تحليل بول سياسي
ماذا لو تصورنا أننا أخذنا عينة بول للحالة المصرية الراهنة إلى أهم مختبر في البلاد لفحصها ، ثم استلمنا نتيجة التحليل وذهبنا بها إلى أكبر استشاري للمسالك السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ليقرأ علينا الحقائق الدامغة والمؤكدة لهذا التحليل .. بكثير من التفاؤل أتصور أن الاستشاري الكبير سيخبرنا بأن أول نتيجة صادمة لفحص البول السياسي للمصريين تقول وتقر بأننا ومنذ أكثر من أربعين عاما قد أصابنا ميكروب تخلف عام اخترق كل خلايانا السياسية والثقافية والاجتماعية وحولنا من مجتمع كان يعلق بصره وبصيرته على تقدم الشمال فإذا به يغوص في صحاري الجنوب القاحلة التي لا تعرف إلا العصبية والتوتر والتسليم بأن كل نسمة هي من عند الله وكل نقمة هي من صنع البشر.
وسألنا استشاري مسالك الممالك عن سكة السلامة وسكة المهالك فأخبرنا بأن هناك عاملا وراثيا غريبا يجعلنا نميل للنوم وسكني كهوف الجمود وتحمل جبال الاستبداد والقهر ليس لأننا نملك بنية قوية وجبارة ولكن لأننا نسلم بأن كل شيء بأمر الله ودوام الحال من المحال، ومستبد تعودنا عليه خير من عالم حر نجهله وما دام الحال كذلك فلماذا نثور ونغضب والخير آت آت من رب السموات والأرض.. هنا حاولت أن أضيق الخناق بسؤال ساحق ماحق للاستشاري الكبير.. لقد أنعم الله علينا بدل الثورة ثورتين ومع ذلك مسلسل الألم متصل الحلقات لا ينتهي – فهل كانت الثورتان نعمة من الله أم نقمة صنعناها بأيدينا؟
استغرق الاستشاري قي قراءة نتيجة تحليل بول الحالة السياسية المصرية وتنهد وقال.. بعضكم في الميدان صورها نعمة هبطت من السماء وحملها ملائكة لم ترونها وبعضكم اعتبرها إبداعا خالصا للمصريين وفريق ثالث وصفها بالكارثة.. أما نتيجة عينة البول السياسي بين يدى فتقول غير ذلك .. تقول بأنكم مصابون بنوع نادر من عشي الألوان السياسي الذي يجعلكم لا تميزون إلا بين لونين – إما ابيض وإما اسود وما دونهما أرض للنفاق والخداع والكذب والتدليس وبيع الذمم والضمائر – وتوقف الاستشاري قليلا ثم أكمل – للأسف هذه المساحة بين اللونين هى الأكبر والأكثر تأثيرا في حياة الشعوب وهي التي تلتقي بها كل الثقافات والمعارف والقيم الإنسانية وعندكم هي ميدان للصراع والاقتتال والفتن – عينة البول تظهر بها ملايين من كرات الدم الحمراء التي كسرت ودمرت في مواجهات تاريخية مع خصومها والآن أنتم تعانون من فقر عقل مزمن يجعلكم قوم تستطيعون بناء هرم لا نظير له في الكون في حين تعجزون عن بناء طفل صغير ليكبر متحضرا متسامحا منفتحا على ثقافة عصره.. تصدرون للدنيا ثقافة حب الخلود منذ آلاف السنين واليوم يتنافس كثير من دعاتكم في تحقير الحياة والإعلاء من شأن الفناء والدمار والتفاخر بأطفال يحملون أكفانهم من أجل رجل يجهلونه وقضية لا يدرون عنها شيئا وهذا ما لم يحدث في عصور النبوة الأولى، وسبب ذلك انكم مصابون بجراثيم تاريخية انتقلت إليكم من عصور الخلافة والملك العضوض ولعلها الآن أشد خطرا وبأسا لأنها تعجزكم عن الحركة وتصيبكم بنوع من الشلل الحضاري والثقافي الذي يجعلكم في العصر الحديث أشبه بكائنات قادمة من أزمان بعيدة وتتحدثون في عصر الذرة