رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أيام السلطان في الأقصر .. حيلة «لاكاو الفرنسي» لإنارة مقبرة فرعونية «الحلقة الأولى»

الأقصر
الأقصر

كيف كانت الأقصر في أوائل القرن العشرين؟ ما حال معابدها ومقابرها وآثارها الممتدة في عالم الأحياء وعالم الموتى ..الشرق والغرب؟ من وجهائها وأصحاب النفوذ والأعيان وعمد وشيوخ القري؟!

من المراجع المهمة لقراءة ملامح العاصمة التاريخية القديمة في القرن الماضي، زيارات أفراد أسرة محمد عليّ باشا الكبير لها، هذه الزيارات رغم أن ما وثق عنها قليل سواء في الصحف أو المطبوعات، إلا أن تتبع هذه المعلومات إضافة إلى الصور الفوتوغرافية والمواد الفيلمية القصيرة، يشكل رؤية بصرية وصورة ذهنية لا بأس بها في قراءة ذلك الماضي، وربما اكتشاف حقائق ومعلومات أو آثارًا اندثرت أو اختفت! 

والأهمية التي تميز الموثق عن رحلات أفراد الأسرة العلوية إلى الأقصر أو الصعيد ترجع كونها معلومات غير قابلة للتشكيك لأنها منشورة في وسائل الإعلام الرسمية في مصرـ في ذلك الوقت، ومعها بعض الدوريات والنادر من الكتب،  من هنا تأتي هذه المصداقية بعيدًا عن مبالغات جماعات المستشرقين والرحالة الأجانب المدفوعة بالشغف والفضول  نحو آثار الأقدمين.

بعض المصادر التي تتحدث عن زيارة الملك فؤاد إلى الصعيد تؤرخ للزيارة في سنة 1930 ميلادية ومنها مجلة اللطائف المصورة الأسبوعية التي كتبت عن الزيارة في صدر صفحتها الأولي في 22 ديسمبر 1930 بالعدد 828 وقالت إن الملك غادر القاهرة في 15 ديسمبر متوجهًا إلى الوجه القبلي ومنها بالقطار الملكي إلى الأقصر بعد وضع أساس محطة سكة حديد الجيزة، وهي نفس الزيارة التي افتتح فيها قناطر نجع حمادي ووضع حجر أساس ميناء قنا وغيرها بالمحافظات التي مر عليها.

الالتباس الحاصل في عدد زيارات الملك فؤاد إلى بلدان الصعيد يمكن إنهائه بتتبع آثار هذه الزيارات في ما تبقي من مشروعات وضع أساسها أو افتتحها الملك السابق، ومنها  لوحة تأسيس قناطر نجع حمادي القديمة الواقعة بمركز أبوتشت شمال قنا في الوقت الحالي، وتبين أن الملك وضع أساس ذلك المشروع 1928، ثم افتتحه سنة 1930، وهو ما يعني أن الملك السابق زار الصعيد مرتين.

غير أن هناك زيارة أخري كانت للصعيد قبلها هاتين الزيارتين وقام بها باليخت أربيا في يناير 1921 عندما كان يحمل لقب السلطان وقبل تحويل السلطنة المصرية إلى مملكة يكشف موثق هذه الزيارة عبدالحليم المصري وكان أحد المرافقين للملك عن ملامح الأقصر في أوائل القرن العشرين، وقضي السلطان فؤاد 7 أيام في الأقصر بدءً من 24 إلى 30 يناير حيث واصل الرحلة السلطانية إلى إسنا ومنها إلى أسوان.

وصل السلطان فؤاد إلى الأقصر في 24 يناير واستقبل استقبالًا حافلا وحضره لاستقباله مدير قنا إذ كانت الأقصر تتبع مديرية قنا إداريًا،  وتشريفاتي السلطانة ملك التي كانت لها دائرة أملاك في الأقصر، وزار الملك مترجلًا معبد الأقصر وكان يُطلق عليه «برابي الأقصر» وهي جمع كلمة «بربا» وهي التسمية الشائعة للمناطق الأثرية في ذلك الوقت، وشرح «بيير لاكاو» مدير مصلحة الآثار الفرنسي الجنسية كيف تم نقل أحد المسلتين إلى فرنسا، ثم عاد السلطان ليقضي ليلته الأولي في الأقصر في الباخرة السلطانية.

