رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

البابا شنودة

منذ عامين تقريبا زينت أحد جدران غرفة مكتبتى الخاصة بمسكنى المتواضع بمجموعة من صور أبرز رموز حياتنا الفكرية والفنية والوطنية – وفى القلب من هؤلاء يضىء وجه البابا شنودة الثالث الذى مرت علينا ذكرى رحيله الثالثة قبل أيام قليلة..

وقد تأملت ما وراء الظاهر من الصورة محاولا الغوص فى عالم هذا الرجل البديع ونحن نحتفل ونسعد فى هذه الأيام بالعديد من أعياد إخوتنا المصريين الأقباط.

وأشكر الله وأحمده أنه قد كرمنى بالعديد من الصداقات التى تجمعنى بالكثير من أبناء جلدتى ودمى وأهلى من الأقباط.. والأقباط يمثلون جذورى الضاربة فى أرض وتاريخ مصر ولدى إيمان كبير ومتجذر بأن الحقبة القبطية من تاريخنا من أروع وأهم الفترات التى كونت ملامح وسمات الشخصية المصرية وصبغتها بألوان زاهية لا تزال قادرة على البريق والضوء حتى اللحظة ما يجعلنى أكرر أهمية دراسة التاريخ القبطى وإظهار تجلياته فى مناهج التعليم وفى وسائل الاعلام  وفى الدراما التليفزيونية والسينمائية.
قوة مصر فى تنوع معينها الثقافى والتاريخى وليس فى أحادية الثقافة وتعمد اقصاء مصادرها وينابيعها الأخرى، وأتصور أن ما نعانى منه اليوم من مشكلات قد يكون أخطرها علينا حاضرا ومستقبلا يكمن فى مشكلة الهوية الثقافية التى اختصرناها فى الف وأربعمائة عام مضت وفى حدود جغرافية لا تتجاوز المسافة مما بين المغرب وسلطنة عمان.. محاولة تأمل تضاريس البابا شنودة الثالث هى فى الحقيقة حالة من حالات الترحال بداخل دهاليز تاريخ يجب أن نعتز بدوره فى تعميق الشخصية المصرية ومنحها ذلك العطر الثقافى والنفسى البديع.
البابا شنودة يعتبر أروع تجسيد للوطنية التى لا تتأثر بمعتقد دينى أو انتماء مذهبى أو عرقي.. البابا شنودة لم يكن رجل دين ولا رمزا كنسيا .. لقد كان جزءا مهما من ضمير الوطنية المصرية ومعلما بديعا فى مدرسة هذه الوطنية شد إلى دروسه وأفكاره نخبا كثيرة اندفعت باتجاه مبادئه دون ما تأثر بأى عقيدة غير العقيدة الوطنية أو عقيدة الوطنية.
الكنيسة القبطية عمرها الآن أكثر من تسعة عشر قرنًا من الزمان ومن دون مبالغة تعتبر الكنيسة القبطية مُدافِعًا قويًا للإيمان المسيحى وإن قانون مجمع نيقية – الذى تقرِّهُ كنائس العالم أجمع، كتبه أحد أبناء الكنيسة القبطية العظماء وهو البابا أثناسيوس، بابا الإسكندرية، الذى استمر على كرسيه لمدة 46 عامًا «من عام

327 حتى عام 373».
هذا التاريخ فصل رائع وثرى فى سجلات المكون الحضارى المصرى ويجب أن نفهمه وندرسه لما يحمله من قيمة ثقافية ومعرفية جليلة يقدرها العالم بأكثر مما نعرف ونقدر ونفهم نحن.. للأسف الشديد.. يجب أن نقيم مراكز متخصصة لعلم الأديان المقارن وعلوم اللاهوت تدرس الأديان السماوية وغيرها لنعمق الرصيد الانسانى والحضارى بالنفوس والعقول ونفتح قنوات كثيرة للتسامح واحترام الآخر تمهيدا للانخراط فى الثقافة الانسانية والعالمية من دون أن نفقد هويتنا الوطنية.
يجب أن نعلم أجيالنا المعاصرة مسلمين وأقباطًا أن مدرسة الإسكندرية المسيحية تعتبر أول مدرسة من نوعها فى العالم، فبعد نشأتها حوالى عام 190م، على يد العَلاَّمة المسيحى بانتينوس، أصبحت أهم معهد للتعليم الدينى فى المسيحية. وكثير من الأساقفة البارِزين من عدة أنحاء فى العالم تم تعليمهم فى تلك المدرسة، مثل «أثيناغورَس»، و«كليمنت» «القديس كليمنتس السكندرى»، و«ديديموس»، والعلامة العظيم أوريجانوس، الذى يُعتبر أب عِلم اللاهوت.
كل التهنئة لإخوتنا فى الوطن والوطنية بأعيادهم التى هى أعيادنا جميعا.. أفراحهم أفراح لنا وآلامهم يجب أن تؤلمنا ومن لا يتألم من المسلمين أو الأقباط لألم شقيقه المصرى – قبطيًا كان أو مسلمًا فقد تنازل طوعا عن الكثير من مقومات وطنيته – أما من يضمر عداوة أو كراهية لشقيق له فى الوطن منطلقا من أسباب عقائدية فيجب تجريم هذا الشعور وصاحبه واعتبار من يرتكب هذا الإثم خائنًا للوطن والوطنية.. الطريق لمستقبل كبير ومشرف لمصر يبدأ بإعلاء قيمة المواطنة.. أما الأديان فمكانها القلب لا الحزب ولا الجماعة.

[email protected]