صك اغتيال مفكر
«الوحي لا يلازم الأنبياء في كل عمل يصدر عنهم وفي كل قول يبدر منهم فهم عرضة للخطأ، يمتازون عن سائر البشر بأن الله لا يقرهم على الخطأ بعد صدوره ويعاتبهم عليه أحياناً».. هذا ليس كلامي ولا كلام الدكتور سيد القمني أو فرج فودة وإنما هو كلام الشيخ محمد مصطفي المراغي،
أحد أهم وأجرأ من تولوا مشيخة الأزهر (الفترة من 1928 حتى استقالته في 1930 ثم تولى المشيخة مرة أخرى عام 1935 وحتى وفاته 22 أغسطس 1945) في مقدمته التي قدم بها كتاب الأستاذ محمد حسين هيكل «حياة محمد صفحة 11 طبعة دار المعارف»، وقد تأملت كلام شيخنا وقلبته وأنا أتابع مذهولاً الحوار التكفيري الذي جري بين المفكر الدكتور سيد القمني - من جهة - والدكتور الأزهري سالم عبدالجليل وبينهما المحاور طوني خليفة على شاشة تليفزيون «القاهرة والناس» الأسبوع الماضي.. والحقيقة أن هناك مشكلة كبيرة لدي كثير من شيوخ الأزهر أنهم يمنحون أنفسهم حق منح صكوك الإيمان والغفران والفوز بالجنة وكذلك إنزال العقاب الفوري بتكفير من يختلف معهم في الرأي حول أسس العقيدة وكيف من حق كل مسلم أن يفكر ويفهم ويقلب النصوص.. لقد ختم الدكتور سالم عبدالجليل حديثه في الجزء الثاني من الحوار قائلاً: «أنا لم أكن أعرف أني أتيت إلى هنا لحوار مع ملحد»، متهماً الدكتور سيد القمني بالكفر لمجرد أن الدكتور القمني متمسك بموقفه الفكري من تاريخية النص وليس أزليته وهي قضية قديمة، قال بها المعتزلة قبل أكثر من ألف عام وفي عز عصر الخلافة العباسية.
ومناصرة لعبدالجليل خرج علينا الشيخ خالد الجندي ليعلن على الملأ أنه يكره في الله الدكتور سيد القمني لأنه يدعو للإلحاد ويتهجم على كتاب الله.. إذن نحن أمام مقاصل أزهرية ومحاكم تفتيش علا صوت قضاتها وجلاديها، وإذا كنا اليوم نواجه فكراً داعشياً أسود يقتل ويذبح باسم الدين كل من يشتبه في اختلافه مع فكر الدواعش، فما الفارق بين من يذبح بالسكين وبين من يغتال مفكراً اغتيالاً معنوياً وفكرياً ونفسياً على الهواء مباشرة كتمهيد طبيعي وتلقائي لكل من بعقله مرض خبيث أن يغتال ويصفي بدنياً دكتور سيد القمني في وضح النهار ويهلل «الله أكبر» مثلما كان مصير دكتور فرج فودة، ومثلما وقع من محاولة اغتيال قبيحة لأستاذنا نجيب محفوظ ورحم الله أيضا الدكتور نصر حامد أبوزيد الذي كوفيء على بحوثه وجهده العقلي الجبار بتطليق زوجته منه ونفيه خارج مصر سواء كان ذلك خوفاً عليه أو كسباً لرضا مؤسسة دينية.
كان الدكتور سالم عبدالجليل عصبياً متوتراً على غير عادته وقد تصورت للحظات لو أن أمامه هو أو رفيقه خالد الجندي العلامة وأول من حمل لقب الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت وقال للدكتور لهما ما ورد في كتابه «الإسلام عقيدة وشريعة» (لقد جري الخلاف بين الفرق الإسلامية في المسائل التي جر اليها البحث في العقائد، وهو خلاف كخلاف الفقهاء في أحكام الفروع التي لم يرد فيها نص محكم. خلاف لا يصح