رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

البشرية تخسر إرثها الحضاري فى بلاد الرافدين

بوابة الوفد الإلكترونية

حزن عميق عم الأوساط الثقافية والعلمية في كل بلدان العالم بعدما دمر مقاتلو تنظيم داعش مدينة نمرود الآشورية الأثرية التي تعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد بشمال العراق بالجرافات وساووها بالأرض، معلنين تحديهم لإرادة العالم ومشاعر الإنسانية بعد إقدامهم على جريمة جديدة من حلقات جرائمهم.

جاء ذلك بعد أيام من تداول مستخدمى موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، شريطا لتدمير تنظيم داعش لآثار الموصل، وأظهر الشريط قيام عناصر التنظيم بتدمير آثار يعود تاريخها إلى آلاف السنين في متحف مدينة الموصل. ورمي التماثيل أرضاً وتحطيمها، واستخدام المطرقات لتكسير بعضها واستخدام آلة ثقب كهربائية لتشويه تمثال آشوري ضخم لثور مجنح، يقع عند بوابة نركال في الموصل وذلك بعد حرق مئات الكتب والمخطوطات في تلك المدينة.
وكما أكدت مصادر إعلامية عراقية أن الداعشيين لديهم نية لتدمير مدينة الحضرة التاريخية أيضاً المدرجة على لائحة التراث العالمي لليونسكو، والتى تقع ضمن مناطق سيطرة داعش وهي منطقه معزولة في الصحراء.
لم يكن التدمير والهدم هو الهم الأوحد لداعش، بينما قام كثيرون من أعضاء التنظيم الداعشى بأعمال نهب منظم لآثار العراق ليؤكدوا للعالم أنهم تتار القرن الواحد والعشرين، وأنهم يتبعون نفس المنهج الذي اتبعه التتار من قبل في تعاملهم مع حضارات وشعوب الشرق الأدنى.
وأكد الجميع أن هذا النهب يعد اغتيالا للحضارة وقتلا للإنسانية، حيث كان يحتوي متحف الموصل على مجموعة من القطع الأثرية الفريدة لحضارات ما بين النهرين، وناشد المهتمون بشأن الآثار فى العالم، منظمة اليونسكو ضرورة التدخل السريع وإصدار بيان تمنع فيه تداول القطع الأثرية الصغيرة التي تم بيعها أو تهريبها سواء بالبيع أو الشراء وضرورة العمل على جمع القطع التي تم بيعها فعليًا.
إنه القدر السيئ الذى يلاحق دوماً حضارة هذه البلاد، ستظل هذه الحضارة ميراثاً مستهدفاً من قوى كثيرة، تراقبه وتنتظر الفرصة لتقضى عليه تحطيماً ونهباً، فهذا التراث الهائل كان مستهدفاً دوما من «التتار» إلى «الدواعش».
يُقال إنّ أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن، إحداها كانت خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد، والتى كان فيها من الكتب ما لا يُحصى كثرة ولا تضارعها فى القيمة، ولم تزل على ذلك إلى أن دهمت التتار بغداد، وقتل ملكهم هولاكو المستعصم آخر خلفائهم ببغداد، فذهبت خزانة الكتب فيما ذهب، وذهبت معالمها.
ففي عام 656 هجريًا، بينما كان سكان بغداد يحاولون الفرار من فظائع المغول، يوم اجتاح القائد المغولي هولاكو بغداد، فإن أول ما فعله أنه دمر «بيت الحكمة» بما يحتويه من كنوز الوثائق والكتب التاريخية النفيسة في علوم الطب والفلك. وقال الناجون إن ماء نهر دجلة كان أسود اللون لكثرة الأحبار الذائبة فيه بسبب الكميات الهائلة من الكتب الملقاة في النهر، وتقول بعض الروايات إن التتار جعلوا من كتب بغداد جسرًا لخيولهم.
فألقى أهل بغداد السلاح من هول ما رأوا، وقتلت الصفوة من أهلها وأنساب جنود هولاكو في شوارع وطرقات بغداد، وأصدر السفاح هولاكو أمره الشنيع باستباحة بغداد وهو ما يعني أن الجيش التتري يفعل فيها ما يشاء، يقتل يأسر ويسبي ويزني ويسرق ويدمر ويحرق، فانطلقت وحوش التتار الهمجية تنهش في أجساد أهل البلاد، وفعل التتار في المدينة ما لا يتخيله عقل فبدأ الجنود التتريون يتعقبون المسلمين في كل شارع أو ميدان في كل بيت أو حديقة في كل مسجد أو مكتبة واستحلوا القتل في الناس وهم لا حول لهم ولا قوة، ولا هم لهم إلا الهرب، فيهرب المرء إلى داره ويغلق عليه الباب فيأتي التتري ويحرق الباب أو يقتلعه ويدخل عليه فيهرب إلى أعلى المنزل إلى السطح فيصعد وراءه التتري ويقتله فوق الأسطح حتى سالت الدماء بكثرة من ميادين المدينة، ولم يقتصر الأمر على قتل الرجال الأقوياء فقط إنما كانوا يقتلون الكهول والشيوخ وكانوا يقتلون النساء إلا من استحسنوا منهن فكانوا يأخذونهن سبياً بل وكانوا يقتلون الأطفال حتى الرضع منهم.
تقول إحدى الروايات إن جندياً من التتار وجد أربعين طفلاً حديثي الولادة في شارع من شوارع بغداد وقد قتلت أمهاتهم فقتلهم جميعاً.
ثم سيق الخليفة المستعصم بالله إلى نهايته فوضعه التتار في جوال ثم أمر هولاكو بأن يقتل الخليفة رفساً بالأقدام، وبمقتله سقط آخر خلفاء بني العباس في بغداد وسقطت معه بغداد وسقط وراءها الشعب بكامله وكان ذلك في اليوم العاشر من فتح بغداد يوم 14 صفر سنة 656هـ.
ولم تنته مأساة هذه البلاد بقتل الخليفة وإنما أمر هولاكو باستمرار عملية القتل في بغداد واستمرت أربعين يوما متصلة لأهم للجنود التتار إلا قتل البشر وقتل من أهل بغداد وحدها مليون

