديمقراطية أو التعبير عن حراك سياسى مجتمعى، بقدر ما قصد بها خلق «ديكور ديمقراطى» وكيانات هامشية تحيط بنظام الحاكم الفرد وتوفر له ظهيرًا سياسيًا وهميًا.. بينما هى غير قادرة على العمل خارج نطاق مقارها فى ظل قيود أمنية تمنعها من الخروج وسط الجماهير إلا بتصريح أو إذن أو ترخيص، وفى ظل خضوعها للسلطة المطلقة لما يسمى بلجنة الأحزاب السياسية التى يرأسها رئيس مجلس الشورى الذى هو فى نفس الوقت قيادة بارزة فى «حزب الرئيس».. فلم يكن هناك عمل حزبى حقيقى أو تداول فعلى للسلطة، ولذلك تحولت الأحزاب إلى مادة للسخرية والتنكيت.. ولعلنا نتذكر ما قاله الرئيس الأسبق حسنى مبارك بعد آخر انتخابات برلمانية أجريت فى عهده.. عندما جرى تزوير هذه الانتخابات وهمشت جميع الأحزاب والقوى السياسية واختفى نوابها من مقاعد البرلمان.. فاضطرت إلى تكوين ما يسمى «البرلمان الموازى».. فأطلق مبارك عبارته الشهير: تعليقًا على هذا البرلمان قائلا: «خليهم يتسلوا».. وهى العبارة التى دفع - ومازال يدفع - ثمنها غاليًا.
هكذا أعطى التاريخ درسًا لكل من حكم وأراد أن يفرض على الشعوب إرادته بالحديد والنار.. أثبت التاريخ أن للديمقراطية والحرية مخالب وأنيابًا قادرة على انتزاع حق الشعوب فى «العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية».
فزاعة «المال السياسى والمخابراتى»
أما هؤلاء المحرضون ضد الأحزاب بدعوى الخوف من استغلالها من أصحاب «المال السياسى» أو «المال المخابراتى» وفق ما يزعمون.. فنقول لهم: هذا خطاب تخوينى مرفوض وممجوج.. يحاسب عليه الشرع والقانون والدستور.. فاحذروه.. ولعلكم تعلمون جيدًا من أين يأتى «المال السياسى والمخابراتى» وإلى أين يذهب؟ راجعوا «الكتب السوداء» التى أصدرتها بعض الأنظمة الثورية فى دول عربية عن ممارسات حكامها البائدين.. ولمن كانت تذهب «شيكاتهم» ودولاراتهم ودنانيرهم.. ومن الذين فضحتهم قوائم منحهم وعطاياهم.. سواء كانوا سياسيين أو صحفيين أو إعلاميين!!
أما محاولة استدعائكم لدلالات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التى جرت فى المرحلة الانتقالية بين ثورتى 25 يناير و30 يونية، باعتبارها دليلاً على ضعف وهشاشة النظام الحزبى.. بدليل أن الأحزاب لم تقدم مرشحًا قويًا لرئاسة البلاد، ولم تستطع الفوز بأغلبية برلمانية أو حتى تمثيل قوى.. وهو ما ترتب عليه تمكين الإخوان من الحكم وسرقتهم لثورة الشعب.. فمردود عليه بأن هذه الانتخابات كانت لها ظروفها، وخصوصياتها التى يعلمها الجميع.. حيث كانت البلاد غارقة فى حالة من الاستقطاب السياسى والدينى والخلط بين العمل السياسى والدعوة الدينية، وهو ما عجزت الأحزاب عن مجاراته، وبينما كانت الأحزاب تكتفى بطرح برامجها عبر وسائل الدعاية الانتخابية التقليدية من صحف وأجهزة إعلام ومؤتمرات وخلافه.. كانت جميع المساجد والمنابر مسخرة لخدمة الخصوم والدعاية لهم.. فى غياب كامل لدور الدولة وسيطرتها على دور العبادة لمنع استغلالها - وفقا للقانون والدستور - من ممارسة العمل السياسى.
الحوار لا الإعدام
لذلك كله نقول: لا تظلموا الأحزاب ولا تحكموا عليها بالإعدام.. ولا تضيعوا مكاسبها من الثورة العظيمة وأملها فى إقامة حياة حزبية سليمة تتيح لها إصلاح ما قد يكون ظاهرًا فى الماضى من خلل فى بنيتها وهياكلها التنظيمية.. أعطوها الوقت الكافى وأشركوها فى حوار وطنى يقود إلى التوافق حول ضوابط ومبادئ للعمل السياسى تحميها مما يزعمون من سطوة «المال والدين».. وعندما تقوى هذه الأحزاب ستعود ثقة الناس فيها ويقبلون إلى الاندماج فى صفوفها، لتكون أحزابًا معبرة بحق عن الشرائح الفكرية والاجتماعية للمجتمع وليست مجرد «ديكور» أو «قميص» أو ظهير لحاكم فرد.