رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

علاقة مصر بالأجنبى مزدوجة.. والمصريون أسسوا دعائم متينة للقوى الناعمة

المستشار الدكتور
المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدول

 

 

 

يعتبر موضوع الشخصية المصرية قلب الموضوعات بالغة الأهمية سواء على المستوى الشعبى أو المستوى الرسمى للدولة، الذى توليه القيادة السياسية جل اهتماماتها وجهدها، وعلى رأس أجندة الاهتمام العام للوطن، إيمانا منها بغد أفضل للشباب بما يحقق التنمية والرخاء للشعب، وفى ذات الوقت الذى تتولى فيه مصر قيادة العالم فى حربها ضد الإرهاب والعنف والتطرف بكافة أشكاله وصوره. خاصة وأن مصر تشهد استضافة منتدى وملتقى شباب العالم للعام الثانى بمدينة شرم الشيخ الفترة من 3 إلى 6 نوفمبر 2018 تحت رعاية القائد الرئيس عبدالفتاح السيسى.

وفى أحدث بحث علمى للفقيه المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة عن: «المدخل فى فلسفة وفكر القاضى الإدارى تجاه قواعد بناء الشخصية المصرية وإعدادها. دراسة تحليلية فى ضوء الواقع والمأمول.» نشر على الصفحة الرئيسية لموقع نادى قضاة مجلس الدولة.

ونعرض فى الجزء السادس تحت عنوان « القوة الناعمة المصرية ودورها فى بناء الشخصية المصرية ومواجهة العنف والإرهاب «من هذا البحث الهام على النحو التالى:

أولاً: تعريف القوة الناعمة وفروعها وقدرتها على التأثير الرمزى فى حياة الأمم:

يقول الدكتور محمد خفاجى يمكن تعريف مصطلح القوة الناعمة، الذى وضعه الأمريكى جوزيف ناى، باعتباره القدرة على التأثير فى الآخرين عن طريق الترغيب والاستمالة، وبأنه « قدرة أمة معينة على التأثير فى أمم أخرى، استنادا إلى جاذبية نظامها الاجتماعى والثقافى ومنظومة قيمها ومؤسساتها، بدل الاعتماد على الإكراه أو التهديد».

ويوضح الدكتور محمد خفاجى لقد استشعر جوزيف ناى أهمية القوة «الناعمة» عندما كان فى مهمة عسكرية فى العراق وأحس بأن حرب الأسابيع الأربعة التى استطاعت أن تسقط «صدام حسين» كانت باهظة التكاليف لقوة أمريكا الناعمة، أى فى القدرة على اجتذاب آخرين إلى جانبها ، وفى الواقع  فإن القوة الناعمة لا تعود إلى الأمريكى جوزيف ناى بل سبقه فيها الفيلسوف «ماكس فيبر»، ومن ثم تعود الأصول المرجعية للقوة الناعمة إلى الدراسات السوسيولوجية التى قام بها هذا الفيلسوف لظاهرة القوة أو قوة الشخصية الكاريزمية التى تستعمل القوة غير المباشرة.

ويضيف الدكتور محمد خفاجى ترتبط القوة الناعمة فى تفعيلها بسلطة صناع القرار السياسى أو الدولة التى تمتلك الإمكانات المادية لحشد وتعبئة الوسائل وتحديد الأهداف ؛ وذلك من خلال توظيف ما يسمى بالتأثير الرمزى الذى لا يعتمد على القوة الخشنة أو المادية وحدها، وإنما على القوة الناعمة أو غير المادية، وكذلك على الجذب الذى فى الأعم الأغلب من الحالات يؤدى إلى إذعان الآخرين. وتشتمل مؤثرات القوة الناعمة على مختلف الروافد الثقافية، ومثال القوة الناعمة مفهوم الرأسمال الرمزى، كالفنون كافة، خاصة السينما والمسرح والدراما التلفزيونية، أو ما يعرف بالثقافة العليا كالأدب والفن، والثقافة الشعبية التى تسعى إلى إمتاع الجماهير على اختلاف ميولها. ومثالها كذلك المتاحف والمهرجانات الدولية، ودور المؤسسات التعليمية وجودتها وعدد مراكز التفكير والخدمات الحكومية فى هذا الشأن،  والإعلام وآليات التواصل الاجتماعى على الإنترنت، وقطاعات رجال الأعمال.

