رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

«ابن موت»..!

اثنان كسرا ظهرى.. أمى وعادل القاضى.. حين رحلت الأولى فقدت صدراً كنت أرتمى عليه حين تضيق بى الدنيا.. ويوم الإثنين الماضى مات عادل، فغاب الضمير الذى يوقظنى دائماً حين تأخذنى الدنيا.. رحل الاثنان وتركا «الدنيا» تعصف بى.. فلا أنا سأجد الصدر الحنون.. ولا أنا سأجد الصوت البرىء والمخلص ليقول لى بحب: قف.. فأنت فى الطريق الخطأ..!

ليس هذا رثاءً لعادل القاضى، رئيس تحرير بوابة الوفد الإلكترونية.. فالجرح لن يندمل بكلمات الدنيا.. فثمة قصة لهذا الرجل تستحق أن تروى.. فمنذ عرفته قبل ٢٠ عاماً، كان واضحاً أنه أتى لدنيا لا يريدها ولا تريده.. كان «ابن موت».. صوت نشاز وسط حناجر متوحشة.. قلب يعتصره الألم حين تطعنه صراعات وشهوات الدنيا.. ذهن شارد وعقل مندهش مما يراه فى البشر.. كيف لهذا الرجل الحالم البرىء أن يتعايش مع حياة قاسية.. لماذا يتحمل هذا التوحش وهو يعيش «بره الدنيا»؟..

نعم.. كان عادل القاضى يعيش «بره الدنيا».. كنت أقول له ذلك دائماً.. فكان يرد بضحكته الجميلة «ومين قالك إنى عايز حاجة من الدنيا».. هذا هو اختيار «عادل».. وهو الآن حيثما اختار.. فلا تحزنوا عليه.. فقط تعلموا من سيرته.. فثمة أوجه شبه كثيرة بينه وبين الراحل الغالى مجدى مهنا.. فكلاهما كان ينطلق من ضميره.. الضمير أولاً ثم كل شىء وأى شىء.. وربما تتفقون معى فى أن هذا النوع من البشر بات نادراً فى عالمنا.. لذا يذهبون مبكراً إلى حيث الراحة الأبدية..!

حين تلقيت خبر وفاة عادل

القاضى كنت خارج مصر.. فى البدء لم أصدق.. رفضت الخبر، وأغلقت هاتفى، ثم اتصلت بالقاهرة «أعتقد أن هاتفى تلقى خبراً كاذباً».. لكن زملائى لم يستجيبوا لأمنيتى..انخرطت فى بكاء هيستيرى ثم ضحك جنونى.. نزف قلبى لأن «عادل» الشاب رحل دون أن يعيش الحياة التى تمناها.. مات لأنه رفض كل شىء.. لم يبادله أحد أحلامه..

ولم يرد أحد على براءته بنقاء.. ولم يعامله أحد على قدر أخلاقه.. وضحكت سخرية من غبائى.. كيف أبكى إنساناً أعرف أنه «ابن موت».. وكيف أطمئن إلى دنيا تلفظ أصحاب الضمائر الحية والأخلاق الملائكية.. وكيف أغضب لأن «عادل» تركنا دون استئذان.. فهل يستأذن المعذبون ممن حفروا العذاب فى قلوبهم؟!

سيبقى عادل القاضى ضميراً حياً فى أعماقى.. وسيظل قدوة لكل من يحلم بحياة بريئة.. وسيبقى نموذجاً يحتذى لشباب الصحفيين.. كى يتذكروا دائماً أن المهنة ضمير لا يتجزأ.. وأن المبادئ لا تباع ولا تشترى.. وربما يكون الاقتداء بـ«عادل» أبلغ تعويض له ولأسرته عن حياة أرهقت قلبه المرهف..!