عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نهاية العرب

 

لو قارنا حالة الهوان والاقتتال والفتن التي تفيض بها مستنقعات الواقع العربي في اللحظة الراهنة فإنها تتفوق في رداءتها وبشاعتها وضعفها على أي مرحلة تاريخية سابقة اتفقنا من قبل على أنها الأسوأ في التاريخ.

والسؤال الذي باغتني الآن.. ماذا بقي من العرب.. وهل هناك كيان عربي أم أننا أفقنا فعلياً الآن على أن النظام العربي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم يكن إلا مجموعة قبائل لبست قشرة العصر الحديث، تلك القشرة التي جملت عقود الكراهية والكذب والاستبداد والقهر إلى أن أتت لحظة الانكشاف فسقطت الخيمة العربية وانكشفت حقيقة الروح الجاهلية التي لم تقو قشرة الحضارة على اخفاء حقيقتها المفجعة.
واليوم اختتمت أعمال ما تسمى بالقمة العربية التي عقدت بدون مقعد سوريا.. سوريا التي البستنا عقود الياسمين وطوقتنا بفل الشعر.. سوريا التي عشقناها كامرأة ساحرة الجمال والبيان وكم قتلناها وكم قتلتنا، وكم عبثنا بشعرها ولعبت هي برؤوسنا.. سوريا التي صدرت الحب والكرامة عصوراً وعصوراً وكان عقابها أن تغير عليها القبائل ويذبحها العربان والغربان.. القمة تنعقد وليبيا تتقاتل فيها قبائل الهوان.. ليبيا التي تزوجها زعيم الندامة قهراً تتحسر اليوم على يوم من أيامه بعد أن استحل دمها وشرفها أمراء الذبح الذين يتلون الآيات البينات قبل قتل البنين وسبي البنات.
القمة تنعق ولبنان مرفوع من الخدمة إلى حين، والسودان حائر أمام نفسه ومحيطه الملتهب الأطراف، وتنعقد القمة أيضاً باليمن التعيس الذي حاول مضغ صراعاته التاريخية إلا أن المضغة انزلقت باليمن الشعب والأرض والتاريخ إلى كهوف أمعاء لا تقوى على هضمها.. اليمن يقتل بعضه.. شماله يقتل جنوبه وشرقه يقتل غربه.. تاريخه ينقض على حاضره مقلباً تربة الكراهية لتقذف بترابها الناري في وجوه الجميع.. القمة تنعقد والعراق مازال بلد الشقاق والفراق.. البلد الذي استطاع يوماً ما أن يصدر ضوء الحضارة للدنيا وعجز بعد ألف عام أن يضيء شمعة لشعبه.. عاد العراق بلداً للعراك وخطاً نارياً يقع بين فرس التاريخ وعرب اليوم.. عجز العرب المحدثون عن تعريبه فالتهمه فرس العصر وشايعوه وشيعوه.. القمة تنعقد وعقد الخليج العربي يلمع بصدر الموت والخوف.. يلمع زيتاً ويموت عطشاً.. دول الخليج تواجه تحدياً وجودياً ليس فقط من الحزام الفارسي الناري الذي يشتد حول خصر دول الخوف الخليجي ولكن من يقرأ المستقبل الجيوسياسي عليه أن يدرك أنه قبل نهاية هذا القرن ربما يذوب الحوض الخليجي العربي داخل المحيط الأصفر الهندي الباكستاني الإندونيسي.
القمة تنعقد ومثلث تونس الجزائر المغرب يحاول النجاة بنفسه

من شبهة الانتماء شرقاً.. دول المغرب كل أملها في هذه اللحظة التاريخية أن تمحو من قواميس المستقبل أي جذور كانت تشدها حقيقة أو وهماً إلى عمق عربي بعد أن أكدت الحوادث أن العمق كان سراب خيمة كبيرة في صحراء أزمنة الكذب والدجل.. القمة تنعقد في مصر التي نعتها العرب بعمود الخيمة.. والحقيقة أن مصر الباحثة عن نفسها والراغبة في العودة لعصمة التاريخ أزمتها ليست مطراً أسود يهطل فوقها قادما من سماوات الغضب والتآمر ولكن أزمتها أزمة قلبية.. مصر مطالبة أن تتصالح مع نفسها وأن تنقي ثوبها وأن تثور على مواريثها.. مصر لكي تبصر أزمنة النور عليها أن ترى بعيون طه حسين وتفكر بعقلية لويس عوض وتتفلسف برؤى نجيب محفوظ وتمنطق حياتها بقلم زكي نجيب محمود وتقرأ قصارى السور بصوت عبدالباسط وليس بحناجر مزروعة في حقول الجهالة ومنقوعة في آبار العصبية.
القمة العربية تنعقد والعرب يكملون فصلاً جديداً من فصول الفتنة الكبرى.. نعم نحن نعيش عصر الشيعة والسنة والعرب والفرس وعلى ومعاوية وعائشة وطلحة.. نعم العرب يتزاحمون أمام خطوط النار لنيل شرف غزوة من غزوات الهوان.. خندق ندفن فيه أحلامنا.. أو بدر نطفئه إلى الأبد.. أو أحزاب تتقاتل من أجل رغيف سياسي فاسد.. العالم يتفرج على تاريخ جديد للهنود الحمر.. العالم يقرأ عن عرب اليوم غير مصدق هل هو يقرأ عن واقع أم أساطير الأولين.. من فوق تلال الحزن والفجيعة أتساءل أحياناً: هل ثلاثة أديان كانت كافية لتاريخ البشرية الممتد.. ألم يكن معلوماً أن العرب الذين استقبلوا ثلاثة أنبياء عظام لقادرون على عبادة ألف إله من آلهة الوهم والعصبية والتخلف.


[email protected]