ثانياً: القوة الناعمة تسمية أمريكية تحتاج إلى دقة ، وأراها قوة السيادة الاجتماعية :

يقول الدكتور محمد خفاجى أن تسمية القوة الناعمة تحتاج إلى دقة، فهى تسمية تقسم القوة إلى قوة ناعمة وقوة صلبة أو خشنة وجعلت بينهما صراع خفى غير مطلوب للضمير العام لكى تستعيد هذه القوة مكانتها ومصداقيتها، والرأى عندى أن يكون المصطلح الدقيق «قوة السيادة الاجتماعية» لأن التفريق بين النعومة والخشونة تحليل غير متناسق مع فكرة القوة كعلم وفقه ونظرية وعمل مهنى وإبداعى، والقانون بصرف النظر عن كل شئ ينظر إلى الإعلام كفكرة منهجها النظم الحاكمة التى تضع إطار منظم للفكر الإنسانى بما لا يتصادم مع مبدأ الحريات، والفكر يقودنا إلى الفلسفة التى تقودنا بدورها إلى المنهج، ومنهم من ينظر إليها برؤية اجتماعية أو اقتصادية أو تاريخية، لذلك فالرؤية التى تستخدم اصطلاح القوة الناعمة هى فى حقيقتها نظرة اُحادية تفتقر الكثير من قيمتها وجاذبيتها وجذورها وعائدها بل وبريقها.

ثالثاً: القوة الناعمة كانت أبرز أسباب النهضة الفنية والثقافية التى عرفتها مصر فى سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى:

يقول الدكتور محمد خفاجى هناك حقيقة لا تقبل الجدال تتمثل فى أن القوة الناعمة كانت أبرز أسباب النهضة الفنية والثقافية التى عرفتها مصر فى سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، ويروى لنا التاريخ رواية مغربية للرئيس عبد الناصر تدل دلالة قاطعة على أهمية الفن وتأثيره فى حياة الشعوب، ذلك أنه فى مطلع الستينيات كان الرئيس خالد الذكر جمال عبد الناصر يزور دولة المغرب الشقيق، بدعوة رسمية من الملك الراحل محمد الخامس، وكان قد خصص للزعيم المصرى استقبالا جماهيريا حاشدا وعند مرور الموكب الرئيسين بأحد الشوارع الرئيسة، اقترب أحد المواطنين المغاربة من الرئيس جمال عبد الناصر، وسلم عليه ثم طلب منه أن يبلغ تحياته إلى الفنان الكوميدى إسماعيل يس ، من تلك الواقعة أدرك الرئيس جمال عبد الناصر الدور الإشعاعى للفنون فى نفوس الشعوب، سيما السينما التى انطقت هذا المواطن فى المغرب الأقصى ليسأل الرئيس عن إسماعيل يس وذلك قبل أن يتعرف على رئيس مصر ذاته، وبناء على تلك الواقعة قرر عبد الناصر عند عودته أن يهتم بدعم الثقافة وتشجيع الفنون، كقوة ناعمة للهيمنة الإشعاعية فى نفوس الشعوب العربية.

رابعا: النموذج التنموى لا يتم بقرار إدارى وإنما بثراء التنوع الثقافى للشعب المصرى وبدعم القوة الناعمة:

يقول الدكتور محمد خفاجى إن عملية التغيير نحو التنمية والتقدم والانتاج تتحقق بالتدرج وليس دفعة واحدة وإنما باتباع التدابير التثقيفية الهادفة، فالنموذج التنموى لا يمكن إنجازه بيسر وسهولة أو بقرار إدارى يصدر بين ليلة وضحاها، لأن عملية التنمية وتغيير ثقافة الشعب نحو الأفضل عملية جدلية بالغة التعقيد، لا يمكن خلالها إغفال دور القوة الناعمة التى تفتقر إليها كل المشاريع التنموية السابقة فى عهود سالفة لأنه مهما كانت الأهداف العليا للتنمية، فإنها تظل فى أمس الحاجة إلى مقومات تكميلية لازمة لها تتمثل فى دعم «القوة الناعمة» وتعضيدها حتى تلقى تأثيرها القوى فى نفوس الجماهير.

