رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نهضة الحجاب

تخيل أنك جئت بعنترة بن شداد ودعوته لأن يركب جمادا من الحديد يطير به إلي أعلي لعدة أميال ويخترق السحاب.الأغلب أن يفقع بالصوت ويعملها علي روحه.. فالسيف الذي يحمله لن يحميه وقتلك لن يفيده.. بينما قد يفيده أن يركع ويقبل يديك وقدميك ويبكي كالأطفال لتعيده إلي الأرض الذي لا يعرف غيرها، وقد يظن أنك عزرائيل تحمله علي هذه الآلة إلي جهنم وبئس المصير.

لكن إذا قلت له قبل أن تضعه في الطائرة أنك ستنقله عبر الفضاء إلي أبعد أماكن الأرض في ساعات معدودة فلن يكتف بالسخرية والاستهزاء بك أو إطلاق لسانه بالشعر عن غبائك وجهلك وجنونك لتصبح عبرة للأجيال القادمة.. أما إذا نزلت به إلي الأرض سالماً فلن يملك إلا أن يتبعك طيلة عمره كالذليل أو يجز رأسك فورا بالسيف باعتبارك من الشياطين.
نحن مازلنا نتمايل طربا عندما نكرر ما درسناه في مدارسنا بيت الشعر الذي يقول: «السيف أصدق أنباء من الكتب, في حده الحد بين الجد واللعب».. ولذلك نكره الكتب ونتهلل فرحاً عندما نري السيف المرسوم علي أعلامنا.. رغم أننا نركب الطائرات ونتسلح بالمدافع والصواريخ العابرة للمدن فقط والتي نشتريها من الأعداء.. هل عندما سمع الناس عن القدس التي ستكون عاصمة للخلافة الإسلامية قريباً كانوا يفكرون في السيف أم في القنابل والصواريخ العابرة للقارات والقتل والتدمير عن بعد؟
حديثي عن الإبداع.. والإبداع يرتبط عندنا بالأدب والفن والرقص والملابس.. إلخ.. وهي ما يريد البعض ونحن علي أعتاب مشروع النهضة محاربته.. كأن كل المخترعات الحديثة النافعة أو القاتلة ليست من الإبداع!.. الإبداع عندنا مقترن بالبدع.. وكل بدعة ضلال وكل ضلالة في النار والبدع مكروهة في نظرهم إلا الحزام الناسف أو علب الطعام المعبئة آلياً!.. وكلاهما نستورده من الأجنبي الغريب.. أما من يلفت النظر إلي ضرورة الإبداع في كل المجالات يصير غريباً في وطنه.. فالإنسان عدو ما يجهله، ولا يخاف الإبداع إلا الجاهل الذي لا يملك القدرة علي التخيل، ويحتمي بالمألوف والمعتاد والمكرر.
ونقول هذا شخص غريب عندما نقصد به الأجنبي الذي لا نعرف موطنه أو لغته.. ولكن المشكلة الأكبر أننا نطلقه علي من يعيش بيننا، ولكنه ليس من قبيلتنا أو مدينتا أو قريبتنا ولا يفعل مثلنا في كل شيء.. ويقلدنا كما تقلد القرود.. إذ نستطيع أن نجرمه بل نستطيع أن نحبسه ونكمم فمه أو أن نغتاله حتي لا يكشف جهلنا وتخلفنا

وجمودنا وبالتالي يهدد مصالحنا الشخصية الضيقة.. بينما تاريخ مصر الموغل في القدم يؤكد أننا الذي أبدعنا الإبداع يشهد علي هذا آثارنا التي يأتي الناس من كل فج ليس فقط لمشاهدتها والتمتع بها ولكن للبحث عن أسرار هذا الإبداع الذي لم يكتشف إلا بعضه.. بينما لخصناها نحن بأنها حضارة أصنام ومساخيط.. وهكذا صار الإبداع في أرض الإبداع هو الغريب.
تعالوا نقرأ كيف عبر عن ذلك الأديب أبوحيان التوحيدي منذ قرون وهو يصف حالته معبراً عن غربته في وطنه عندما كتب: «يا هذا الغريب.. الذي لا اسم له فيذكر, ولا رسم له فيشهر.. ولا طي له فينشر, ولا عذره له فيعذر ولا ذنب له فيغفر, ولا عيب عنده فيستر.. هذا غريب لم يتزحزح عن مسقط رأسه، ولم يتزعزع عن مهب أنفاسه، وأغرب الغرباء.. من صار غريباً في وطنه، وأبعد البعداء.. من كان بعيداً في محل قربه، لأن غاية المجهود أن يسلوا عن الموجود، ويغمض عن المشهود, ويقصي عن المعهود.. يا هذا الغريب من إذا ذكر الحق.. هجر.. وإذا دعا إلي الحق زجر.. يا رحمتاه للغريب.. طال سفره من غير قدوم، وطال بلاؤه من غير ذنوب، واشتد ضرره من غير تقصير، وعظم عناؤه من غير جدوي».
ومصر اليوم تعاني هذه الغربة.. فمنذ أيام قال أحدهم إن «الإسلام دخل مصر الآن فقط!» وذلك تعليقاً علي ظهور أول مذيعة في التليفزيون المصري الرسمي مرتدية الحجاب.. فهل كان ذلك خطأ عمرو بن العاص؟.. أم لأننا قبل بداية إرسال التليفزيون في مصر لم نكن نعرف معني هذه الكلمة الغريبة.. التليفزيون؟