عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

اغتيال المراجل البخارية


تركوها خاوية علي عروشها ودمروا كل ما فيها ، اغتالوا كوادرها الفنية النادرة الخراب والدمار اصبحا أهم ملامحها، ليست إسرائيل من قامت بكل ذلك، وايضا لم يحدث ذلك في نكسة 67 ، ولم يستطع العدوان الثلاثي الفتك بها، انها شركة المراجل البخارية التي استطاع النظام السابق افسادها مع سبق الاصرار، ولقد فعل بها ما يعجز اعداء الوطن عن القيام به، لقد دمر هذا الكيان الفريد وافرغه من محتواه «خبراته وكفاءته وعمالة ومعداته» وبعد ذلك هدم منشآته التي تقدر بمليارات الجنيهات لاقامة منتجع سياحي بدلا من الشركة الوحيدة علي مستوي الشرق الأوسط المتخصصة في صناعة الغلايات البخارية وأوعية الضغط العالي وهي صناعة ذات أهمية قصوي للأمن القومي ، وهي نواة البرنامج النووي المصري، ولا توجد شركة مماثلة لها في المنطقة سوي شركة واحدة داخل الكيان الصهيوني، انه هجوم ثلاثي شنه رجال الاعمال والمسئولون وأصحاب النفوس الضعيفة للقضاء علي هذه الصناعة الوطنية.

وعشر دقائق تقطعها بالسيارة من ميدان المنيب حتي تصل إلي منطقة منيل شيحة حيث بقايا هذا الصرح الذي كان يسمي بـ «المراجل البخارية» فالحسرة والألم شعوران يتملكان أي مهتم بالشأن العام مع أول نظرة يلقيها علي الصرح الذي لم يتبق منه سوي سور لا يتجاوز ارتفاعه مترين ، وحول مساحة شاسعة من الأرض، تنتشر فيها بعض الحشائش، وقليل من بقايا البنايات الخرسانية التي تئن ألما وتشتكي حزنا لما وصلت اليه ، حتي ميناء الشركة الذي يقع علي النيل مباشرة تحول الي وكر للمدمنين، ورغم كل ما حدث لم يفقد العاملون بشركة المراجل البخارية الأمل في عودة هذا الصرح العملاق ، الذي كان إحدي ركائز الصناعة الوطنية في مصر، وزادتهم الثورة اصرارا ، فتقدموا بشكوي إلي رئيس مجلس الوزراء الدكتور عصام شرف، بهدف إعادة فتح الشركة لتمارس نشاطها وإعادة تشغيل الماكينات بعد اعادتها من الشركة التي تمتلكها عائلة «ساويرس» ولم يكتفي العاملون بذلك .. بل تقدموا ببلاغ الي النائب العام لمحاسبة المسئولين عن انهيار هذا الصرح العملاق وعلي رأسهم رجل الاعمال خالد محمد عبدالمحسن هلال شتا، رئيس المجموعة الدولية للاستثمارات، الذي قام بدور المدير التنفيذي لمخطط تدمير الشركة. وقد أنشئت شركة «المراجل البخارية» في الستينات بقرار من رئيس الجمهورية ، بمنطقة منيل شيحة بمحافظة الجيزة، علي مساحة 32 فدانا، تشمل «المصنع والميناء» الذي يقع علي النيل مباشرة وهما منزوعة الملكية .. وتم الاستيلاء عليها للمنفعة، مما يؤكد ان استخدامها يكون من أجل الصالح العام ، ونجحت الشركة بمعداتها والعمالة المدربة التي تعتمد عليها العديد من الصناعات القومية والحربية ومن انتاجها «قواعد مدافع الهاون لمصنع 63 الحربي، واجهزة تطهير الافراد للحرب الكيماوية، وأوعية الضغط للقوات البحرية وإنتاج يوافق صهر الصلب لشركة الحديد والصلب وحوائط تبريد أفران لشركة الدلتا والصلب وفرن صهر لحلوان للصناعات غير الحديدية، بالاضافة إلي انتاج أبراج تقطير 4 أمتار لشركة الاسكندرية للبترول، وايضا لشركة السويس للبترول، وعلب تبريدل «القومية للأسمنت» وفرن تسخين للطوب الطفلي.

