رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بين العلم والحرية

عام 1765 وفي الوقت الذي كان فيه كهنة الكنائس في أوروبا يفرضون وصاية جائرة على مجتمعاتهم باسم الدين استطاع الأسكتلندي جيمس وات من داخل حجرة صغيرة اختراع محرك يعمل بطاقة البخار

.. وهنا كانت الدنيا والكون كله على موعد مع عصر جديد تتحرك فيه عربة تحمل البشر والحجر.. وتلك كانت المرة الأولى التي يستريح فيها الانسان من حمل متاعه وجر أشيائه خلفه وانقلبت الدنيا وسارعت خطاها نحو التطور معتمدة على تبعات ثورة علمية واقتصادية هائلة عندما اندفعت القطارات بين المدن وانتقلت البضائع والمحاصيل بسهولة من الريف إلى الحضر.
والحقيقة أن أعظم انجازات العلم أنه حرر العقل الإنساني من الخرافات والضلالات وأتصور أنه دين العصر الذي نقل البشرية من كفر الجهل والظلم والقهر إلى فضاءات الحرية والوعي بقيمة الحياة وأن للانسان الحق الكامل في حياة كريمة دون وصاية زائفة  يفرضها عليه من أعطوا أنفسهم وكالات سماوية يتحدثون بموجبها باسم الله حيناً وخدمة لحاكم مستبد ظالم حيناً آخر.
وتغير وجه الحياة في أوروبا وكان محرك جيمس وات بمثابة الشعلة التي أضاءت عقول المفكرين والفلاسفة ودفعتهم لابداع جديد كان هو الآخر المفجر الحقيقي للثورة الفرنسية 1789 والتي هزت موجاتها كل أوروبا وانتقل وهجها للعالم بأسره وهنا تتجلى قيمة فريضة العلم التي ترسخ قيما جديدة للعدل والحرية والمساواة والجمال.. قيماً تعلى من شأن الانسان وترتقي بأحلامه وتطلعاته.
من يتأمل خارطة الأحلام في العالم يجد أنها ولدت وكبرت في ربوع كثيرة تحول فيها الواقع من اللون الأسود الكئيب إلى ألوان جديدة زاهية من التحضر والنمو والتطور بفضل الأخذ بفريضة العلم والتمسك بالولاء لتلك العقيدة الإنسانية التي هي بذاتها أحدى تجليات العقائد الدينية إذا فهمنا بحق أن الدين أي دين في منطلقه الأول كان ثورة على الواقع من أجل التغيير والارتقاء بالشأن الإنساني.
أما الذين يتمسكون بفريضة النقل ويحقرون عظمة العقل فهؤلاء هم أعداء كل دين وكل حضارة وكل أمل في التطور لأنهم يصرون على اعتبار التقدم هرولة للماضي وأن البحث في كهوف الأزمان السحيقة أهم من البحث العلمي والطاقة المتجددة وأن الرضا باستبداد الحاكم طاعة لولي الأمر والصبر على الفقر إيمان

بالقدر والأخذ بأسباب العلم بدعة جاهلية والغرق في الجهل فطرة إيمانية.
أعتقد أننا بحاجة  لاستعادة الفريضة الغائبة –فريضة العلم الذي يحرر العقول وينقلها من حالة الخمول التاريخية إلى واقع الثورة والتمرد واقتناص فرصة حقيقية للتغيير والعلم هنا هو العلم بمعناه الأشمل والأعم– العلم الذي حول محرك البخار على يد جيمس وات إلى محرك حضاري غير مسارات التاريخ، ومن الواضح أن الواقع الذي نعيشه منذ عقود يشبه واقع ما قبل عصر المحرك بجموده وشيخوخته وعجزه وضحالة حلمه وفقره وقهره وظلمه.. حالة من التيه التاريخي الذي أبعدنا عن ركب العصر وفصلنا عن قضبان التطور وألقى بنا إلى هوة سحيقة نتدحرج لقاعها كلما حاولنا الصعود إلى منطقة آمنة نلتقط فيها أنفاسنا.. حالة لهاث مستمرة حولت الناس إلى بطون.. مجرد بطون أما العقول فقد تاهت وزرعت بأرضها ألغام التكفير القابلة للانفجار بأي عقل يسعي للتفكير.
أحيانا أتأمل أحوالنا في مصر وأسأل نفسي لماذا تخلفنا هكذا وتقدم آخرون.. والآن أستطيع الجزم بأن اقوى أسباب تخلفنا أن القوة التي تجذبنا للخلف تفوق وهم التعلق بالمستقبل، وأن روح الاستبداد لاتزال هي المهيمنة على ثقافة المصريين حكاما ومحكومين، ولمن يريد أن يتحرر من قوى الجهل فلا طريق أمامه إلا طريق العلم الذي لا يعرف كهنوتاً ولا حدود لخياله وشكوكه.. الطريق للحرية يبدأ بالأخذ بأسباب العلم والسقوط في الاستبداد والقهر يبدأ بتسويق الجهل والتخلف تحت شعارات دينيه خادعة ومضللة.

[email protected]