رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ورحل الإنسان ابن أساتذته

وزراء ونقاد ومثقفون
وزراء ونقاد ومثقفون وسياسيون وفنانون فى عزاء رائد التنوير ا

خروج جنازته من جامعة القاهرة.. وصية جابر عصفور الأخيرة

وزراء ونقاد ومثقفون وسياسيون وفنانون فى عزاء رائد التنوير الحديث

أزمة المثقف مع السلطة.. موقف واجه «عصفور» كثيراً

الدولة ثمنت منجزه البحثى.. فاستحق جائزة النيل

شمس الدين الحجاجى: الرجل الذى قاد حركة الثقافة منذ القرن العشرين حتى يومنا هذا

 

بينما يتأهب العالم كله لوداع عام واستقبال آخر جديد، كان هو فى إحدى غرف العناية الفائقة بمستشفى قصر العينى، يعبر إلى الجانب الآخر من الحياة؛ ربما كى يمهد الطريق هناك لكل من يأتى بعده من محبيه، ففاضت روحه بعد أيام من إعلان زوجته الدكتورة هالة فؤاد أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، أن زوجها الدكتور جابر عصفور، أستاذ النقد الحديث ووزير الثقافة الأسبق، يعانى حالة مرضية غير مستقرة، استدعت بقاءه تحت الرعاية الطبية بالمستشفى، وكان ذلك قبل أيام من نهاية شهر ديسمبر 2021.

ليفجع ابنه أحمد جابر عصفور المشهد الثقافى والنقدى المصرى والعربى، صبيحة يوم 31 من ذات الشهر بخبر وفاة والده، حيث كتب على صفحته الخاصة على إحدى وسائل التواصل الاجتماعى «مع السلامة يا حبيبى».

وزراء ونقاد ومثقفون وسياسيون وفنانون فى عزاء رائد التنوير الحديث

هكذا انتهى العام 2021؛ ليبدأ العام الجديد بتشييع الراحل فى جنازة كانت وصيته هى أن تخرج من جامعة القاهرة، حيث وصل الجثمان إلى مسجد صلاح الدين بالمنيل، قادماً من مستشفى قصر العينى، لإقامة صلاة الجنازة عليه، قبل التوجه إلى جامعة القاهرة ليودعه زملاؤه وطلابه وكبار المفكرين والأدباء وعمداء الكليات. وفى حضور ثلاثة ممن حملوا حقيبة وزارة الثقافة، تتقدمهم الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، والدكتور عماد أبوغازى والكاتب الصحفى حلمى النمنم، وزيرا الثقافة السابقان، والدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، إلى جانب مشاركة قيادات وزارة الثقافة، منهم الدكتور هيثم الحاج على، رئيس هيئة الكتاب.

وكان خروج الجنازة من جامعة القاهرة تعبيراً عن اقتران تاريخها بتاريخ الرجل، ومشاركة لمعلمه وأبيه الروحى عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، الذى سارت جنازته فى نفس خط السير من جامعة القاهرة فى العاشرة صباح الأربعاء 31 أكتوبر 1973، حين وصل جثمان العميد من مستشفى العجوزة إلى جامعة القاهرة حتى مسجد صلاح الدين بالمنيل، وأقيمت به أيضاً صلاة الجنازة على روح الدكتور طه حسين.

بعدها بدأت الرحلة الأخيرة للنعش الذى يحمل جثمان الدكتور جابر عصفور حيث وصل به أقرباؤه ومحبوه إلى المدفن رقم 77 سور 22 بمدينة السادس من أكتوبر مدفن آل عصفور؛ ليوارى جثمان الراحل الثرى.

وزراء ونقاد ومثقفون وسياسيون وفنانون فى عزاء رائد التنوير الحديث

أقيم العزاء فى اليوم الثانى من العام الجديد 2022، عقب صلاة المغرب فى مسجد الحامدية الشاذلية بالمهندسين. وكان أول الحاضرين للمشاركة فى عزاء الدكتور جابر عصفور أسرة الراحل وفى مقدمتها زوجته الدكتورة هالة فؤاد، ونجله «أحمد»، كما كان الكاتب الصحفى حلمى النمنم من أوائل الحاضرين، بعدها وصل إلى العزاء عدد من أصدقاء الفقيد من بينهم الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب المقارن بجامعة القاهرة، والدكتور طارق النعمان، الصديق الشخصى لعصفور، كما حضر الدكتور عماد أبوغازى، وزير الثقافة الأسبق، والدكتور هشام عزمى، أمين المجلس الأعلى للثقافة، والدكتور هيثم الحاج على، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، والدكتور أنور مغيث، مدير المركز القومى للترجمة الأسبق. والدكتور سعيد المصرى، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة السابق، ومحمد ناصف، رئيس المركز القومى لثقافة الطفل والدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة السابق، والدكتور أحمد نايف، سفير العراق بالقاهرة، والناقد الأدبى الدكتور صلاح فضل والكاتبة فاطمة المعدول، والكاتبة ميسون صقر القاسمى. كذلك حضر الدكتور أشرف زكى، رئيس أكاديمية الفنون السابق، والمهندس محمد أبوسعدة، رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، وجورج إسحاق، عضو مجلس حقوق الإنسان، والكاتبة عضو مجلس النواب ضحى عاصى وغيرهم.

