رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

محاكمة المخلوع.. الدلالة والرمز

تابعت مثل ملايين المصريين مشهد الرئيس المخلوع وهو يدخل قفص الاتهام مع نجليه وزبانية نظامه.. المشهد ذكرنى بمشهد مختلف، حدث فى عصر هارون الرشيد، عندما إقتاد الحرس الوزير يحيى البرمكى مع ابنه إلى السجن.. سأل الابن أباه البرمكى: يا أبتِ ترى مانحن فيه من ذل بعد عز وجاه؟.. فأجاب الأب البرمكى: نعم يابنى إنها دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها.. هكذا كان سؤال الابن وجواب الأب عندما كان العدل والإيمان يمتلك قلوب الناس ولو كانوا على مقربة من أبواب السجون.

لم نسمع من مبارك المخلوع ومن ابنيه سوى نفى التهم وكلمات تنم عن العناد والمكابرة، فلم يكن الابنان علاء وجمال يشعران بأن العز والجاه قد فارقاهما، ودخلا القفص يرتديان أحدث «التيشرتات» البيضاء وقد صفف كلاهما شعره وكأنهما فى نزهة صباحية..

أما الأب الثمانينى فقد كان مشغولاً عن الجميع بالعبث فى أنفه وذقنه، لم يكن الرجل مبالياً كعادته بدعوات ملايين المظلومين والمكلومين الذين غفل عنهم طوال ثلاثين عاماً.

وأغلب الظن أن الرئيس المخلوع الذى لم يشعر بغضبة ملايين المصريين، ولم يستمع لما كان يتوجب عليه أن يسمعه من هتافات فى ميادين التحرير، مستعد أن يصدق أن هؤلاء الشباب الذين ولدوا فى عهده لن يتراجعوا يوماً عن اقتلاعه ومحاكمته علناً..

لم يصدق المخلوع أن شعبه سوف يقتص منه بعد أن أزهق أرواح المئات وأصاب الآلاف غيرهم برصاص وزير داخليته.

جاء مبارك إلى قفص أكاديمية الشرطة صابغاً شعره، محمولاً على سريره النقالى غير مصدق أن مصر سوف تحاسبه وتقول له ولنجليه ورجال نظامه الفاسدين

من أين لك هذا؟

وأتصور أن كل مصرى وعربى رأى مشهد المخلوع الثمانينى وزبانية نظامه داخل القفص قد أخذ يفرك عينيه طويلاً غير مصدق ما يحدث فلم تتعود أعيينا نحن العرب ومن عقود طويلة على محاكمة حكامنا، فهم للأسف قابعون وجاثمون على صدورنا ما لم تقتلهم رصاصة أو تغتالهم عبوة ناسفة، ومن ينجو منهم لا يترك قصره العامر إلا إذا استدعاه قبره الغابر، ولا أغالى إذا قلت إن لحظة محاكمة المخلوع لم تكن لحظة تاريخية فحسب بل كانت لحظة فارقة لا تقل فى تاريخيتها وعظمتها عن لحظة التنحى.

بيد أن ما يعنينا من هذا كله أو بعضه هذه الدلالة الرمزية لهذه المحاكمة وكونها بداية لخروج شعوب عربية من نفق مظلم طالت أزمنته، فما يجرى فى سوريا وليبيا واليمن من قتل متوحش وعنف «دامٍ» يدل على حقيقة واحدة هى انحطاط أخلاق بعض حكامنا، وأعتقد ان محاكمة مبارك فى مصر ستكون ملهمة لشعوب عربية بضرورة تسريع هذا اليوم الذى نشهد فيه محاكمة كل ديكتاتور تلطخت يداه بدماء شعبه.