ضريح رخام وبيت عدم
الناس البسطاء الذين يمثلون أكثر من 90٪ من الشعب المصري أكثر عقلاً ووطنية وإيمان ببلدهم ممن يسمون أنفسهم بالنخب على حد سواء الذين لا ينقطعون عن الظهور على شاشات القنوات الفضائية أو هؤلاء الذين تشرنقوا داخل دولة «الساحل الشمالى» أو مشاهير الإعلاميين من مقدمي برامج التوك شو التي تنقل نقلاً حياً وقائع الحرب الاهلية التي يجهزون هم حطبها ونارها كل ليلة.. لست متشائماً بمستقبل مصر بعد 30 يونية 2013 وكثير من الأمل يحملني فوق أجنحته ويمنحني الفرصة أن أطل على الواقع من أماكن تسمح فيها زاوية الرؤية بالمشاهدة والتأمل.
قبل أيام قليلة تجولت بمنطقة عزبة خير الله وإسطبل عنتر بمصر القديمة مع ابنتي التي تعمل بإحدى المؤسسات الأهلية، وتساءلت وأنا أصور بعدسات قلبي أصعب وأخطر مشاهد الفقر واللاآدمية.. الناس هناك بقايا بشر سكاري وما هم بسكاري، أموات وما هم بأموات.. معذبون بين قلوب تنبض وتمنحهم شهادة موثقة بأنهم أحياء وبين موت يطاردهم ويتعقبهم كذئب ضاري في غابة لم تعرف يوماً قوانين الرحمة والعدل، ولنا أن نتأمل حال بشر في العقد الثاني من القرن العشرين يلتحفون الهوان ورطوبة الزمن وقسوة الفقر، وحين تحملهم همومهم وأحزانهم إلى حجرة متهالكة هي البيت والثروة تنهشهم قنوات فضائية تفيض من شاشاتها وجوه منتفخة وأجساد مترهلة لتبدأ وصلات الردح والقدح والتخوين، وحين يأتي الفاصل - حتى الفاصل - لا تحن هذه القنوات عليهم بزيارة قصيرة وتفضل أن تستعرض شواطئ دولة الساحل الشمالي وعالم البورتوهات والجولفات، وينتهي الفاصل القصير الذي أطلق نيران الإحباط على صدور تخبئ تحت سطحها آهات لو صدرناها لأغرقنا العالم بالحزن واتهمنا المنافسون باحتكار تجارة الألم.
أحياناً أتفاءل وأشم رائحة يقظة من رأس النظام نفسه - الرئيس السيسي - تجاه خطورة أن يبقي الإعلام المصري عام وخاص هكذا لا يقدر القائمون عليه جرجرتهم لمصر العزيزة نحو خلاء تاريخي يساوي العدم.. وتمنيت ومازلت على الرئيس السيسي أن يسأل الإعلاميين: أين منكم مشكلة الانفجار السكاني؟.. أين مشكلة السفه في استهلاك المياه؟.. أين مشكلة تنوير الناس بالفرق بين الدين والتدين والإيمان؟.. أين مشكلة القوة الناعمة المصرية