وزراء ونقاد ومثقفون وسياسيون وفنانون فى عزاء رائد التنوير الحديث

كما حرص المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء الأسبق، على أداء واجب العزاء، حيث تولى «عصفور» وزارة الثقافة إبان تولى «محلب» رئاسة الوزراء فى يونيه 2014. ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى تولى فيها «عصفور» مسئولية وزارة الثقافة، فقد سبق له تولى ذات المنصب ضمن حكومة الفريق أحمد شفيق فى يناير 2011.

فى الحقيقة إن الدكتور جابر عصفور لم يستمر فى الوزارة فى المرتين كثيراً، ففى الأولى استقال بعد أيام قليلة من توليه المنصب، متعللاً بأسباب صحية، وفى المرة الثانية لم يكمل عاماً فى الوزارة حيث خرج منها فى 2015، ولم تكن وزارة الثقافة فقط هى المسئولية الحكومية التى تولاها الأستاذ الجامعى، لقد شارك فى تأسيس المجلس القومى للترجمة وترأسه فترة طويلة، وكذلك شغل منصب أمين عام المجلس الأعلى للثقافة عدة سنوات.

ونحن هنا جميعاً نقدم واجب العزاء لكل محبى الدكتور جابر عصفور، الذى عاش مصاحباً للجدل أغلب فترات حياته، بسبب آرائه المثيرة للنقاش؛ مرة كونها وقعت بين الحداثة والمحافظة، ومرات بسبب علاقته كمثقف بالدولة، وهى العلاقة التى دائماً يحملها المجتمع على رأسه، محاولاً تشريحها سلبياً، فعلى الرغم من التقدير الذى لاقاه الدكتور جابر عصفور فى حياته مصرياً وعربياً، فإنه على الطرف الآخر واجه سهام النقد له ولمنجزه الثقافى. فوقع هذا الناقد والمفكر التنويرى فى المنطقة المحظورة لينال منه العتاب والعاتبين، بعدما قبل أن يكون وزير الثقافة فى حكومة مبارك الأخيرة بعد أحداث 25 يناير، وعلى الرغم من أن الوزير الجديد لم يمكث فى وزارته أياماً وقدم استقالته، لكن هذه الاستقالة لم تشفع له، وتعرض لموجة من النقد تجعلك تفتح فمك وأنت تقرأ عناوينها كل يوم فى الصحف، هذه الموجة للأسف لم تتوقف عند قبوله منصب وزير، بل طالت كل تاريخه الجامعى والبحثى.

حاول بعدها «جابر» فى مناسبات عديدة أن يوضح موقفه دون أن يتسبب فى إحراج آخرين، لكن الأمر كان صعباً، فاكتفى بأن يقول فى أحد حواراته، «لم أشأ الإعلان عن الأسباب السياسية للاستقالة، واكتفيت بذكر الأسباب الصحية، لأننى لم أكن أريد إحراج أحد»، وإن كان «عصفور» لم يتنصل من المسئولية بشكل أو بآخر كمثقف على الأقل، مؤكداً أننا جميعاً أصحاب نتائج فيما وصلت إليه الدولة، بعضنا مشارك وآخرون صامتون. والأكثر من ذلك أنه كان شجاعاً بالقدر الذى جعله يعتذر عن عدم إيمانه بأن الشباب

فعلياً هم القادرون على إحداث التغيير وتنحية النظام الذى شاخ. ولكن الذى بدا وقتها أن الرجل مهما حاول التبرير سواء بالاعتراف أو الاعتذار لم يكن أحد يسمع له، فقد كان جابر عصفور بحاجة وقتها إلى حاكم عادل ينل إنهاء أزمة أتصور أنها عاشت معه طويلاً، تستطيع أن تلحظ ذلك ببساطة، عندما يلفت نظرك إصراره على إعادة صياغة أسئلة المحاورين له فى تلك الفترة من علاقتك بالسلطة.. إلى «تقصد علاقتى بالدولة».

