رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دماء المندرة.. و«السكة الحضيض»

انتهي الدرس ولملم آباء وأمهات قرية المندرة بأسيوط بقايا كتب وكراريس أبنائهم الملطخة بالدماء.. لملموا أشلاء جثث أطفالهم، جمعوا أصابع وأرجل وكفوف أياد مبتورة في أكياس لحم حمراء.. انتهي الدرس بعد أن كتب تلاميذ معهد النور الأزهري السطر الأخير من حياتهم.. كتبوه بالدم فوق قضبان «السكة الحضيض».. كتبوه علي وجه القطار 165 وتحت عجلات العربة الأولي والثانية، وعلي حطام الأتوبيس المنكوب ومقاعد سيارات الإسعاف.. كتبوا نهاية حياتهم في عهد حكومة «نايمة» مع شيشة عامل المزلقان.

كتب أطفال منفلوط قصة اغتيالهم في ساعات الصباح الأولي التي امتدت فصولها المأساوية بطول اثنين كيلو متر من مسرح الجريمة، كتبوها علي طاولات المشرحة وعلي جدران غرف مستشفي أسيوط الجامعي.
كتبوا درسهم الأخير الذي أوجع قلب مصر قبل أن تصل إليهم صرخات الآباء والأمهات.. كتبوه قبل أن تهرول الأرجل التي كانت تسابق ظلها لإنقاذهم، كتبوا درسهم الحزين بعد أن عجز الأهل عن تمييز جثامينهم، فلم يكن في مقدور أحد أن يميز ابتسامة وجه «حبيبة» عن انسدال شعر «أروي» لم يستطع أحد أن يفرق بين ما تبقي من جسد «محمد» وما تبقي من لحم «محمود»، فوشمه الأول علي الخد غطته دماء الثاني.. أشلاء الجميع كانت مفرومة ومهروسة ومشوهة.. أطباء المستشفي أصيبوا بالذهول من هول المأساة التي لم يروها من قبل في مشارح كليات الطب.. كتب أطفال معهد النور درسهم وسطرهم الأخير قبل أن تصل إليهم أي قيادة أمنية أو تنفيذية.. كتبوه ولم تسمع آذانهم المبتورة قرارات الإقالة، كتبوه بعيداً عن تصريحات الرئيس ووزراء الرئيس حول تعويضات الحكومة «العبيطة».
ويبقي السؤال.. في رقبة من نعلق هذه الأشلاء وتلك الدماء؟.. هل نعلقها في رقبة الحاج محمد مرسي العياط رئيس الجمهورية؟.. أم في رقبة «القنديل» معالي رئيس الوزراء؟.. أم في رقبة وزير النقل «المتين» الذي سارع بغسل يده من الكارثة وفر مستقيلاً؟.. أم نعلقها في رقبة مسئولي المعهد الأزهري الذين حشروا 69 تلميذاً في أتوبيس جاهز للموت؟.. أم نبحث من جديد عن كبش أو كبشين فدا ونتهم سائق القطار المتهور وسائق الأتوبيس القتيل وعامل المزلقان الذي لا يملك - كما قال في التحقيقات - أي وسيلة اتصال بالبلوك اللي قبله ولا البلوك اللي بعده.. أسئلة كثيرة لا نجد لها إجابة واضحة بعد أن تاهت كل علامات الاستفهام وسط أشلاء الضحايا.
والحقيقة التي لا ينكرها أحد أن صرخات أمهات

وآباء أطفال حادث قطار أسيوط لم تكن الأولي أو الوحيدة، فقد سبقها قبل أسابيع قليلة صرخات أهالي ضحايا قطار الفيوم، وقبل سنوات صرخ الصعيد وانتفضت مصر كلها بعد كارثة قطار العياط الذي احترق داخله 350 مصرياً، وقتها كان الدكتور «مرسي» تحت قبة البرلمان ووصف الكارثة وكلام رئيس الوزراء بالمهزلة، مطالباً بإقالة الحكومة، والآن نسأل ماذا ينتظر رئيس الجمهورية؟.. ولماذا يسوف في إقالة قنديل وحكومته؟.. ولما لا يقيل محافظ أسيوط الذي ظل قابعاً في مكتبه ولم يزر المصابين ولم يقدم واجب العزاء لأهالي الضحايا؟
ودعونا نسأل مرة أخري متي تتعلم الحكومة أن إغلاق مزلقان أهم من إغلاق موقع إباحي.. ومتي نتعلم أن تأمين مسارات قطار أهم ألف مرة من تأمين موكب رئيس الجمهورية؟.. ومتي نتعلم أن تجهيز مستشفي أهم من بناء نصب تذكاري؟.. متي تتعلم هذه الحكومة وغيرها أن للموت حرمة وأن للدم حرمة وأن لأرواح المصريين حرمات.
وما أتصوره أن حوادث وكوارث القطارات لن تنتهي في ظل هذا الفشل الحكومي، وعجز هيئة السكة الحديد عن تأمين المزلقانات وعدم الانتقال بهذا المرفق الحيوي إلي المستوي الحضاري والتكنولوجي، خاصة في مجال الاتصالات والإشارات وغرف التحكم الإلكتروني.
لقد كان للموت ثمن أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير وما بعدها.. أما الآن فالموت بلا ثمن.. نراه في مدرجات الملاعب وعلي الطرقات وبجوار المزلقانات وداخل المستشفيات وفي أقسام البوليس وعلي الحدود أيضاً.
إن ما حدث لأطفال المندرة ما هو إلا قصة فشل عظيمة لحكومة الإخوان.. ما حدث لم يكن سوي جريمة اغتيال كاملة لـ 51 طفلاً من أبناء مصر.