وتعتبر «المراجل البخارية» هي الشركة الأولي في الشرق الأوسط التي جهزت بأحدث الاجهزة والمعدات لتشغيل الصاج السميك، وتصنيع الغلايات البخارية وأوعية الضغط العالي، كما قامت بتصنيع اجزاء من محطة كهرباء غرب القاهرة ، بالاشتراك مع شركة «بابكوك هيتاشي» اليابانية وقد اسندت إليها الشركات العالمية مثل «بابكوك هيتاشي» و«بابكوك » و«ويلكوكس» الكندية و«ستاندر كسيسل » الفرنسية وعمليات من الباطن لإنتاج عدد من غلايات البخار الخاصة بمحطات القوي بالاضافة الي تصدير مراجل سعات مختلفة لعدد من الدول العربية وقد حصلت الشركة علي شهادة «اللويذر» الدولية بقبولها من الهيئة العالمية كمصنع مراجل وأوعية ضغط ، طبقا للمستوي الأول في اللحام بالانصهار وبذلك اصبحت الشركة من الشركات العالمية في انتاج المراجل البخارية.

وتعتبر «المراجل البخارية» نواة البرنامج النووي المصري فهي الشركة الوحيدة القادرة علي انتاج أكبر قدر من مكونات هذا المشروع الحيوي والقومي الذي طال انتظاره ، فبخلاف الاستخدام التقليدي للمراجل يمكن ان تستخدم في صناعة غلايات صالحة لأن تتحول وقت اللزوم الي مراجل نووية، بحيث يمكن ان تصبح في المستقبل جزءا من وحدات مشروع نووي متكامل، ولهذا السبب فإن وجود صناعة للمراجل في أية دولة من الدول هو واحد من الاسباب التي تدعو تلك الدولة إلي الشعور بالقوة.

كما أن «المراجل» هي الشركة الفريدة والأولي والوحيدة في أفريقيا والشرق الأوسط المتخصصة في هذا المجال الحيوي، باستثناء شركة واحدة في إسرائيل لكنها لم تكن تضم نفس الكفاءات البشرية الموجودة في مصر.ورغم ذلك النظام البائد بجميع أركانه في تدمير هذه الشركة ، سواء بالاشتراك في اغتيال هذا الصرح، أو بالصمت عما يحدث ، ولم يمنعهم صراخ العاملين والبلاغات التي تقدموا بها ، والتي صاحبتها حملة إعلامية في العديد من وسائل الإعلام.. لكن لا بحياة لمن تنادي فيبدو ان التعليمات كانت أكبر من كل ذلك.

وقد بدأ مخطط اغتيال الشركة مع بداية التسعينيات حيث قام عبدالوهاب الحباك ـ وكان وقتها رئيسا للشركة القابضة للصناعات الهندسية، وقد سجن بعد ذلك في قضية فساد شهيرة، ومات داخل السجن.. قام بمنع المادة الخام ، وهي الصاج، عن الشركة، مما أدي الي عدم وفائها بتعاقداتها في الداخل والخارج، وتكبدها أول خسارة في تاريخها عام 1992 وهو العام الذي كان فارقا في تاريخ الشركة .. وفجأة وبدون أي مبررات بدأت تظهر حوادث انفجار الغلايات قبل خصخصة الشركة بعدة شهور، وقيل وقتها ان الانفجارات حدثت بسبب عيوب في التصنيع، أليس هذا السبب مثيرا للتساؤل والاتهام؟ كيف لشركة قدمت انتاجا مطابقا للمواصفات الفنية العالمية طوال 10 السنوات، ان تنتج فجأة وقبل البيع بعدة شهور انتاجا غير مطابق للمواصفات أو معيوباً إلا إذا كان هناك اهمال متعمد في مراحل الانتاج المختلفة في منتج بهذه الاهمية والخطورة ، وإلا يحتمل خطأ أو عبثاً مهما كان طفيفا؟... إن ماحدث كان مبررا لعمليات البيع وهو ما كشفه حوار عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق مع جريدة الشروق بتاريخ 4/3/2011 مبررا بيع الشركة وانهيارها بقوله: ارجعوا

