رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر:المشهد لم ينته

الانتخابات ليست الفيصل في الاستقرار في مصر، ولا بد أن ننتظر قليلا قبل أن تأخذنا سكرة التصفيق للعرس الديمقراطي بعيدا عن أي نوع من التحليل الرصين. أنجزت مصر الثلث في الانتخابات وباق الثلثان في بقية المحافظات، والمشهد لم ينته بعد.

هنا أستكمل مقال أمس، وأتمنى ممن يقرأ هذا المقال أن يعود إلى مقال أمس حتى تكتمل لديه الصورة.
بداية، بالنسبة لغير المصريين، ما شهدناه من نتائج انتخابات الآن هي نتائج المرحلة الأولى للانتخابات، والتي شملت القاهرة والإسكندرية ودمياط والبحر الأحمر والأقصر وكفر الشيخ والفيوم وأسيوط وبورسعيد، بينما تشمل المرحلة الثانية التي لم تبدأ بعد محافظات الجيزة وبني سويف والمنوفية والشرقية والإسماعيلية والسويس والبحيرة وسوهاج وأسوان. وهي محافظات صعبة قد تأتي بردة فعل مختلفة عما رأيناه وذلك لأن التيار الإسلامي ليس متجذرا بها.
أما المرحلة الثالثة والتي ستبدأ في يناير (كانون الثاني) فتشمل محافظات قنا والمنيا والقليوبية والغربية والدقهلية والوادي الجديد وشمال سيناء وجنوب سيناء ومرسى مطروح، والتي تبدأ في منتصف يناير. بين الآن ومنتصف يناير، سنرى ديناميكيات جديدة، ربما أولها الغضب من تلك الصفقة التي حدثت في انتخابات المجموعة الأولى من المحافظات وكانت واضحة للعيان. ردة الفعل على هذه الصفقة ربما تكون أكثر وضوحا في السويس وبعض محافظات الصعيد مثل قنا وسوهاج.
ماذا سيحدث من الآن وحتى منتصف يناير موعد نهاية الانتخابات في مرحلتها الثالثة؟ الديناميكية المهمة التي قد تظهر خلال هذا الشهر ونصف الشهر المتبقيين هي عملية الشد والجذب بين ميدان التحرير كشرعية الثورة، والانتخابات التي تكاد تنتزع الشرعية من الميدان حتى الآن. وبين ميدان التحرير كرمز للثورة، وميدان العباسية كميدان دعم استمرار المجلس العسكري في الحكم.
المؤشر الأول على شرعية الانتخابات مقابل الميدان تمثل في انسحاب بعض شباب الثورة من المشهد الانتخابي رغم أنهم كانوا مرشحين، وخير مثال على هذا الناشطة السياسية أسماء محفوظ التي قاطعت الانتخابات رغم أنها كان من الممكن أن تحصل على المقعد المستقل في دائرة مصر الجديدة، فشباب الثورة قد لا يسلم بشرعية الانتخابات وقد يلجأ إلى الميدان مرة أخرى.
ربما لن يكون لشباب الثورة نفس الدعم السياسي والإعلامي الكبير الذي رأيناه في السابق، لأن من استغلوا المشهد الثوري حصلوا على مكاسبهم وخرجوا، ولكن بالقطع سيكون هناك قطاع كبير في المجتمع المصري داعم للثوار.
بين ميدان التحرير كشرعية ثورية، وميدان العباسية كشرعية للمجلس العسكري والانتخابات، نحن في الحقيقة نتحدث عن وطن منقسم على نفسه بين شرعيتين، بين برلمان يبدو أنه محاولة لسرقة الثورة، وأصحاب الثورة الحقيقيين. ويجب ألا نستهين بشهر ونصف من الديناميكيات الاجتماعية في وطن في حالة ثورة. نعم كشفت الانتخابات أن من يسيرون البلطجية ويمسكون بمفاتيح العنف في البلد قادرون على أن يطلقوا وحوشهم على الميدان ويقوضوا شرعية الثورة، ورأينا مثالا على ذلك منذ أيام عندما هجم البلطجية على المعتصمين من أبناء الثورة في ميدان التحرير، ولكن لا أظن أن القصة ستنتهي إلى هنا وإلى هذا الحد فقط.
السؤال الآن هو هل سيبقى جو الشد والجذب واستخدام العنف مرة والانتخابات مرة أخرى لتبريد الثورة هو الجو المسيطر في مصر خلال السنوات القادمة؟ وهل عقد صفقات مثل البرلمان مقابل الرئاسة هو الحل؟ ولماذا ورغم الثورة نحن ندور في دائرة

الصفقات وحلقاتها؟
البداية هي ورطة المجلس العسكري الذي يريد على غرار مبارك خروجا آمنا، وهذا الخروج لن يدبره له إلا برلمان للإخوان وبعض الموالين للمجلس ورئيس صنيعة العسكر، أما أي شيء غير ذلك فهو يعرض المجلس لمصير لا يختلف كثيرا عن مصير مبارك، لذا يبقى موضوع الخروج الآمن للمجلس العسكري مهما جدا، ووجود برلمان الصفقة يسهل من هذه المهمة. كما أن واحدة من صلاحيات الرئيس المرتبط بالضرورة بالعسكر العفو عمن أذنبوا. في هذا السياق يمكن قراءة تلك الطوابير الطويلة للانتخابات بشكلها الحضاري على أن ظاهرها ديمقراطية ولكن باطنها تلك الصفقة بين الإخوان والعسكر، صفقة «فاحت رائحتها» منذ اليوم الأول الذي ترأس فيه الإخوان لجنة التعديلات الدستورية.
كما أن المجلس العسكري من خلال مسؤوله القانوني اللواء ممدوح شاهين أوضح أن البرلمان القادم لن تكون له صلاحيات إقالة الحكومة أو تغييرها حسب الإعلان الدستوري، ولا يمكن له أن يقترب من الحديث عن القوات المسلحة حتى كتابة الدستور الجديد، أي أنه برلمان بلا صلاحيات.
ما أريد أن أقوله من كل هذا هو أننا أمام صفقة البرلمان مقابل الرئاسة، ولكن هل يمكن التحكم في هذه الصفقة وإيصال البلد من خلالها إلى بر الاستقرار الذي ينشده من طبخوا الطبخة؟
الفترة من الآن وحتى نهاية يناير مع نهاية الانتخابات في كل المحافظات ستكون فترة اختبار لمدى صلابة الصفقة واستمراريتها؟ في الغالب ستفشل الطبخة وتعود مصر إلى أجواء يناير في الاحتفال بمرور عام على الثورة في 25 يناير القادم.
إن الفرح بالعرس الديمقراطي قد يكون سابقا لأوانه، خصوصا إذا ما حدث استقطاب في المجتمع بين شرعية الميدان وشرعية الانتخابات، مضافا إليهما الاستقطاب الإسلامي المسيحي بين الكتلة المصرية والإخوان.
رغم نغمة التفاؤل والفرح في مصر وحولها بعد المرحلة الأولى من الانتخابات، تبقى الصفقة هي بداية التحليل، وتبقى ردود فعل الميدان على الصفقة هي الأمر الحاسم في مستقبل الاستقرار في مصر، وهو أمر غير محسوم حتى هذه اللحظة رغم الزغاريد المصاحبة لـ«عرس الديمقراطية» في مصر. ما زال الأمر معلقا في الهواء ولم يحسم شيء بعد في مصر رغم كل طوابير الانتخابات التي نراها.

-------------

بقلم: مأمون فندي
نقلاً عن: الشرق الأوسط