رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الفريضة الغائبة عن ثورات مصر

لماذا تخلفنا كثيراً عن ركب العصر الحديث الذي أطل بنوره على شمال العالم قبل أكثر من أربعة قرون على الأقل؟.. أعتقد أن المصريين منذ ثورتهم على نابليون وحتى ثورتهم على الرئيس المعزول محمد مرسى كانوا ينقلون أنفسهم من مكان لآخر في صفحات التاريخ ولكنهم لم يصنعوا حالة فكرية

وثقافية جديدة تعينهم على تحديد علاقة جديدة لهم مع العالم الكبير من حولهم.. لقد ظل التصور الديني للعالم هو المسيطر على عقول المصريين منذ آدم وذريته وحتى حسن البنا وجماعته، ومن المؤكد أنه لا سبيل على الإطلاق لنجاح أي ثورة في مصر إلا بثورة المصريين على دواخلهم المملوءة بالكذب والدجل والاستسلام لسيطرة تصورات خادعة ثبتها في العقل الجمعي المصري من عهد خوفو إلى زمن مرسي كهنة المعابد القديمة والقساوسة والشيوخ والرصيد الباقي من رحلة الزمن المصري عبر آلاف السنين أن العقول قد تم تحنيطها وتثبيتها فوق أجساد تتحرك بتهويمات التصور الديني للعالم، الذي قد لا يختلف في التمسك به خوفو وأوزيريس عن بديع ومرسي.. الكل لا يحمي قيمة ولا يدافع عن مبدأ ولكن جريمة التاريخ التي نأبي أن نفهمها ونستوعبها أننا ملوك وصعاليك ندافع عن طريقة وتنظيم وليس عن رسالة.. نحن عبيد ما نخاف وعندما نتطلع للحرية نريدها متسقة مع جبال الكذب الراسخة بعقولنا وتحت جلودنا.. نثور على الظالم ونمارس الظلم.. نثور على المستبد ونمارس القهر.. نثور على الجهل ونكفر بالعلم والتفكير العلمي.
لقد سبقنا بنصف قرن ويزيد الرائع نجيب محفوظ في الكثير من أعماله التي ربما تمنى أن تساعد المصريين على فهم حقيقة حارتهم وبيتها الكبير وساكنه الأعظم.. أن يفجروا طاقات العلم والمعرفة ويكتبوا نهاية حقيقية لرحلة طالت ولاتزال مع الفقر والقهر والذل والاستضعاف.. أن يفيقوا ويخرجوا من كهوف الجمود ويدركوا كما يرى في روايته «حكاية بلا بداية أو نهاية» أن التصور الديني للعالم دبت فيه الشيخوخة منذ زمن عندما فقد القدرة - مثل الشرايين حين تصاب بالتيبس والانسداد - على الاستجابة لمتطلبات العصر الذي لاسنة له غير التغير.. وعلى لسان شخصياته يقول على عويس (الذي يمثل جيل العلم والتغير والتمرد) الدنيا تتغير بلا توقف ولا رحمة يامولانا.. فيرد عليه الشيخ العجوز محمود الأكرم (ممثل الجمود والتجارة بالدين).. ولكن الحقائق باقية خالدة.. ويرد على عويس - التغير هو الشيء الوحيد

الخالد يا مولانا – فيرد العجوز أراك تتعلق بظاهر كاذب خادع – فيجيبه الشاب معذرة ياسيدي – فالظاهر الكاذب هو الجمود.. وكأن نجيب محفوظ يقود مظاهرات 30 يونية ضد الجمود والتخلف حين يتساءل هل الطريقة أو (التنظيم) هي المهددة فعلاً حتى يدعي الكاذبون الدفاع عنها أم أن الأعاصير لا تهدد إلا بأن تقتلع أئمتها الذين خانوا رسالتها، والذين أنساهم رغد القصور أن الحياة في الحارة معاناة أليمة.
الحقيقة المرة أن الطريقة لم يعد لها أهل ولم يبق منها إلا الأغاني والأذكار والنذور والعمارات وأن شيوخ الوهم لم يطلبوا الدفاع عن روح الطريقة أو الجماعة  وجوهرها بل عن طقوسها وامتيازاتها ثم يجهر محفوظ بالحقيقة على لسان أحد شخصيات روايته إن الجماعة أو أهل الطريقة أمام خيارين لا ثالث لهما «إما الدعارة وإما القداسة»، ذلك أن مهمة تجار الدين وعلى الأخص بعد أن ناب عنه العلم في تفسير حقائق الوجود لا يمكن أن تكون سوى مهمة «قديس» – أما الإصرار على الدعارة - أي تكديس الأموال وجباية ريع العمارات والانشغال بأطايب الدنيا عن الطريق والاجتهاد فهذا يعني الانتحار.. لماذا لم نفهم نجيب محفوظ بعد.. أم أننا لا نريد أن نفهم ما يحررنا من الخوف المستبد بنفوسنا وعقولنا باسم الدين.. وأخيراً وحتى لا ننفصل عن واقع نعيشه فإن رابعة العدوية قد اختارت في لحظة فارقة أن تنتقل من حياة الدعارة للقداسة.. فهل آن الأوان للمعتصمين بمحرابها أن يهتدوا بما فعلت أم أن دعارة الفعل مقدسة عند إخوان الهوى السياسي؟
[email protected]