عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

السياحة.. الغائبة

لم يدرك قيمة السياحة - قبل سنوات - إلا نفر قليل من البشر، وكان السفر إلي المقاصد السياحية لا يعرفه إلا الوجهاء من المشاهير وأصحاب الثروة.. وأذكر أن موسم السياحة بمصر في أواخر القرن الماضي كان يعد ناجحاً إذا جاء أغاخان وزوجته البيجوم وغيرهما من الأغنياء وامتلأت بهم غرف فندقي «كتاركت» في أسوان و«إنتربالاس» في الأقصر.

وأغلب الظن أن أوروبا لم تعرف السياحة التجارية لا بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة بعد أن أخذ الأمريكان يجوبون العالم وفي جيوبهم «الدولار» ملك العملة في ذلك الوقت وحتي الآن.. ولعل شغف الأمريكان بالسفر إلي البلدان الأوروبية لم يكن بدافع الفرجة والترفيه بقدر هذا الفضول الذي يدفعهم إلي اكتشاف أصولهم الأوروبية، وقد ساعد اكتشاف وتدفق البترول آنذاك علي تحريك عجلة السياحة في العالم كله وأصبحت البواخر والطائرات والسيارات تتحرك بطاقة أسرع وأرخص، فبعد أن كانت الرحلة بالطائرة من نيويورك إلي باريس تستغرق 36 ساعة الآن تقطعها طائرة الكونكورد وغيرها في 4 ساعات فقط.. وقد تنافست شركات السفر والسياحة في ذلك الوقت في كسر حاجز التكاليف وابتكر رجل أعمال إنجليزي يدعي «لاكر» أرخص طريقة للسفر إذ ألغي المضيفة الشقراء والطعام الفاخر مقابل نقل المسافر فقط إلي مقصده السياحي وهو ما دفع ملكة إنجلترا إلي منحه لقب «سير» مكافأة له علي ابتكاره.
أتصور أن هذا الابتكار وغيره هو الذي أوصل السياحة الأوروبية إلي متناول الجميع، فامتلأت الطائرات والبواخر بمجموعات البوليتاريا وتدفق أبناء الطبقة المتوسطة علي الشركات السياحية يدفعهم البحث عن بلاد لم يروها من قبل وأصبح أقل الناس دخلاً يركبون الطائرات والبواخر والسيارات والدراجات أو يسيرون علي الأقدام وينامون في أرخص الفنادق وداخل الخيام.. المهم أن يتحرك الجميع ويعبر حدوداً لينسوا ولو لشهر واحد ما كابدوه بين الآلات والمكاتب الإدارية المملة 11 شهراً من العمل المتواصل.
عندما أتذكر ذلك كله أتحسر علي مصر وسائر بلداننا العربية التي تزخر بكل مقومات السياحة العالمية ولا تأخذ نصيبها من كعكة السياحة الأوروبية التي تربطها الآن سوق للسياحة الداخلية.
صحيح لدينا أسباب ومعوقات عديدة تجعل السوق السياحي سواء في مصر أو في الكثير من البلدان العربية «مضروباً» وتقول الأرقام إن العام الماضي كان الأسوأ في تاريخ السياحة المصرية والعربية باستثناء بعض الدول مثل الإمارات والمغرب، والبعيدتين عن سخونة المشهد السياسي

والأمني في مصر وليبيا والعراق وسوريا.
والسؤال: ماذا نفعل؟.. وما السبيل لوقف نزيف خسائر السياحة المصرية والعربية؟.. أعتقد أننا بجاحة أولاً إلي الهدوء والاستقرار السياسي والأمني وبحاجة إلي سوق للسياحة الداخلية، لا أقصد داخل البلد الواحد بل داخل الوطن العربي كله، فهذا هو المتاح الآن للخروج من المأزق الذي نحن فيه، مأزق تراجع الإشغالات وإلغاء الحجوزات وتسريح العمالة وتراكم الديون والضرائب علي المنشآت السياحية.. علينا مثلاً أن نبدأ بالطيران العربي الداخلي ونهبط بتكاليف السفر والرحلات البينية.. علينا تيسير تأشيرات الدخول ليتضاعف عدد السائحين من بلد عربي لآخر وتشجيع رحلات الطلاب بتكاليف أرخص.. ولماذا لا نضع استراتيجية لشبكة طرق عربية.. ودعونا نتساءل أين الطريق البري بين بورسعيد إلي طنجة في المغرب؟.. وأين قطار الحجاز القديم الذي كان يربط المدينة المنورة بمدينة أسطنبول التركية؟
هذه هي البديهيات إذا أردنا التغلب علي بعض مشاكلنا السياحية، خاصة أن لدينا من الشواطئ البالغة الروعة للاستجمام وأخري للصيد البحري وصحاري للسفاري والصيد البري، كما تزخر بلداننا العربية بكم هائل من الآثار، فهنا في مصر علي سبيل المثال لا الحصر قاهرة الألف مئذنة وأهرامات الجيزة، وهناك في السودان أهرامات الحضارة المروية، وفي بغداد حضارة بابل وأشور، وفي القلب السوري النازف فيحاء دمشق وآثار تدمر، وفي لبنان مسارح الرومان في بعلبك، وفي الأردن مقابر أهل الكهف وغيرها كثير.
إنني لا أدعو إلي الاكتفاء بالسياحة العربية ولا أن نعرف سوي أنفسنا فهي معرفة ناقصة ولكن معرفة ما نمتلكه من مقومات سياحية هو خطوة أولي لاستعادة السياحة الغائبة.