رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"الحسن والحسين" يفتح ملف منع تقديم الشخصيات المقدسة

لم تكن المرة الأولي ولن تكون الأخيرة، التي تقوم فيها الدنيا ولاتقعد عند تقديم إحدي الشخصيات المقدسة علي شاشة السينما او التليفزيون! وقد كانت الفنون التشكيلية أسبق في تقديم السيد المسيح

عليه السلام والسيدة العذراء مريم في لوحات فنية بريشة كبار رسامي عصر النهضة، بل ان خيال الفنان التشكيلي لم يقف عند حد، وقدم تصورات إبداعية للخالق نفسه! وقد يكون الأمر مختلفا في السينما أو كان كذلك، فصورة الأنبياء والشخصيات المقدسة كان عليها الكثير من التحفظات، خوفا من تجسيدها في أعمال فنية قد تسيء بشكل أو بآخر لمكانتها الروحية في نفوس البشر، ومع ذلك فإن كاميرا السينما تحايلت في البداية علي ذلك في أفلام مثل «كوفاديس» حيث تم تقديم السيد المسيح من خلال طاقة نور تتحرك فتلقي بضيائها علي واد يضم آلاف البشر الذين جاءوا من أقاصي الأرض لينالوا شرف رؤية المسيح، ثم تكررت نفس الحيلة في أفلام عدة مثل «سبارتاكوس» و«بن هور»، حيث لم يظهر السيد المسيح بنفسه ولكن من خلال تأثيره علي البشر، وردود فعلهم علي وجوده، وفي عام 1961، كانت المرة الاولي التي يجسد فيها ممثل شخصية المسيح، وذلك من خلال فيلم ملك الملوك للمخرج نيكولاس راي، وتم اختيار «جيفري هنتر» لأداء الدور، وليس صحيحا انه لم يقدم قبل ذلك أو بعده أفلام للسينما، فقد شارك جيفري هنتر في أحد افلام الغرب الأمريكي مع الممثل الشهير جون واين، كما قدم أفلاما كوميدية وخيالية مثل «ساحرة بدون مقشة»، و«صبي الكريسماس»!
كان فيلم «ملك الملوك» حدثا فنيا، في كل أرجاء الدنيا، وتم عرضه في مصر في نفس الوقت الذي كان يعرض فيه في أمريكا وبعض العواصم الأوروبية ولكن عرض الفيلم في مصر لم يستمر إلا أياماً قليلة، حيث اعترض الأزهر علي عرض فيلم يجسد شخصية المسيح عليه السلام، وتكرر بعد ذلك ظهور تجسيد شخصية السيد المسيح في عشرات الأفلام من جنسيات مختلفه، وصل عددها الي أكثر من ثلاثمائة فيلم ومسلسل تليفزيوني، ومسرحية، بل أن خيال الفنان لم يقدم عن حد في التعامل مع شخصية المسيح، وتم تقديم تصور عصري في إحدي مسرحيات برودواي الموسيقية، باسم «المسيح سوبر ستار»! حققت نجاحاً منقطع النظير، وسرعان ما انتقل نجاحها إلي السينما عندما حولها المخرج الكندي نورمان جيسون في عام 1973 الي فيلم سينمائي بالغ الروعة مع موسيقي البوب الشعبي العصرية!
وربما كان جنوح المخرج مارتن سكورسيزي في تقديم صورة مغايرة لما نعرفه عن حياة المسيح من زهد، في فيلم «الاغواء الأخير للمسيح» سبب في الهجوم علي الفيلم ومخرجه، وإن كان هذا لم يمنع النقاد من اعتباره إحدي التحف الفنية في حياة المخرج الشهير! وطبعا لم يقتصر الأمر عند تجسيد شخصية السيد المسيح فقد قدمت السينما أفلاما عظيمة لغيره من أنبياء الله، كان أهمها علي الاطلاق فيلم «الوصايا العشر» للمخرج سيسيل دي ميل، حيث لعب الممثل الشهير شارلتون هيستون شخصية نبي الله موسي عليه السلام، بينما قدم يول براينر شخصية الفرعون! ونال الفيلم عدة ترشيحات للأوسكار فاز منها بجائزة أفضل المؤثرات البصرية والسمعية في عام 1956!

أنبياء الله نوح ويعقوب ويوسف تم تجسيدهم من خلال كاميرا السينما والتليفزيون في أعمال حققت نجاحاً كل بقدر مستواه الفني وحرفته، هذا حدث ويحدث وسوف يحدث دائما في دول الغرب التي لاتضع قيوداً أمام الإبداع، ولاتعرف وصاية ولاتجرؤ علي المنع مهما بلغت شطحات المبدع!