إنسان في أربعين يوما فقط من الرجال والنساء والأطفال والكهول.
وبينما كان فريق من التتار يعمل على القتل وسفك الدماء اتجه فريق آخر من التتار إلى عمل إجرامي أبشع وهو تدمير مكتبة بغداد وهي أعظم مكتبة موجودة على وجه الأرض في ذلك الزمان بلا منازع فقد جمعت فيها مختلف العلوم والآداب والفنون من شتى بقاع الأرض، ولم يقترب منها في العظمة والشهرة إلا مكتبة قرطبة في الأندلس، فحمل التتار الكتب الإسلامية وفي بساطة شديدة ألقوها جميعا في نهر «دجلة»، وبعد أن فرغ التتار من تدمير مكتبة بغداد اتجهوا إلى الديار الأنيقة والمنازل الجميلة فتناولوها بالتدمير والحرق وسرقوا منها المحتويات الثمينة وما عجزوا عن حمله منها أحرقوه، وبعد الأربعين يوماً من الدموية في بغداد أصدر هولاكو مجموعة من الأوامر وأولها أنه أعطى أمانًا حقيقيا في بغداد فلا يقتل أى شخص في بغداد بعد هذا الأمر عشوائيا لأن الجثث المتعفنة أصبحت كالتلال في شوارع وطرقات بغداد، فخشى هولاكو أن يحدث وباء في هذه المناطق فيأكل أهل البلاد والتتار، فأمر بخروج من تبقى من المسلمين ونجا من القتل من مخابئهم، وأعلن الأمان ليقوموا بدفن موتاهم، وخرج من تبقى وأخذوا في دفن موتاهم، ومع ذلك فقد انتشرت الأوبئة فعلاً في بغداد ومات من المسلمين عدد كبير من جراء هذه الأمراض القاتلة، وكما يقول ابن كثير في كتابه «البداية والنهاية» ومن نجا من الطعن لم ينج من الطاعون».
ووصلت أخبار سقوط بغداد إلى العالم بأسره، فكان سقوط بغداد بالنسبة له صدمة كبيرة ورهيبة لا يمكن استيعابها مطلقا، وظهر لدى المسلمين في ذلك الوقت اعتقاد سيطر على معظمهم وهو أن ضعف المسلمين وقوة التتار وسقوط بغداد ما هي إلا علامات للساعة وأن المهدي سيظهر قريبا وسيقود جيوش المسلمين للانتصار على التتار.
ولكن القدر لم يجعل تلك البلاد تهنأ كثيراً، حيث تتابعت السرقات على بغداد فى مرات كثيرة منها عام 1999، حيث سُرق المتحف العراقي في بغداد، واختفي منه زوج من الأقراط عُثر عليهما في المقبرة الملكية «أور»، والتى يعود تاريخها إلى عصر فجر السلالات الأول، طبقًا لدراسات عراقية، وفي 2003 ايضًا، ومع الاحتلال الأمريكي للعراق، تعرضت آثار ومتاحف العراق للنهب الشامل، كما كشفت وسائل إعلام عراقية وقتها عن تعرض عشرات المواقع الأثرية المهمة والمنتشرة على مساحة بلاد العراق لعمليات قرصنة وسرقة موجوداتها من تحف ومقتنيات أثرية والتي تأسست على أرضه على مدى سبعة آلاف سنة، فقد وثقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونيسكو» في تقرير يقيم الأضرار في موقع بابل الأثري «إحدى عجائب الدنيا السبع»، استخدامه كقاعدة عسكرية لقوات التحالف من عام 2003 وحتى عام 2004، وهو ما يمثل تجاوزات اعتبرها تقرير المتحف البريطاني «أشبه بإنشاء معسكر يحيط بالهرم الأكبر في مصر أو بموقع ستونهينغ في بريطانيا العظمى».
وفي العام الجاري 2015، أعلن تنظيم داعش عبر مواقع التوصل الاجتماعي عن هدم آثار متحف الموصل، فيما نسبت تقارير إعلامية هدم مسجد أثري عراقي بقصف داعشي.