ويؤكد الدكتور محمد خفاجى على تميز الشعب المصرى بثراء تنوعه الثقافى وتعدد مكوناته المجتمعية، وهو ما جعله تاريخيا يتفاعل مع روافده المتعددة الإفريقية والمتوسطية والعربية والأوربية. فى هذا السياق الجيو استراتيجى، تمتلك مصر طاقات واعدة أحدثتها القيادة السياسية لخدمة تواصلها الفاعل وعلاقتها الخارجية والإقليمية والعالمية، والتى لم يتم على مدى عقود زمنية مضت الاستغلال المقبول والمعقول لهذه الإمكانات بهدف وضع السياسات الرشيدة التى من شأنها أن تؤدى إلى حشد وانطلاق القوة الناعمة نحو التوجه إلى الآخر ، على نحو سليم ومؤثر لصالح الوطن.

خامساً: ارتكاز القوة الناعمة المؤثرة على مقومات رباعية الأبعاد، الموقع والتاريخ واللغة والثقافة:

يقول الدكتور محمد خفاجى ترتكز القوة الناعمة المؤثرة على مقومات رباعية الأبعاد، هى الموقع والتاريخ واللغة والثقافة. ومصر تتميز بموقعها الأثير وسط العالم، وحسبما جاء بوثيقة الدستور الصادر فى 18 يناير 2014 مصر هبة النيل للمصريين، وهبة المصريين للإنسانية. مصر العربية بعبقرية موقعها وتاريخها قلب العالم كله، فهى ملتقى حضاراته وثقافاته، ومفترق طرق مواصلاته البحرية واتصالاته، وهى رأس أفريقيا المطل على المتوسط، ومصب أعظم أنهارها: النيل. هذه مصر، وطن خالد للمصريين، ورسالة سلام ومحبة لكل الشعوب. فى مطلع التاريخ، لاح فجر الضمير الإنسانى وتجلى فى قلوب أجدادنا العظام فاتحدت إرادتهم الخيرة، وأسسوا أول دولة مركزية، ضبطت ونظمت حياة المصريين على ضفاف النيل، وأبدعوا أروع آيات الحضارة، وتطلعت قلوبهم إلى السماء قبل أن تعرف الأرض الأديان السماوية الثلاثة. مصر مهد الدين، وراية مجد الأديان السماوية. فى أرضها شب كليم الله موسى عليه السلام، وتجلى له النور الإلهى، وتنزلت عليه الرسالة فى طور سنين، وعلى أرضها احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها، ثم قدموا آلاف الشهداء دفاعا عن كنيسة السيد المسيح عليه السلام، وحين بُعث خاتم المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام، للناس كافة، ليتمم مكارم الأخلاق، انفتحت قلوبنا وعقولنا لنور الإسلام، فكنا خير أجناد الأرض جهادا فى سبيل الله، ونشرنا رسالة الحق وعلوم الدين فى العالمين. ووفقا للمادة للمادة الأولى من هذا الدستور فإن الشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامى، تتنتمى إلى القارة الإفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوى، وتسهم فى بناء الحضارة الإنسانية.

ويضيف الدكتور محمد خفاجى مِصرَ كما ذكرنا تقع فى الركن الشمالى الشرقى من قارة أفريقيا، ولديها امتداد آسيوى، حيث تقع شبه جزيرة سيناء داخل قارة آسيا فهى دولة عبارة للقارات، ولها سواحل طويلة على البحرين الأبيض والأحمر مشتركة بحدود مع سبعة دول وكيانات فيحدها فى الشمال الشرقى فلسطين العربية قطاع غزة وإسرائيل ويحدها من الغرب ليبيا وتشترك مع السودان بأطول حدود برية لها بطول 1280 كم. فضلاً عن حدودها البحرية مع السعودية شرقا وقبرص واليونان شمالا. مصر أقدم الحضارات التى قامت على وجه الأرض حيث بدأ البشر بالنزوح إلى ضفاف النيل والاستقرار وبدأت فى زراعة الأرض وتطور أهلها سريعا وبدأت فيها صناعات بسيطة وتطور نسيجها الاجتماعى المترابط منذ فجر التاريخ.

