رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

العصيان المدني وتدخل الجيش

لا يوجد إجماع محدد علي تعريف العصيان المدني، فبينما يري الكاتب الأمريكي هنري ديفيد ثورو أنه أحد أساليب الثورة والرفض السلمي للقوانين غير العدالة، نجد نظيره جون رولز يعرفه بأنه احتجاج سلمي عام يخاطب حس العدالة ويبعث برسالة جماعية تهدف إلي تعديل القوانين وسياسة الحكومة.

والعصيان المدني قديم قدم البشر، ولعل أول ظهور له كان في الأسطورة اليونانية الشهيرة «أنتيجون» التي ضربت فيها البطلة بكل قوانين وأعراف المدينة عرض الحائط لتكفل لشقيقها المذنب مدفناً لائقاً.
وفي كوميديا «ليسيترات» لـ «أريستوفانيس» نجد النساء جميعاً يمتنعن عن معاشرة أزواجهن لإجبارهم علي وضع نهاية للحرب، فيما سجل التاريخ الروماني احتجاجات الرومانيات عام 195 ق. م علي القيود المفروضة علي ملابسهن.
وقد أرسي «ثورو» رائد النظرية الحديثة في العصيان المدني مبدأ مهماً في مقالته المنشورة عام 1849 قال: ليس علي الفرد محاربة الحكومة ولكن يجب عليه ألا يدعمها في أي شيء. ومن منتصف القرن العشرين تولي مارتن لوثر كينج زعامة العصيان المدني للسود ضد التفرقة العنصرية في أمريكا، وقاد حملة لمقاطعة الحافلات الحكومية للسود ضد التفرقة العنصرية في ولاية ألاباما، وبدأت حملته برفض مواطنته الزنجية «روزا باركس» إخلاء مقعدها لراكب أبيض واعتقل كينج ونجح عصيانه وصدر قانون يحظر الفصل العنصري في الحافلات والأماكن العامة.
وفي الهند كان العصيان المدني أحد أهم أساليب المقاومة السلمية ضد المستعمر البريطاني، واستخدام الزعيم الهندي «غاندي» العصيان المدني كوسيلة لحصول بلاده علي الاستقلال، ولعل مسيرته الشهيرة إلي مستنقعات الملح كانت أحد أهم الأسباب التي عجلت برحيل الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس وتعود القضية إلي عام 1930 عندما جمع «غاندي» نحو 50 ألفاً من أنصاره وتوجه بهم مشياً علي الأقدام لمسافة 300 كيلو متر، حيث مستنقعات الملح التي كانت تدر دخلاً كبيراً تستخدمه بريطانيا لسد احتياجات جيوشها، وعندما وصل غاندي وأتباعه إلي مدينة «جبلبور» توقف العمال الهنود عن جمع الملح تضامناً معه، وهو ما شكل ضغطاً علي الحكومة البريطانية ودفعها إلي الاستجابة لمطالب المحتجين.
وكان غاندي قد وضع مبادئ عامة للعصيان المدني أهمها: عدم التعامل بالعنف، وأن المقاوم للسلطة لا يجب أن يكون مشحوناً بالغضب وعليه أن يتحمل غضب معارضيه بل وهجومهم دون مقاومة، وكما ناهض غاندي الإنجليز بالعصيان المدني في الهند، ناضل سعد زغلول الاحتلال البريطاني في مصر، فعقب اعتقال زعيم ثورة 1919 ورفاقه اشتعلت الثورة في بر مصر وانطلقت شرارتها الأولي من جامعة فؤاد الأول من بين أروقة الأزهر الشريف واتسع نطاق العصيان والاحتجاجات والتظاهرات، فأعلن عمال الترام والسكة الحديد إضرابهم العام،

كما أضرب السائقون وعمال البريد والكهرباء والجمارك والمطابع والموانئ وغيرهم.
وأتصور أن ما يحدث الآن من عصيان مدني في بورسعيد وامتداده إلي جارتيها الإسماعيلية والسويس وإلي بعض المدن المصرية الأخري في الدلتا والصعيد هو مواصلة للتاريخ النضالي ضد السلطة الغاشمة.
والخطورة هنا في عدم فهم جماعة الإخوان لطبيعة هذا العصيان وأسبابه ولا تعمل علي امتصاص غضب الناس فيندفع الطرفان إلي الاشتباك والتقاتل، فتغرق البلاد من جديد في بحر من الدماء، هو الأمر الذي قد يدفع الجيش إلي التدخل للسيطرة علي الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، وهو سيناريو مطروح بقوة رصده العديد من السياسيين ووسائل الإعلام المحلية والعالمية في الفترة الأخيرة، خاصة بعد أن بادر الجيش نفسه في التنويه عنه والتحذير منه، وكانت أول إشارة لهذا التدخل في البيان الذي أصدره الجيش في الشهر الماضي ودعا فيه القائد العام للقوات المسلحة الأحزاب السياسية المتصارعة إلي مائدة الحوار، محذراً من العواقب الوخيمة لهذا الصراع التي قد تؤدي إلي انهيار الدولة، وأعقب هذا التحذير عدة تصريحات لرئيس الأركان صدقي صبحي، والذي قال صراحة «إذا احتاج شعب مصر الجيش سيكون في أقل من الثانية موجوداً في الشارع» وهو التصريح الذي أغضب «مرسي» بينما دفع بالعديد من النشطاء السياسيين إلي مطالبة الجيش بالتدخل لإنهاء الأزمة المتصاعدة في البلاد، بل إن البعض في بورسعيد تحديداً سارع بتحرير توكيلات في الشهر العقاري للفريق عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع لإدارة شئون البلاد.
ويبقي السؤال مطروحاً: ماذا لو امتد العصيان إلي كل المدن المصرية وتصدت له ميليشيات الإخوان بالقوة، وسالت دماء المصريين من جديد في الشوارع والميادين وأصبح الوضع خارج نطاق السيطرة.. فهل سيتدخل الجيش بأمر الرئيس أم ضد الرئيس؟