سلطة الأغلبية وأغلبية السلطة
في الدول الديمقراطية الأغلبية تخلق السلطة وفي الدول غير الديمقراطية السلطة هي التي تخلق أو تصنع الأغلبية، ومنذ ثورة يوليو 1952 عرفت الحياة السياسية تنظيمات بدأت بهيئة التحرير ثم الاتحاد القومي فالاتحاد الاشتراكي ثم مجلس الأمة (مجلس الشعب الآن) وكلها تنظيمات من صنع السلطة آنذاك – أي أنها أغلبية مطلقة من صنع النظام
.. ثم جاءت حقبة الرئيس الراحل أنور السادات وتحول مسار مصر من الاشتراكية إلى الانفتاح ومن المقاومة وادارة الصراع مع إسرائيل وفق رؤي تاريخية من جمال عبدالناصر إلى إبرام اتفاق سلام مع الكيان الصهيوني على يد السادات، ونفس التنظيم والرجال الذين دافعوا عن الاشتراكية والتنظيم الواحد هم أنفسهم من هللوا للانفتاح وللسلام المنفرد مع إسرائيل.
وعندما بدأت الأحزاب في مصر بنهاية السبعينيات جاءت بوحي من السلطة وصنيعة لها وانتقل نفس رجال التنظيم الواحد إلى حزب الرئيس –الحزب الوطني الديمقراطي الذي هرول إليه كل الرجال السابقين جيلا وراء جيل إلى أن هبت رياح ثورة 25 يناير واستبشر كثيرون بأن وجوه الماضي لن تطل من جديد بعد ثلاثين عاما من التشرنق داخل نظام مبارك ولم تطل أيام التفاؤل والاستبشار.
واليوم نحن على أبواب انتخابات برلمانية جديدة وهي الأولي بعد ثورة 30 يونية 2013 والمتأمل للمشهد سيجد أن من يقودون عمليات التحالف الانتخابي معظمهم هم رجال قدامي منهم من يرجع تاريخ وجوده بالحياة السياسية إلى عصر جمال عبدالناصر.. والمتأمل أيضا يلمس بسهولة غرابة الهرولة تجاه وجوه الحزب الوطني.
والعبرة من هذا السرد أن مختلف القوى السياسية التي تتصدر المشهد الآن هي نفسها القوى القديمة أو امتداد لها ومعظم الأحزاب القائمة ليست أكثر من مجموعة أسماء خرجت من جراب التنظيم الواحد –أي أنها جزء من الأغلبية التي تصنعها السلطة ولم تكن يوماً أغلبية تصنع سلطة، ولذلك من السخافة السياسية أن يثرثر البعض حول قوة البرلمان القادم وأنه الأخطر في تاريخ مصر البرلماني.. وأعتقد أن البرلمان القادم ليس إلا نسخة من كل البرلمانات السابقة من قبل خمسة وأربعين عاماً على الأقل– بل ربما يكون الأكثر تشوها.
والخلاصة أن الذي تغير في مصر على مدي نصف قرن مضي هم