رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جلال أمين.. حمل دولابه ورحل

بوابة الوفد الإلكترونية

دون أن يقول وداعًا، حمل دولابه ورحل، كما حنظلة ناجي العلي ولكن بيدين طليقتين بُحَّ صوته تحذيرًا من تفكك المجتمع، ثم أرسى سفينته على الشاطئ الأخير من شواطئ الحياة وذهب ولن يَعُد، جلال أمين.

 

جلال أحمد أمين، المشهور بجلال أمين، أحد رواد جيل- إن جاز التعبير- تفتيح أُفق أجيال عُصِّبت عيناها- عن الحقيقة- عمدًا، فـ83 عامًا عُمْر الراحل، استطاع خلال 60 عامًا- أغلب الظن- أن يرصد كل حركة في المجتمع.

 

 

ماذا علّمتني الحياة؟

إذا كان الكاتب سيصوِّر نفسه ملاكًا؛ فلا داعي لكتابة سيرته الذاتية، لذلك فإنّ بعض من "العيب" يضفي بعضًا من المصداقية على حكايات صاحبها، وهذا ما فعله "أمين" حين كتب سيرته الذاتية "ماذا علّمتني الحياة؟".

بحسب ما يروي في سيرته الذاتية فإنّه "مع تكرار تجربته في الكتابة استقر في ذهنه أنّه من الممكن أن يصبح كاتبًا"، علاوة على وصفه ذلك بـ"حلم من أحلام اليقظة"، إلا أنَّ شعوره هذا زاد بعد نشره لعدد من الكُتُب في غير الأمور الاقتصادية.

بالنظر إلى تجربة جلال أمين في الكتابة؛ فهي لم تكن إلا حلم يراوده منذ الصبا، انشغل عنه مع تخرُّجه في الجامعة، ثم راح يعاوده منذ أن بدأ ينشر في سنٍ مبكرة في بعض من صحف المعارضة.

على الرغم من كُلِّ هذا الصيت الذي حظي به جلال أمين، وربما بعضٌ من هذا الصيت كان السبب فيه والده أحمد أمين، إلا أنّه- أغلب الظن- لم يكن يرى نفسه كاتبًا قط، وهذا ما ينفي عنه صفة "التنظير"، التي يتبنّاها البعض.

أمَّا عن لغة جلال أمين؛ ففي سلاستها لن تجد، فعلى الرغم من تركيزه على تحليل شخصية المجتمع بكل عاداته وتطوراته.. إلخ، إلا أنَّك لن تجد كلمة يصعب عليك فهمها وحتى إذا كتب مصطلحًا جديدًا تجده يستفيض في شرحه حتى لا يشعر القارئ بـ"الغموض" حين يقرأ.

المعروف عن الكُتُب غير الأدبية أنّها مملة، وهذا يعتمد على كاتبها سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو غيرها؛ إلا أنّ من يقرأ لجلال أمين يشعر وكأن مَنْ كتب هذا الكلام هو رجل بسيط يعرف ما يدور بعقول الناس، ويرد عليه دون أن ينتظر منهم الأسئلة.

لذلك لا غرو إن قُلنا إن جلال أمين هو سياسي مُحنّك من الطراز الرفيع ضلّ طريقه إلى الكتابة، وهذا ما يُطلب من القادة السياسيين، وهو الرد بدبلوماسية وهدوء ودراية بكل ما يمكن أن يدور بخُلدِ شعبهم.

 

 

ماذا حدث للمصريين؟

حين كُنّا صغارًا، دومًا ما نسمع أمهاتنا وآباءنا يقولون "ربنا يستر عليكم، محدش عارف زمانكم هيبقى عامل إزاي"، ربما تجد الإجابة جليّة وواضحة في كتاب جلال أمين "ماذا حدث للمصريين؟" ؛ وبمجرد انتهائك من قراءته تجد الإجابة على جملة "مبقاش فيه بركة زي زمان".

تَفرُّد جلال أمين الأساسي نابع من عينه الثاقبة التي كانت لا تنظر لشيء إلا وتجد عنده تحليلًا له أو حتى يبحث عن تحليل لها من خلال ما قرأه، وما عاصره، أو حتى من تجاربه التي خاضها.

