عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«المسحراتى» قصيدة وغنوة ولوحة لم تكتمل

 الفنان سيد مكاوى
الفنان سيد مكاوى

كتبت- نهلة النمر:

على الرغم من أن الناس فى بلادى، أصبحوا يسهرون حتى الصباح، فيدركهم الفجر والسحر، فما عادوا فى حاجة لمن يوقظهم، إلا أنهم مازالوا يعشقون شخصية المسحراتى، حتى وإن لم يعد لوجودها هدف سوى سعادة وضحكات الصغار، حين ينادى الرجل الطيب على أطفال الحى، كل باسمه، وحتى إن كان يأخذ مقابل هذه الأسماء التى دونها فى ذاكرته جنيهات فضية وأطباقاً من الكعك.

طيبون المصريون، وحالمون أيضاً، لذلك دائماً ما تلتصق بهم تهمة «النوستالجيا» وهو المصطلح الذى يستخدم لوصف الحنين إلى الذكريات، وإلى الماضى وكل شخصاياته وأحداثه، فسماع إعلان قديم كنا نسمعه ونحن صغار كافٍ لسريان البهجة فى نفوسنا، أو المرور من شوارع لو يعد منها إلا أسماؤها، يمكنه أن يحمل أرواحنا إلى أيام لا يمكنها العودة أبداً. وهذا يطمئننا أنه فى وقت ما سوف يتحول كل ألم الحاضر إلى لحظات من السعادة عندما يصبح ذكريات وتتحكم فيه «النوستالجيا».

حينما تهل ليالى رمضان، لا أحد منا يملك الفكاك من هذه «النوستالجيا»، ووقتها لا أحد منا يمكنه أن يفوّت ثلاثين قصيدة كتبت بعدد ليالى الشهر العزيز. فى ديوان «المسحراتى» لصاحبه الكبير الشاعر فؤاد حداد، ثلاثون قصيدة تجسد حكايات ومشاعر المصريين كل ليلة فى الشوارع والحارات، ليتلقفها الرائع عمار الشريعى ويهديها لفنان الشعب سيد مكاوى، فيغازل مكاوى المصريين كل ليلة ويبهجهم ويغنى لهم:

أنا صنعتى مسحراتى ف البلد جوال

حبيت ودبيت كما العاشق ليالى طوال

وكل شبر من بلدى حتة من كبدى،

حتة من موال!

المصريون عندما يعشقون يغنون، ويكتبون بالقلم وبالريشة وبأرواحهم أيضاً، لذلك نجد كثيرين من الفنانين التشكيليين حرصوا على تصوير المسحراتى فى لوحاتهم، تخليداً لواحد من أهم طقوس رمضان.

 فهناك لوحتان حملتا نفس الاسم «المسحراتى» الأولى للفنان طه القرنى، والثانية لعمر عبدالظاهر، وقد عبر الفنانان فى لوحتيهما عن الأجواء الروحانية التى تملأ شوارع مصر وقلوب المصريين فى كل رمضان، عندما يجوب المسحراتى شوارع المحروسة.

من أجمل اللوحات التى تناولت شخصية المسحراتى أيضاً وأكثرها متعة، كانت من نصيب فن الكاريكاتير بريشة الفنان محسن أبوالعزم، حيث رسمه حاملاً طبلته بشكل ساخر، من خلال رجل عجوز بملامح كاريكاتورية يقوده ولد صغير يحمل فانوس رمضان.

أما الرسام المختلف إبراهيم حنيطر فقد جاء تصويره للمسحراتى مختلفاً تماماً لفكرة المسحراتى فى حد ذاتها، ذلك الرجل الذى يسهر كى يوقظ النائمين، فالمسحراتى عند «حنيطر» لديه رغبة شديدة فى النعاس، وفى الحقيقة لم يسعدنى الحظ بلقاء «حنيطر» كى أسأله عن رؤيته تلك، خاصة أنه لم يكمل اللوحة؛ ليظل السؤال بلا جواب.

على كل حال يجب ألا نغفل أن المسحراتى شخصية عرفتها كل الأقطار العربية، لكنها فى مصر، وفى مصر فقط، ارتبطت شخصية المسحراتى بقرع الطبول، ومازال صوت المسحراتى يجلجل فى بعض شوارع وحوارى مصر، بالرغم من عدم الحاجة إليه حتى الآن، فى محاولة للحفاظ على التقليد الرمضانى الأشهر الذى بدأ منذ أكثر من ألف عام، منذ أن طاف إسحق بن عقبة والى مصر على ديارها لإيقاظ أهلها للسحور، ثم تولى الجنود هذه المهمة فى عهد الدولة الفاطمية. حتى أصبح إيقاظ أهل مصر مهنة فعينوا لها رجلاً أصبح يعرف بالمسحراتى، كان يدق الأبواب بعصا يحملها قائلا «يا أهل المحروسة قوموا اتسحروا» كل عام ومصر بخير.