رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

المرأة «الحديدية».. و«الرجل!» الـ..سريري

منذ ساعات، حصلت بطلة فيلم «المرأة الحديدية» على «جولدن جلوب» أفضل ممثلة، وبعد ساعات يقف فريد الديب أمام المحكمة محاولا إيجاد مخرج لـ«الرجل السريري» في جرائم، هي الأقل، في قائمة جرائمه الطويلة.

..في بريطانيا، عندهم «تاتشر».. المرأة الحديدية، ويستمتعون بفيلم عنها تلعب بطولته ميريل ستريب.
وفي مصر، عندنا «المخلوع».. الرجل السريري، ولدينا من يستمتعون بمشاهدة «فيفي عبده» و«سمية الخشاب» في.. «كيد النسا».!
............
إن تعجبت من الحالة التي يحاول أن يظهر عليها «المخلوع» وهو «الرجل!»، تعجب أولا ـ ومع الفارق ـ من «امرأة» في «قامة» و«قيمة» و«مقام» و«قدر» مارجريت تاتشر وهي تتابع بنفسها أدق تفاصيل تشييع جثمانها، وتحضر اجتماعا تم تخصيصه لهذا الشأن..!
والفارق ستجده أيضا، وأنت تقارن بين سينما تحاول (إن لم تكن فعلت) أن تكون مرآة عاكسة، وأخرى لا تجد ما تعكسه، وإن وجدت لا تستطيع..!
عشرون سنة أو يزيد مرت على تركها رئاسة الوزراء، ولا تزال تاتشر تحتفظ بشعبيتها، وثلاثون سنة قضاها مبارك جاثما على صدورنا دون شعبية تـُذكر (أو لا تُـذكر)، ونحاول حتى بعد خلعه بـ 11 شهرا أن نتخلص من مخلفاته.. وليتنا نستطيع..!
عشرون سنة تقريبا، مرت على استقالتها من رئاسة الحكومة وحزب المحافظين، ولا تزال المرأة الحديدية تشغل العالم: كتب أفلام سينمائية حلقات تليفزيونية درامية ووثائقية وحتى على مستوى معارض الفن التشكيلي.
ومنذ ساعات، تم الإعلان عن جوائز رابطة الصحفيين الأجانب في هوليوود، المعروفة باسم «جولدن جلوب ـ Golden Globe» لتحصل بطلة فيلم «المرأة الحديدية ـ The Iron Lady» على جائزة أفضل ممثلة، وهو الفيلم الذي يتناول سيرة تاتشر وبدأ عرضه قبل أيام في نيويورك ولوس أنجلوس، وفي السادس من يناير بدأ عرضه في بريطانيا، تسبقه إشادات نقاد كثيرون في كبريات صحف العالم.
ــــــــــــ
تاتشر بطعم ميريل ستريب
ــــــــــــ
بتوقيع المخرجة «فيلدا لويد» لعبت سيدة سيدات الأوسكار ميريل ستريب دور «المرأة الحديدية» في فيلم حصلت عنه ـ قبل ساعات ـ على «جولدن جلوب» أفضل ممثلة، وسيأتيها خلال أيام (26 يناير) بالترشيح رقم 17 لأوسكار أفضل ممثلة، وقد تنال عنه ثالث أوسكار لها.
حالة «هوس» أحدثها الفيلم لدرجة ظهور مدونة كاملة لمتابعته.
وأصاب الصحافة الفنية العالمية، نوع من الذهول بمجرد ظهور أول صورة منه.
ونجاح متوقع في شباك التذاكر، بعد الاكتساح القوي لفيلم «خطاب الملك» الذي مس مشاعر الأمريكيين وأشعل رغبتهم في التعرف على الشخصيات العامة البريطانية ذات المواقف القوية.
في «المرأة الحديدية» تلعب ميريل ستريب دورا وصفته بأنه أكبر دور في حياتها.. دور تاتشر وهي تتأمل فترات الصعود والهبوط في مشوارها السياسي، كسياسية صاعدة، وكامرأة مسنة مرتبكة، تنظر إلى الوراء لسنوات توليها رئاسة الحكومة.
ــــــــــــ
ابنه البقال.. تسرق الحليب!
ــــــــــــ
المرأة التي وصفوها (وما زالوا) بـ«الحديدية»، خرجت  من قاع مجتمع البسطاء..
ومن الصفوف الخلفية، ظلت تتقدم حتى جلست في المقدمة، حيث كان يجلس ونستون تشرشل.
تلك هي مارجريت هيلدا روبرتس، التي أصبحت فيما بعد مارجريت تاتشر، وأتمت في 13 أكتوبر الماضي عامها السادس والثمانين.
أبوها كان يمتلك محلا للبقالة.
وأمها «خياطة» لملابس السيدات..
لذلك، كانت نشأتها بسيطة ومتقشفة ومع تربيتها الصارمة، امتلكت شخصية قوية، يندر أن تمتلكها امرأة، وأصبحت إحدى أهم الظواهر في الحياة السياسة (بريطانيا ودوليا) خلال النصف الأخير من القرن العشرين، وأول سيدة تتولى منصب رئيس الوزراء في تاريخ بريطانيا، وأول رئيس للوراء يتم انتخابه ثلاث مرات متتالية كما حافظت على صدارتها لقائمة أكثر الشخصيات شعبية بين رؤساء الوزارة البريطانيين، حتى بعد تركها للمنصب.