سادسا: علاقة مصر بالأجنبى علاقة مزدوجة والمصريون أسسوا دعائم متينة للقوة الناعمة على المستوى المتوسطى بالتعدد الثقافى والعيش المشترك بين الأديان المختلفة، وكانت مصر الحصن الواقى ضد التغلغل الاستعمارى. وذاع صيت معركة «حطين» بفضل العمل السينمائى:

يقول الدكتور محمد خفاجى واقع الأمر أن مصر القديمة عاشت حقباً من الزمان فى العصر الفرعونى مروراً بالفرس ثم قدوم الإسكندر الأكبر تأسست بعده الدولة البطلمية، وبعدها غزاها الرومان وظلت تحت حكمهم 600 عام وفى خلال تلك الفترة شهدت ظهور المسيحية فى مصر، ثم جاء الفتح الإسلامى وتحولت مصر إلى دولة إسلامية، ثم تأسست على أرض مصر الطيبة العديد من الدول مثل: الدولة الطولونية ثم الإخشيدية ثم الفاطمية ثم الأيوبية ثم المماليك، وبعد ذلك أصبحت مصر تحت حكم العثمانيين حتى عام 1914 حينما أعلنت السلطنة، ثم تحولت إلى مملكة، ثم تحولت بعد ذلك إلى جمهورية حتى الاَن فطيلة عمر مصر مطمع ومحل للحسد.

ويضيف الدكتور خفاجى هكذا لقد كانت علاقة مصر بالأجنبى علاقة مزدوجة فى الذهاب والإياب، وأسس المصريون خلالها دعائم متينة للقوة الناعمة على المستوى المتوسطى، تمثلت فى جعلها حاضرة التعدد الثقافى والعيش المشترك بين الأديان المختلفة. وأصبحت مصر الحصن الواقى ضد التغلغل الاستعمارى. وقد أحدثت معركة «حطين» فى الشرق، التى قادها صلاح الدين الأيوبى، وذاع خبرها بفضل العمل السينمائى الشهير الذى قدمه

المخرج المصرى الكبير يوسف شاهين، ومن بين الأفلام التى عبرت عن القوة الناعمة الفيلم المصرى الناصر صلاح الدين الذى اُنتج عام 1963، قصة يوسف السباعى، وإخراج يوسف شاهين وهو من الأفلام التاريخية. وقد كان دخل السينما المصرية فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى ثانى محصول اقتصادى بعد القطن ويجب أن تستعيد ريادتها.

سابعا: فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى تمتع الفن بروح الإيثار السخى والاعتماد على الإمكانات الذاتية، وتميز بالإبداع والتألق الفردى والجماعى تعذر استخلافهم:

يقول الدكتور محمد خفاجى لقد تميز العديد من المثقفين المصريين منذ الحصول على الاستقلال عام 1952 بروح الإيثار السخى والاعتماد على الإمكانات الذاتية ، وتميز الفن خلال تلك الحقبة بكل ألوانه وطوائفه بالإبداع والتألق الفردى والجماعى معاً واعتمادهم على قدراتهم العصامية سواء فى الإنتاج الفكرى أو الإبداعى واستطاع يوسف بك وهبى أن يؤسس مدرسة عربية فى المسرح، حتى الأغنية المصرية نستحضر فيها العبقرية أم كلثوم ودعمها للمجهود الحربى، وحققت الفنون إنجازات متميزة كقوة ناعمة لا يستهان بها ، وقد خلت من بعدهم ضعفاُ فنياً وعجزاً عن الخلق الإبداعى، خاصة فى المجال السينمائي؛ فمنذ رحيل الفنانين الرواد، تعذر حتى الآن استخلافهم فى مجال القوة الناعمة المؤثرة وأصاب الفن فقرا شديدا فى جميع أشكال التعبير الفنية الغناء المسرح السينما وشهد ضمورا معتلا ، وفراغا لم يتمكن أحد من بعدهم تعويضه أو بلوغه لذا تقهقر الفن كوسيلة من وسائل القوة الناعمة فى هذا المضمار.