للجرائد تجدوا انه وقعت 3 حوادث انفجار في الغلايات قبل ان نفكر في بيع الشركة ، ورد علي سؤال: ماذا لو رجع بك الزمن هل تبيع شركة المراجل البخارية لنفس المستثمر بنفس الشروط رغم فشل عملية الخصخصة والفساد الذي شابها، كان رد عبيد بالطبع سأبيعه لنفس المستثمر، ولكن سأضع شرطا أن تكون الاولوية للانتاج المحلي مثلما فعلت كوريا ولذلك يتحمل عاطف عبيد جزءا كبيراً من المسئولية عن تدمير هذا الصرح..فهو الذي أعلن عن طرح الشركة للمشاركة التي تحولت الي بيع في مزايدة عالمية كأول شركة قطاع عام يتم بيعها في إطار برنامج الخصخصة .. وبالفعل تقدمت 9 شركات وقام بالتفاوض معهم محمد عبدالوهاب الحباك رئيس الشركة القابضة حينذاك.. وتم بيع الشركة بمبلغ 17 مليون دولار ، منها 11 مليونا قيمة الشركة و5 ملايين أصولاً ثابتة، علما بأن المنتجات الموجودة بها وقتها كان ثمنها يعادل حوالي 9 ملايين دولار ، وتكتمل حلقة الفساد وإهدار المال العام باعفاء الشركة الكندية الأمريكية من سداد الضرائب والديون المستحقة عليها، وتم خصم هذه المستحقات من الثمن الذي قدرت به الشركة ورغم ذلك كانت هناك عروض للشراء من ألمانيا واليابان بأسعار أعلي من العرض الأمريكي ولكن تم البيع لشركة «بابكوك وويلكوكس» الأمريكية بحجة احتفاظها بالعمالة وللأسف كانت الإدارة «كوكتيلا» من اليونان وإسرائيل وايطاليا وباكستان ومن ضمن الإدارة ضابط مهندس دانيال جريفن إسرائيلي ممن حاربوا مصر سنة 1973 واعترف بذلك. وقد أسند للشركة بعملية محطة الكريمات بحوالي مليار و800 مليون جنيه. من بعدها عملية سيدي كرير وعيون موسي وبعد الانتهاء من هذه العمليات كانت المفاجأة قيام شركة «بابكوك وويلكوكس» بالغاء نشاط المراجل تماما حيث ان مسئولي هذه الشركة كانوا عازمين علي القيام بهذه المشروعات الثلاثة فقط والتي اسندتها لهم وزارة الكهرباء. وتستمر مسيرة التبديد الفاضح للمال العام ببيع الشركة لرجل الأعمال محمد عبد المحسن شتا، والذي غير اسمها الي الشركة الدولية لتصنيع المراجل ، وثم قام باستكمال السيناريو بالتعاون مع ابنه. وقد قام خالد محمد شتا بتفريغ 11 فدانا من أراضي الشركة وهدم ما عليها من مبان وكانت ورشاً لتصنيع الغلايات الصغيرة ومخزنا ومسجدا ومبني إداريا مكونا من طابقين ومركز التدريب الألماني التابع للشركة والذي كان يقوم بضخ العمالة المدربة للشركة ولسوق العمل، ويستكمل شتا مخطط التدمير والتبديد لاصول الشركة في فبراير 2005 ببيع هذه الاراضي الي شركة الخلود للاستثمار العقاري المملوكة له ايضا.. أي انه تم تقسيم الشركة إلي شركتين .. وبعد افلاس الشركة تم دمج الشركة الدولية لتصنيع المراجل والاعمال المعدنية مع الشركة الوطنية للصناعات الحديدية والمملوكة لـ « ساويرس» ودمج شركة الخلود الاستثمارية العقارية المملوكة لـ « آل شتا» مع شركة أوراسكوم للسياحة والفنادق والمملوكة ايضا لـ « ساويرس» وبذلك تم تفكيك ونقل جميع المعدات والاجهزة ونقلها الي الشركة الوطنية بالسادس من أكتوبر، مع اجبار العاملين بالشركة علي العمل في مجال غير مجالهم ، حيث ان الشركة الوطنية تعمل في تصنيع الهياكل التي تقل في تقنيتها عن تصنيع المراجل البخارية.

ويقول فاضل رضوان أحد العاملين السابقين بالشركة ان انتاج الشركة كان يغطي 90٪ من الانتاج المحلي .. ولكن تم تدميرها لصالح فئة معينة من رجال الاعمال بهدف انشاء منتجع سياحي عليها ويتمني رضوان عودة الشركة الي سوق العمل مرة أخري، مطالبا باسترجاع جميع الماكينات الخاصة بالشركة من مصانع «آل ساويرس» وجميع المستندات الفنية الخاصة بتكنولوجيا التصنيع.

وانتهي هذا السيناريو الهزيل الذي ارتسمت ملامحه عام 2008 بعد 14 عاما من بداية تنفيذ هذا المخطط وتخلله صراع بين العمال والمستثمرين الذين كانوا يمتلكون كافة الصلاحيات لتدمير هذا الصرح وكانت النتيجة النهائية فوز ساويرس بالمعدات وشتا بالأرض، والعمال الغلابة تم توريثهم لـ «آل ساويرس» بدون مقابل أو ضمانات وخسر الوطن صناعة استراتيجية ترتبط بالأمن القومي لمصلحة من لا نعم .... ؟! وهذا ما نتمني ان تكشفه التحقيقات في الايام القادمة، وتتم محاسبة شلة الفساد التي دمرت المراجل البخارية.\