حدث ذلك، رغم أنها خلال رئاستها للوزراء أطلقوا عليها لقب «الخطافة»، و«سارقة الحليب» والسبب هو أنها منعت الحليب المجاني عن طلاب المدارس تنفيذا لسياسة التقشف التي اتخذتها؛ لتخفيف الإنفاق.
............
ومع تفوقها الدراسي، حققت أيضا إنجازات رياضية، الأمر الذي مكنها من الحصول على منحة لدراسة الكيمياء بجامعة أكسفورد سنة 1943وبتخرجها سنة 1947، عملت أخصائية كيميائية، وفي أوقات فراغها درست القانون، قبل أن تتزوج سنة 1951 من دينيس تاتشر أحد الضابط السابقين في سلاح المدفعية الملكية، وكان يعمل مديرا لعدد من شركات البترول، وبعد ذلك أصبح واحدا من رجال الأعمال المشهورين، ومنه أنجبت توأمين: مارك وكارول.
ـــــــــــ
وزيرة فرئيسة وزراء
ـــــــــــ
مستندة إلى ثقافتها الواسعة، وإلمامها بكثير من الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبحرصها في الوقت نفسه على استقرارها الأسري، خاضت تاتشر دهاليز الحياة السياسية، فالتحقت بمجلس العموم سنة 1959 بعد سلسلة من النشاطات المتعددة والواسعة، وبعد تفوق ملحوظ في العمل السياسي والقانوني، وبعودة المحافظين إلى الحكومة بقيادة إدوارد هيث سنة 1970 وقع الاختيار عليها لتكون وزيرة للتعليم، وعمرها 44 عاما، فغيرت السياسة التعليمية التي سبقتها، واهتمت بالتربية في المراحل الأولى للتعليم على حساب المراحل العليا، وعملت على زيادة أعداد المدرسين المؤهلين بتسهيل فرص التدريب لهم.
ولم تمر أربع سنوات، حتى كانت أول امرأة تترأس حزب المحافظين منذ تأسيسه، في انتخابات جرت سنة 1975.
وتمكنت من قيادة حزب المحافظين ليحقق سنة 1979 فوزا كاسحا على حزب العمال، وتقوم هي بتشكيل الحكومة لتصبح أول امرأة ترأس الوزراء للمرة الأولى في تاريخ بريطانيا.
ـــــــــــ
كلام الرجال.. وفعل النساء
ـــــــــــ
«إذا أردت الكلمة فاسأل الرجل، وإذا أردت الفعل فاسأل النساء».
تلك إحدى أشهر عباراتها، وفعلا كانت تتكلم قليلا وتفعل كثيرا، وكانت قدرتها على ضبط انفعالاتها أهم ميزاتها.
...........
الحكومة الأولى لتاتشر، أو السنوات الأربع بين 1979 و 1983 ووجهت بانتقادات حادة ولاذعة، فقد شهدت تلك الفترة ارتفاعا كبيرا في معدل البطالة..
لكن تاتشر سرعان ما بدأت العمل على علاج الاقتصاد البريطاني الذي أصابه الركود ونجحت في إخراجه من نفق الكساد، بآراء قوية، وقدرة على اتخاذ القرارات وصبر غير عادي حتى يتم تنفيذها، واستعداد تام لتحمل تبعاتها..
وعن ذلك استحقت لقب «المرأة الحديدية».
خاصة، بعد أن حققت بريطانيا في عهدها أول انتصار عسكري بريطاني بعد الحرب العالمية الثانية، حين تمكنت القوات البريطانية من هزيمة القوات الأرجنتينية في حرب «فوكلاند» سنة 1982، وهي الحرب التي انتهت باستعادة تلك الجزيرة التي احتلتها الأرجنتين، وباستعادتها ورفرفة علم التاج البريطاني عليها، عادت الهيبة والتقدير للعسكرية البريطانية، ودخلت تاتشر إلى

قائمة العظماء في التاريخ البريطاني، وبشكل لم يحدث من قبل، أقيم لها تمثال في ميدان البرلمان.
ـــــــــــ
وانتهت مع حرب الخليج
ـــــــــــ
بنهاية حرب الخليج الثانية سنة 1991، ورغم النصر الذي حققته قوات التحالف، لم تستطع تاتشر التحكم في زيادة أعداد معارضيها، كما فشلت في كسب ثقة المحافظين، ومع تداعيات بريطانية كثيرة داخلية وخارجية، زاد المعارضون لها داخل الحزب، ففضلت ألا تكون سببا في حدوث انقسامات داخل الحزب استقالت من الحزب ومن الحكومة بعد 11 سنة كانت هي أطول فترة لرئيس وزراء في بريطانيا، لتحصل على لقب «البارونة»، وعضوية مجلس اللوردات.
...........