ثامنا: غياب رعاية الدولة للقوة الناعمة فى مجال الإبداع الفنى على مدار أربعين عاما أصابها بالعطب:

يقول الدكتور محمد خفاجى الحق أنه لا يمكن إنكار أثر غياب رعاية الدولة للقوة الناعمة فى مجال الإبداع الفنى على مدار أربعين عاما مضت  قد أصابها بالعطب ، فقد كان يتطلب رصد ميزانية ضخمة للشأن الثقافى والفنى وهو ما أجدبت عنه الحياة الثقافية المصرية طوال تلك المدة الزمنية، كما يفتقر كثير من المبدعين إلى الدعم المادى المناسب لتمويل الإنتاجات الفنية الكبرى ، فالمسرح المصرى الرائد فى المنطقة العربية أصابه فى السنوات الأخيرة نهج التقشف مكرها فى الإنتاج المسرحى، وأهمل توظيف الفنون المتفرعة المختلفة التى تصاحب الأداء المسرحى، كالموسيقى والرقص واللقطات السينمائية والفيديو، ويجب على المسرح المصرى لكى يكون جزءا من المشروع القومى لمصر للتعبير عن القوة المصرية ألا يتنازل عن ابداعاته الجمالية التى كفلت له الريادة فى العالم العربى.

تاسعا: لأهل الفنون دور كبير فى مواجهة التطرف والعنف الإرهابى ولم يعد مقبولا أن وزارة الثقافة لا تصنع مثقفين ولا تنتج مبدعين، فلا يجب أن نبقى أسرى للمنظور المثالى للإبداع فى عصر الثورة التكنولوجية:

يقول الدكتور محمد خفاجى إن للقوة الناعمة من أهل الفنون دور كبير فى مواجهة ومحاربة التطرف والعنف الإرهابى وهو ما يقتضى من وجهة نظرنا إلى ضرورة إعادة تجديد أسلوب التصور التقليدى للشأن الثقافى وتقدير أدواره، فلم يعد مقبولا أو معقولا القول فى عصر تكنولوجيا المعلومات أن الدولة أو وزارة الثقافة تحديداً لا تصنع مثقفين ولا تنتج مبدعين، فلا يجب أن نبقى أسرى للمنظور المثالى للإبداع فى عصر الثورة التكنولوجية، والتى تتطلب استثمارا ضخما فى زمن الصناعات الثقافية ومجتمع المعرفة سواء السينما أو الكتاب أو لمسرح أو الموسيقى ، لذا يتطلب إدراج الفنون ضمن المنظومة التربوية الوطنية، للمساهمة فى تجفيف منابع الإرهاب التى تحرض على العنف والكراهية والتطرف والإرهاب الأسود.

عاشرا: القوة الناعمة مطالبة بمواكبة البيئة الدولية شديدة التعقيد والتنافس والتطور المتحرك لحماية الوطن:

يقول الدكتور محمد خفاجى والرأى عندى أن القوة الناعمة لا تجسد قوة الحكومة فقط، وإنما تجسد أيضاً قوة الشعب، مما يقتضى معه التطور الثقافى سواء على مستوى النخبة أو المستوى الشعبى حتى ينسجم دورها مع طبيعة المتغيرات التى تجرى فى البيئة الدولية من ليتواكب دورها مع هذه المتغيرات لتحقيق النتائج المرغوبة للدولة بطريقة ذكية ، خاصة وأننا نشهد عالما دوليا شديد التعقيد والتنافس والتطور المتحرك ، ومن ثم يبدو دور القوة الناعمة مهما للغاية الفعال للمساهمة فى مواجهة العنف و احتواء النزعات الفكرية المتطرفة ، ذلك أن الهدف الأسمى للجميع، هو استقرار الوطن وعلى أساس متانة الانتماء الوطنى والشعور بالمواطنة والحفاظ على وحدة الوطن، تكون القوة الناعمة متناسبة مع قوة الدولة ومتانة مؤسساتها. فالمجتمع المصرى بحاجة إلى الثقافة فى تعدد مدارسها لا تنافرها أو تناحرها. لذا فإن اتجاه البعض إلى تعمد تشويه صورة الدولة لدى الرأى العام الدولى تحت أى ظرف سياسى أو غير سياسى يعد خيانة كبرى للوطن لا تقبل الغفران ولا تتقادم بمضى الزمن.

