عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكومة مطافي

في عام 1982 انتحر الشاعر اللبناني خليل حاوي، أطلق الرجل رصاصة علي رأسه.. ومن يعرف "حاوي" يدرك إلي أي مدي كان الرجل مهموماً بوطنه وأن انتحاره جاء احتجاجاً علي تردي الأوضاع العربية، ففي هذا العام زحف الجيش الاسرائيلي الي لبنان واحتل العاصمة بيروت، وكثيراً ما تصور "حاوي" نفسه قبل أن ينتحر وقد أمسك بمسدسه وذهب الي منطقة الحمراء المكتظة بالبنانيين ليطلق الرصاص علي نفسه وسط هذا الحشد من الناس إلا ان الرجل أدرك يومها انه ليس في تقاليد الحياة العربية "فعل انتحار" يماثل الـ "هارا كيري" الذي لجأ اليه من قبل الاديب والروائي الياباني "يوكويوميشيما" والذي احتل مع رفاق له مقر كلية الاركان العسكرية في طوكيو واحتجز قائدها ثم صعد الي شرفة الكلية ودعا الجنود الي رفض خضوع بلاده الي الغطرسة الامريكية وقبل أن ينهي "ميشيما" حديثه غرز سيفه في أمعائه علي طريقة فرسان اليابان القدماء "الساموراي". وما يعنينا في انتحار "حاوي" و"ميشيما" هو ان انتحارهما لم يكن بسبب حزن خاص وإنما كان حزناً علي الوطن، وما يحدث فيه من استلاب وقهر وخضوع لقوي تحاول نزع الحرية من فم الشعوب.

 

وأتصور ان ما أقدم عليه الشاب التونسي محمد بوعزيزي من انتحار لم يكن ايضا سوي تجسيد لغضب عام كان كامناً في أجساد التونسيين سرعان ماتفجر في وجه نظام ديكتاتوري هش.. فعندما يكون النظام الحاكم قمعياً الي هذا الحد فليس هناك حل سوي بلدوزر الثورة الذي يجرف كل الزبالات السياسية، فالشعوب الحرة لا تستطيع ان تهادن هذه النفايات ولا تقيم معها صداقة الي الأبد.

ولعل أجمل ما في ثورة الياسمين أن الجسد التونسي انتفض من غيبوبته الطويلة بعدأن شعر بآلاف المسامير التي غرزت فيه

وبآلاف السكاكين التي كانت تعمل فيه بتراً وتقطيعاً.

وما حدث من تداعيات لثورة الياسمين من محاولات انتحار في مصر وغيرها من البلدان العربية هو تعبير عن هذا الانكسار اليومي واليأس اليومي والضعف اليومي في ظل نظم حاكمة لا تعرف كيف تصنع لشعوبها خبزاً بطعم الحرية.

ومن شاهد الوزراء ورجالات الدولة في مصر وهم يهرولون في اتجاه المنتحرين أو من حاولوا الانتحار أمام مجلس الشعب لا يستطيع أن يفرق بينهم وبين كتيبة اطفاء، فقد سارعت "حكومة المطافي" وأمسكت بالمراهم والمحاليل تضعها علي جلود ووجوه المحترقين، فهي لا تريد ثورة ياسمين ولا ثورة عاطلين، والسؤال الذي يطرحه الناس في بر مصر لماذا لم تتحرك "حكومة المطافي" هذه من قبل لإنقاذ آلاف المصريين الذين ماتوا انتحاراً في العام الماضي.. بعضهم ألقي بنفسه في البحر غرقاً وآخرون علقوا رقابهم في الحبال شنقا، وبعض ثالث سكب النار علي جسده فمات حرقاً.

إن من يقول إن سيناريو تونس لن يتكرر في بلد آخر فهم الواهمون والمستفيدون والقابضون بأيديهم وأسنانهم علي كراسي الحكم.. صحيح ان أنياب السلطة حادة وقاطعة وفولاذية ولكن للشعوب أيضا أنيابها وأظافرها وعضاتها الموجعة.