لم يترك جلال أمين حقلًا من حقول المجتمع: اقتصاديًا ثقافيًا اجتماعيًا، فنيًّا، إلا وخاض غمار التحليل فيه، وليس تحليل هوائي مبني على عواطفه شخصية، ولكن من خلال رصد ومتابعة قائمة على منهج بحثي يشير إلى أنَّ ما كُتُب لم يُكتب إلا بكل موضوعية وحيادية.

لعل البعض قد يطرح سؤالًا غريبًا إلى حدٍ يتحول معه الضحك إلى بكاء، خاصة بعد الانتهاء من

قراءة كتاب "ماذا حدث للمصريين"، والسؤال المفترض طرحه هو: ما هو الشيء الذي لم يحدث للمصريين؟!.

خلاصة القول كي نغلق صفحة الكتاب المذكور هو أنّه تأريخ لثلاثة أجيال في حياة جلال أمين: الجيل الأول هو جيل آباءه، الجيل الثاني هو جيل الكاتب نفسه،  الجيل الثالث هو جيل أبنائه.

 

 

جماهير غفيرة

من الممكن أن نطلق على هذا الكتاب أنّه الجزء الثاني من كتاب "ماذا حدث للمصريين" ولكن بشكل أعمّ وأشمل، فالكاتب من خلال يرصد جلّ التغيرات التي حدثت في العالم في الفترة من 1952 لـ2002، أي نصف قرنٍ آخر.

في هذا الكتاب "عصر الجماهير الغفيرة" تظهر حيادية وموضوعية جلال أمين عن أي كتابٍ آخر، فحين أراد أن ينظر للمجتمع الأمريكي، والإنجليزي، سرد فيه إيجابياته وسلبياته، لم يفعل كما يفعل الكثيرون من خلال الهجوم غير المستند إلى تجارب، أو حتى حقائق.

لعلّ ما أصقل هذا الكتاب موضوعية وحيادية هو معايشة الرجل للمجتمعين حين كان أستاذًا جامعيًا في كاليفورنيا، وحين كان يُعِّد رسالته في الماجستير في إحدى الجامعات الإنجليزية.

الكتاب لم يخلو أيضًا من رصد للمجتمع المصري خاصة وأنّ الفترة المذكورة حدثت فيها تحوُّلات جمّة بدءًا من ثورة 23 يوليو 1952 مرورًا بالنكسة، وحرب أكتوبر، واغتيال السادات.. إلخ.

 

 

التنوير الزائف

حتى وإن لم نتفق معه إلا أنَّنا بالفعل نحتاج لقراءة هذا الكتاب مرارًا وتكرارًا في هذا الوقت من تاريخ مصر تحديدًا، ونشر مصطلحه الذي أطلقه فيه بعنوان "تصغير الكبراء".

هذا المصطلح الذي ينتقد من خلاله- في الكتاب الذي صدر عام 1999- فكرة تهجُّم البعض على الرموز والمقدسات لدى المصريين تحديدًا، داعيًا إلى التمسك بالهُوية والتراث.

على الرغم من الموجة التي تحدث الآن في نعت كل من هو متديّن بالإرهابي نظرًا لحالة الخلط الشديدة الواقعة في المجتمع إلا أنَّه يُصِّر في الكتاب على أن ليس كل متديّن إرهابي، مشددًا على أنَّ "الفصل بين التديّن والإرهاب واجب".

 

 

الرحيل الكبير

في الرحيل الكبير سيحبه الناس أكثر، سيجرون وراء كُتُبه كي يشترونها، سيتعرفون مجددًا على جلال أمين، الذي كان والده أحمد أمين، صاحب أشهر موسوعة إسلاميات (ضحى الإسلام، فجر الإسلام، ظهر الإسلام، يوم الإسلام)، سيصير جلال أمين مرجعًا هامًا لكل من يحاول أن يتحسس طريقه في تحليل المجتمع المصري كما فعل هو.