جابر عصفور

لكن الزمن كان كفيلاً بأن يداوى من أعياه الدهر؛ ففى عام 2019 حصل الدكتور جابر عصفور على جائزة النيل بكل ما تعنيه هذه الجائزة من تقدير واحترام، وعقب فوزه مباشرة نظم قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة احتفالية كبرى بمناسبة حصوله على الجائزة، افتتحها رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت.

وتحدث فى الاحتفالية العديد من أساتذة اللغة العربية بالكلية؛ منهم الدكتور خيرى دومة، رئيس القسم، فقال: «إن قسم اللغة العربية يعتز كثيراً بما قدمه الدكتور جابر عصفور طوال مسيرته، سواء أكان لوطنه أو لجامعته، فقد دافع عن قيم الحرية والعقلانية فى مواجهة القهر على مختلف أشكاله وألوانه». بينما قال الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجى إن جابر عصفور لم يتوقف إبداعه أبداً، فقد أخذ طريقه إلى الأدب الحديث والقديم، ولكى نضعه فى مكانه لابد أن ننظر إلى خريطة الأدب العربى والمثقفين العرب منذ أن بدأت نهضة التصحيح، الذى كان قائدها الأول رفاعة الطهطاوى، ثم فى العصر الحديث بدأت نهضة جديدة يقودها العقاد ويقودها طه حسين، وهذه النهضة كانت انفجاراً للثقافة، ثم تحركت النهضة وصولاً إلى جابر عصفور الذى آمن بضرورة التنوير، فقدم مفهوماً جديداً للنقد الثقافى ولم يتبع أحداً، لكنه كان صاحب منهج وصاحب مدرسة، فهو الرجل الذى قاد حركة الثقافة منذ القرن العشرين وحتى يومنا هذا.

فى نهاية الاحتفالية قال الدكتور جابر عصفور إنه سعيد بهذا التكريم الذى يأتى من جامعته التى يعتز بالانتماء لها وأضاف: «الإنسان هو ابن أساتذته وأنا ابن طه حسين وابن سهير القلماوى، وابن هؤلاء الذين زودونى بالحياة الفكرية، وطلبوا منى أن أعاهدهم فعاهدتم أن أكون حريصاً على العلم، فالتدريس التزام وأمانة، فأنت مسئول أمام المجتمع أن تخرج تلامذة حقيقيين»، وأضاف «عصفور»: «هذا العهد هو الذى يجب أن نتبعه مع طلابنا؛ لأنهم أمانة يجب أن نراعى الله فيها».

«كنت دائماً كالآخرين- أرفض الآخرين، إذا بدأوا من هنا بدأت أنا من هناك» تلك هى مقولة الأستاذ الدكتور جابر عصفور التى أعادها بعد «أدونيس»؛ والتى ترددت كثيراً على لسانه، فى قاعات الدرس وبين السطور فى كتبه، عبارة جعلت كل من تتلمذ على يديه لا يعترف بالمسلمات، يعرف قيمة نفسه، وقدر عقله، مثلما يعرف قيمة أن يكون جابر عصفور أستاذه، يمكننى قول ذلك لأننى شرفت بتدريسه لى مادة النقد الحديث فى كلية الآداب.

لذلك لا يمكن أن ينتهى دور الجامعة أبداً مع ابنها البار حتى بعد رحيله، ولقد جاء ذلك سريعاً، حيث تحدث الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، عن أن الجامعة أطلقت اسم الراحل على مكان يليق بمقامه وتاريخه وعطائه داخل الجامعة، وقال «الخشت»: «إن عصفور من أهم النقاد والمفكرين فى الوطن العربى، وصاحب مدرسة علمية فى العقلانية الفكرية المصرية».

السطور التالية تحمل أسماء لمؤلفات، ستظل المكتبة العربية حريصة على طباعتها لعقود قادمة، واتضم المشروع التنويرى الكبير للدكتور جابر عصفور وهى: «محنة التنوير» و«أنوار العقل» و«زمن الرواية» و«غواية التراث» و«النقد الأدبى والهوية الثقافية» و«نقد ثقافة التخلف» و«تحديات الناقد المعاصر» و«زمن جميل مضى» و«فى محبة الشعر» و«هوامش على دفتر التنوير»

ولمن لا يعرف: الدكتور جابر عصفور من مواليد المحلة الكبرى عام 1944، وعلى الرغم من ذلك، فإن تسميته «جابر» جاءت تيمناً بمقام سيدى جابر فى الإسكندرية، وقد رحل الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق والأستاذ المتفرغ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، عن عالمنا عن عمر ناهز 77 عاماً، فلروحه المحبة، ولأحبابه كل العزاء.