في الثامنة من صباح اليوم التالي 25 يناير، استقل السلطان «الرفاص الخصوصى» واتجه إلى البر الغربي من مدينة الأقصر، وزار معبد سيتي الأول، ثم زار «أبواب الملوك» ـ وادي الملوك حاليًا، ويقول مرافق السلطان «قصد عظمته أبواب الملوك بالسيارة وعندما وصل إليها من الطريق المتعرج بين الجبلين أعرب عن ارتياحه لتهميد هذه الطريق وحض صاحب العزة مدير قنا على دوام ملاحظتها خدمة للآثار». 

ويضيف «وبدأ عظمته بزيارة رمسيس وعنفركا من العائلة العشرين وهو منقور في الصخر مثل جميع القبور التي في هذه النقطة وكلها منحدرة للداخل، وقد أشأت فيها

مصلحة الآثار سلالم خشبية أو صخرية ومدت في بعضها ممرات من الخشب منصوبة على هاويات عميقة وكذلك أنارتها بالكهرباء بعد الظلام الحالك، ليتمكن الزائرون من مشاهدة دقائق ما في القبور وليسهل على رجال مصلحة الآثار أن يقوموا بأعمالهم داخل هذه الأنفاق».

وأشار موثق الرحلة السلطانية إلى أن «بيير لاكاو» شرح للسلطان خبيئة وادي الملوك التي اكتشفت 1881، وكيف خبأ الكهنة الفراعنة مومياوات الملوك في مخبأ في الوادي حتي لا يصل إليه اللصوص، حتي عثر عليها بعض الأهالي وأسماهم «العارفين بالآثار» وعُرضت المومياوات في العالم، وأن الحكومة توصلت للفاعلين ويقصد ـ أسرة عبد الرسول الشهيرة، بسبب الخلاف بينهم.

واستكمل السلطان في نفس اليوم زيارة مقابر أمينوفيس الثاني من الأسرة الثامنة عشر وسيتي الأول الأسرة 19 ومرنبتاح، ثم عاد إلى الباخرة وغادر منها في الخامسة مساءً لزيارة السلطانة ملك في قصرها بالأقصر، وهي الزوجة الثانية للسلطان حسين كامل واسمها «ملك جشم أفت»، وهُدم ذلك القصر على مراحل بدءً من الستينيات إلى ما تلاها.

واستأنف السلطان جولته في البر الغربي في اليوم التالي ـ 26 يناير، حيث زار معبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري يقول عبد الحليم المصري «بعد أن اجتاز عظمته الفناء الكبير طاف بالأروقة التي في صدره فاستوقفته رسوم البحر لاهتمام عظمته بالأحياء المائية التي أنشا معهدها بالإسكندرية وقد نقشت هذه الأسماك على الجدران وهي سابحة في البحار التي تعبرها السفن المصرية المقلة للبضائع من بلاد البوند حيث كان يتبادل المصريين القدماء مع أهل تلك البلاد حاصلات بلادهم».

ثم زار السلطان فؤاد مقبرة «مننا» بمقابر النبلاء بدير المدينة، يسرد مرافق السلطان تفاصيل الزيارة قائلا .. «ولعدم وصول الكهرباء إلى هذه المقبرة رأي جناب مدير مصلحة الآثار أن يدخل إليها الضوء بطريقة عكس أشعة الشمس فوضع مرآة على مقربة من المدخل تعكس الأشعة إلى الدهليز ووضع في الدهليز مرآة أخري تتلقي هذه الأشعة وتعكسها على الجدران المغطاة بالرسوم المتقنة».

ثم زار السلطان معبد الرامسيوم «وأعجب عظمته بذلك الفن المعماري الذي استغني به عن الخشب في إقامة الأقبية وقد لوحظ أن قالب الطوب في هذا البناء أكبر بكثير من القالب المستعمل الآن وهذا القسم من العهد المسيحي ويتلوه معبد رمسيس الثاني وفيه تمثاله الكبير وكان يمثله جالسًا ولكنه الآن ملقي على الأرض وقد تكسرت منه أشياء كثيرة وتجتهد مصلحة الآثار في إعادته لمكانه».