استجابة لتوصيات الأطباء، عقب تعرضها لسلسلة  انتكاسات صحية، كفت تاتشر قبل سنوات عن المشاركة في الفعاليات العلنية وابتعدت عن النشاط السياسي والاجتماعي.
وبقدر كبير من الحزن والأسف، استقبل العالم قبل أربع سنوات تقريبا، الصورة التي رسمتها ابنتها كارول في مذكرتها التي نشرتها على حلقات جريدة «ميل أون صنداي» الشعبية.
الصورة، كانت لامرأة مختلفة تماما عن الشخصية السياسية القوية التي كانت تتبختر على الساحة العالمية، وطبعا، لم يكن أحد يتخيل أن تعاني صاحبة أقوى العقول السياسية في العالم من تدهور في القدرات العقلية.
وفي المذكرات، كتبت كارول: «المرأة التي سيطرت على المناقشات لفترة طويلة لم تعد قادرة على بدء أية مناقشات أو متابعة الخيط في أحاديث الحفلات الصغيرة».
وغير الجلطات، والأزمات الصحية التي تعرضت لها، فإن ما أدى لتدهور قدرتها العقلية ـ كما ذكرت كارول تاتشر ـ كان وفاة والدها دنيس تاتشر سنة 2003 وهو ما تنسى والدتها في أحيان كثيرة انه حدثت، وهو ما حتم على كارول أن تنقل لوالدتها هذا الخبر السئ مرات كثيرة..!
ـــــــــــ
تعد خطة دفنها!
ـــــــــــ
في عددها الصادر يوم 11 ديسمبر، نشرت جريدة «صنداي تايمز» أن تاتشر أعدت وأقرت مسبقا خطة دفنها بعد موتها.
وذكرت الجريدة البريطانية أن تاتشر البالغة من العمر 86 عاما رفضت إقامة مراسم التكريم الحكومية الواسعة أثناء دفنها، وبالتحديد إقامة استعراض للطائرات الحربية وتنظيم مأتم تأبيني بحضور واسع للشخصيات السياسية والاجتماعية. وأشارت الصحيفة إلى أن حالة تاتشر الصحية لم تشهد تدهورا في الآونة الأخيرة.
تاتشر أوصت بأن يتم عرض التابوت الحامل لجثمانها  أثناء مراسم التشيع في القاعة الكبيرة لـ«ويستمنستر هول» مقر البرلمان البريطاني، وأن يقتصر حضور المراسم على نواب البرلمان والشخصيات التي ستحصل على دعوات خاصة.
وتريد تاتشر، أن يتم دفنها في مقبرة تابعة للمستشفى الملكي في تشيلسي بالقرب من قبر زوجها الراحل دينيس الذي توفي سنة 2003.
ووفقا لما نشرته «صنداي تايمز» فمن المفترض أن تشارك في مراسم تشييع أسطورة السياسة البريطانية والعالمية الملكة إليزابيث الثانية وأعضاء آخرون من الأسرة الملكية البريطانية، إضافة إلى شخصيات عالمية مرموقة في فترة تولي تاتشر منصب رئيس الوزراء، منهم ميخائيل جورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي السابق، ونانسي ريجان أرملة رونالد ريجان الرئيس الـ40 للولايات المتحدة، وغيرهم.
............
الغريب هو أن مسألة توديع تاتشر إلى مثواها الأخير تجري مناقشتها منذ سنة 2007، وانعقد في الأسبوع الأخير من ديسمبر اجتماع  لمناقشة خطة تشييع «المرأة الحديدية» بالتفصيل  في لندن، تحت إشراف فرانسيس مود عضو الحكومة البريطانية!!
ــــــــــــ
بين تاتشر والمخلوع!
ــــــــــــ
بلهفة، انتظر البريطانيون أن يشاهدوا «سيرة امرأة» من عظماء بريطانيا، وبنفاذ صبر ينتظر المصريون أن يتخلصوا مما تبقى من «سيرة رجل» من أسوأ من أنجبت مصر.
هناك.. انتظروا عرض فيلم صارع على «جولدن جلوب».. وقريبا يصارع على الـ«أوسكار»..
وهنا ننتظر انتهاء عرض فيلم طويل ممطوط وممجوج، يصارعنا «نحن».. وقريبا قد يقضي علينا يأسا وكمدا إن لم ينته..!
وهذا بالضبط هو الفارق بين فيلم «المرأة الحديدية» الذي يختصر في مائة وخمس دقائق على الشاشة، تاريخَ شعب بعاداته ومظاهره الاجتماعية والإيديولوجية والسياسية والتاريخية..
وفيلم «الرجل السريري» الذي امتد لأحد عشر شهرا دون أن يقدم إجابة مقنعة أو حتى غير مقنعة عن سؤال واحد..!
.............
في بريطانيا.. عندهم «تاتشر» المرأة الحديدية.. ويستمتعون بفيلم عنها تلعب بطولته ميريل ستريب.
وفي مصر عندنا «المخلوع» الرجل السريري، ولدينا من يستمتعون بمشاهدة «فيفي عبده» و«سمية الخشاب» في.. «كيد النسا».!
ــــــــــــــــ
[email protected]