حادى عشر: وجوب التوظيف الاستراتيجى للقوة الناعمة الوطنية لتواجه القوى الناعمة المنحرفة للجماعات المتطرفة:

يقول الدكتور «خفاجى» تظهر أهمية «القوة الناعمة» الوطنية فى مواجهتها للقوة الناعمة المنحرفة التى تعتمد عليها الجماعات الإرهابية لأن القوة التى تمتلكها غير الدول من الجماعات المتطرفة والجماعات الأخرى الإرهابية هى قوة ناعمة فى أكثر صورها على صعيد المسرح الدولى ، خاصة فى مجال التوظيف الإعلامى والدينى واستخدام الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعى ومخاطبة المتطرفين بلغات متعددة واستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة وغيرها من المعلومات. هذا التوظيف الاستراتيجى للقوة الناعمة الوطنية فشلت فيه بعض الدول التى تعانى من حالة عدم الاستقرار السياسى ومثالها سوريا والعراق واليمن وليبيا والتى شهدت أحداث ما يسمى بالربيع العربى ، وهو الأمر الذى فطنت إليه مصر مبكراً ، وأصبح الاَن أكثر ضرورة توظيف امكانيات وقدرات القوة الناعمة الوطنية لمنافسة الجماعات المتطرفة من غير الدول أو تلك الدول التى تدعم الإرهاب، والرأى عندى أن التغلب على الجماعات الإرهابية والمتطرفة لا يكون أمنيا فحسب ولا يحتاج إلى القوة العسكرية فقط أو اقتصاديا بتجفيف منابعها أى ليس بالقوة العسكرية والاقتصادية فقط وهو ما يعرف بالقوة الصلبة، وإنما يحتاج إلى توظيف صحيح للقوة الناعمة الوطنية.

ثانى عشر: الدولة لا تحقق أهدافها بالقوة الصلبة «العسكرية والشرطية والاقتصادية فحسب»، وإنما بالقوة الناعمة والفكر والثقافة:

يذكر الدكتور محمد خفاجى الرأى عندى إن الفكر السائد لدى صناع القرار فى مصر الاَن  يدرك تماما أن الدولة لا تحقق أهدافها بالقوة الصلبة فقط أعنى العسكرية والشرطية والاقتصادية فحسب، وإنما هى بحاجة القوة الناعمة أو بالفكر والثقافة والمؤسسات التعليمية فللجامعة دور فى تحقيق اشباع حاجات المجتمع أكثر من حاجات الدولة ذاتها ومظهراً من مظاهر مواجهة التطرف والإرهاب ومحاصرة الحركات والتنظيمات الإرهابية فى خطابها للنشء والشباب وبث روح البغضاء تجاه الوطن، بحيث تكون سياستها الثقافية التى تقوم على التقريب لا التغريب جزءً مكملاً لموارد قوتها فى الساحة الإقليمية، لتسير نحو التقدم وتمارس دورها الحضارى المنشود.

ويضيف دكتور خفاجى أخيرا، لابد من التأكيد على حقيقة مهمة هى أن التوظيف الاستراتيجى للقوة الناعمة من قبل دول الشرق الاوسط لن يكتب له النجاح بدون تعزيز قوة القيم والمثل ونظرة مؤسسات الدول لها.

 

وغدا نعرض للجزء السابع والأخير من هذا البحث القيم