عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هو الغش عيب؟

لا تتسرع وتقول لي أيوا طبعا الغش عيب.. تعالوا نفكر لحظة وبالمناسبة نسأل أنفسنا هل التفكير عيب؟ نعم التفكير عندنا يكاد يكون هو العيب إن لم يكن حراما! وهذا هو المستنقع الذي سقطنا فيه ولا نريد أن نخرج منه وحتي الآن.

كنا في لحظة منذ سنوات نعيش علي الغش من الآخرين، وعلي رأسهم المحتل، الذي عشنا تحت حكمه لأكثر من سبعين عاما، كنا خلاله نغش منهم الكثير، ومع ذلك لم نخضع له بل حاولنا أن نقلده لنصبح مثله فنتمكن عندئذ أن نتخلص منه ونطرده، ولم يكن أمامنا أي حل آخر.
كان عندنا دستور ومجلس للأمة ومجلس للشوري وأحزب مختلفة تدخل انتخابات، والفائز فيها يؤلف حزبه الوزارة التي تتولي الحكم وجمعيات شتي في كل شئون المجتمع، وجامعة يدرس فيها النابغون فقط بالمجان وقضاء مستقل يفصل بين الجميع.
وكان اسمنا مملكة مصر والسودان وكان بيننا كنائس مسيحية ومعابد يهودية وشيعة بجانب أهل السنة والبهائيين وغيرهم وتعيش بيننا جاليات متنوعة من بلاد كثيرة منهم الفرنسيون والطليان واليونانيون وغيرهم.
وكنا قد تخلصنا منذ عهد محمد علي من الحرب بالسيوف فقد أنشأ جيشا وضع علي قيادته رجلا فرنسيا من الذين احتلوا بلادنا ثلاث سنوات وأصبحنا نحارب بالبنادق والقنابل وصولا الي السفن الحربية، فحاربنا في السودان لنقضي علي الحركة المهدية ثم الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية ثم الشام وكما قاب قوسين لاقتحام دولة الخلافة العثمانية التي حكمتنا قرونا طويلة ضمن أمصار أخري، وهنا تكالب الغرب ضدنا رغم خلافتهم مع بعضهم البعض.
فهل مازلت تكره الغش؟! ألم تغش سائر البلاد الأوروبية من بعضها البعض لتصنع مجدها؟ وتسيطر علي بقية البلاد المتخلفة ثم تتصارع حول هذه البلاد فيما بينها؟ لكننا نمنا يومنا وصحونا علي قفزة فجائية عندما استولي بعض الضباط علي الحكم فأوقف الغش! فعشنا وقتا بلا دستور ومجلس نواب وشوري وقضاء مستقل وبلا انتخابات وبلا حريات وبلا جامعات حقيقية تضم الأكفاء والموهوبين، ثم جرب الحاكم إقامة ما يشبه حزبا  وحيدا يتغير اسمه كل عدد من السنوات ويرأسه الحاكم، بنفسه، وعندئذ اختار السودان أن ينفصل عنا، لكننا بعدها أصبح اسمنا الجمهورية العربية المتحدة، التي اندمج فيها مصر وسوريا واليمن توطنة لقيام وطني حبيبي الوطن العربي، الذي لن تقف أمامه أي قوة! وكانت نتيجة هذا الاختراع الذي كان قد انتهي في العالم كله، حروبا ضدنا علي كل لون في مقدمتها سوريا واليمن وقد انفصلتا عنا! ومع ذلك ظل اسم مصر وحدها الجمهورية العربية المتحدة! كأننا

سنقيم دولة الخلافة العثمانية بدلا من أن ننهض بمصر كما فعلت بقية البلاد، وكانت نتيجة الحروب الهزيمة والفشل في كل مرة. ألم يكن من العقل أن نغش ونقلد الآخرين؟!
لا فبعد أن مات الحاكم المريض كمدا قبل أن يحررنا كان قد حدد نائبه من بعده ليحكمنا، فحارب واستعاد جزءا من سيناء وبعدها عقد سلاما مع إسرائيل.
لكن الاختراعات لم تتوقف، فقد تفضل حاكمنا واخترع ثلاثة أحزاب لليمين واليسار والوسط المسمي بالحزب الوطني والذي رأسه بنفسه كالعادة وكان يتولي الحكم عن طريق استفتاء كالعادة أيضا، وبلا منافس إلا الموت، وجاء حاكم رابع هو نائبه أيضا كالعادة واستمر كثيرا ثم تفضل وقبل أن ينزل في الانتخابات بدلا من الاستفتاء لأول مرة، وبالطبع كسب الانتخابات والتي زورت أيضا كالعادة، وقبل أن يأتي موعد الانتخابات التالية حدث التغيير فقد ثار الشعب وطالب بالغش من بقية العالم المتقدم واحتار الناس لأنهم لم يتعودوا علي اختيار الحاكم، وهنا قفز الإخوان للحكم عن طريق التزوير كالعادة وبالتهديد بحرق مصر لو حدث غير هذا كالعادة أيضا! لكن الشعب انتفض ثانية بالملايين وجاء بأول رئيس منتخب وبما يشبه الإجماع غير المسبوق في التاريخ، إذن كان الغش من الدول المتقدمة هو ما أنقذنا من الضياع وحتي هذه اللحظة.
لكننا لانزال نتمسك بالقديم في أمور كثيرة أبرزها أن الدول المتقدمة هي التي فصلت بين السياسة وبين الأديان، بينما عندنا تكاد المؤسسات الدينية مثل الأزهر والسلفيين ومن علي شاكلتهم، تحكم جنبا الي جنب مع الدولة وفي كل شئون البلاد والعباد.
الغريب أن مصر كانت هي الرائدة منذ فجر التاريخ وغش منها شعوب كثيرة في الغرب والشرق إلا نحن!!