حتي فيلم «شفرة دافنشي» الذي قدم تصورا غامضا لبعض أمور الكنيسة وعن خفايا مزعومة للديانة المسيحية لم يفكر أحد في وقف عرض الفيلم رغم استنكار بابا الفاتيكان وتصريحه بعدم رضاه عما جاء في «شفره دافنشي»! أما في عالمنا العربي الذي تحركه العمامة والعقال، فإن المنع هو الأصل بدون مناقشة الأمر أو حتي الاقتراب منه بوصفه رجزاً من عمل الشيطان! وكان للأزهر موقف ثابت من فكرة تجسيد الأنبياء والصحابة وأهل بيت النبي «صلي الله عليه وسلم» علي الشاشة، وأضيف لهم بعد ذلك العشرة المبشرون بالجنة! وفي الخمسينيات من القرن العشرين رفض الأزهر فكرة تقديم الممثل القدير يوسف وهبي لتجسيد شخصية نبينا الكريم، رغم أن الرجل أعلن وقتها «أو هكذا قيل» عن استعداده لترك عالم التمثيل نهائيا بعد تقديم هذا الفيلم، ولكن الرفض كان حاسما، ومع ذلك فإن هذا الحسم لم يمنع الممثل حسين صدقي من تقديم شخصية خالد بن الوليد في فيلم يحمل اسمه وشاركت في بطولته مديحة يسري، ولم يمنع يحيي شاهين من تقديم شخصية بلال مؤذن الرسول رغم ان هذين الفلمين لم يعد أيهما يعرض علي شاشة التليفزيون الذي اتخذت رقابته موقفا أكثر تعنتا من الأزهر الشريف! وطبعا باءت محاولات المخرج جلال الشرقاوي بالفشل عندما فكر في تقديم مسرحية «الحسين ثائرا»، وجاءه الرفض بعد ان قام بعمل البروفات مع الممثل الراحل عبد الله غيث! بعدها توقفت كل محاولات تقديم أي من أنبياء الله أو الصحابة في الأعمال الفنية، ولكن قيود المؤسسات الدينية لم تمنع المخرج السوري العالمي مصطفي العقاد من تقديم فيلم «الرسالة»، الذي يظهر فيه حمزة عم نبينا الكريم وزينة شهداء أهل الجنة، وطبعا لم يفكر العقاد في تقديم صورة محمد عليه الصلاة والسلام في الفيلم الذي دارت أحداثه عن بداية انتشار الاسلام في الجزيرة العربية ثم انتشاره في بقية بقاع الارض، وتحايل علي ذلك بتقديم مقدمة وجه الناقة التي حملت الرسول الكريم وهو يدخل المدينه منتصرا ويستقبله الآلاف بالطبول والغناء «طلع البدر علينا»، ورغم ذلك فلم يسلم المخرج أو فيلمه من الهجوم، والمنع! إلا أنه حقق نجاحا كاسحا عند عرضه في كل أرجاء الدنيا.

ومع ذلك فبعد سنوات من إنتاجه، وافقت بعض القنوات التليفزيونية العربية علي عرضه، بينما أحجم التليفزيون المصري عن ذلك، أما المخرج يوسف شاهين فقد واجه حرباً ضروساً عندما فكر في تقديم فيلما عن حياة نبي الله يوسف، واضطر للتحايل علي الرقابة بتقديم شخصية مقابلة تحمل اسم «رام» ولكن لها نفس مواصفات سيدنا يوسف ونفس مسار حياته في فيلم «المهاجر» الذي لعب بطولته خالد النبوي مع الممثل الفرنسي ميشيل بيكولي الذي جسد شخصية نبي الله يعقوب! ولم يسلم الفيلم من الهجوم ولاحقته قضايا المنع وكالعادة أخذ التليفزيون المصري بالأحوط ومنع عرض الفيلم علي شاشته، رغم عرضه السينمائي وتوافره علي شرائط الفيديو والأقراص المدمجة!

وطبعاً نذكر جميعا الأزمة التي سبقت عرض الفيلم الأمريكي «آلام المسيح» للمخرج ميل جيبسون في مصر، ولولا تدخل بعض الشخصيات

المسيحية القريبة من دوائر اتخاذ القرار في عهد مبارك، ما كان للفيلم أن يعرض في القاهرة أبداً، إلا أن مشروع ظهور فيلم مصري عن حياة السيد المسيح لايزال متعثرا ولم يستطع كاتبه فايز غالي أن يعبر حواجز المنع حتي الآن، وبعد مرور أربع سنوات علي كتابة السيناريو! لايزال المشروع متوقفا الي أجل غير مسمي، وبينما نحن نعيش في كهوف الماضي وتحاصرنا خيوط العنكبوت من كل جانب، بدأت الدراما الايرانية تتقدم وتكسب أرضا في مجال المسلسلات الدينية، خاصة تلك التي تتناول حياة الأنبياء والشخصيات المقدسة، بدأتها بمسلسل «مريم المقدسة» الذي عرض علي أكثر من عشر قنوات خليجية، ونال نجاحاً يفوق الخيال ثم تلتها بتقديم مسلسلا عن حياة نبي الله زكريا، ثم أهل الكهف ثم عن حياة السيد المسيح، وكانت الضربة الكبري مع مسلسل «يوسف الصديق» الذي شاهده ما يزيد علي خمسمائة مليون عربي «بعد دبلجته للغة العربية» وطبعا قد يقول أحدكم أن العالم العربي لايزيد سكانه علي ثلاثمائة مليون، ولكن عليك أن تحسب تكرار عرض المسلسل مرات عدة، وفي كل مرة يحرص من شاهده علي متابعته مرة أخري! مسلسل «يوسف الصديق» أحدث نوعا من الهوس والحمي لدي الجمهور العربي وأصبح أكثر المسلسلات شعبية، حتي أن نسبة تحميله من علي مواقع الانترنت وصلت الي معدلات مذهلة! وأصبح بطل المسلسل الممثل الايراني «مصطفي زماني» هو نجم النجوم لدي قطاع كبير جداً من الجمهور العربي!

كل هذه الأفلام والمسلسلات التي تناولت حياة الأنبياء والشخصيات المقدسة لم يدع شخصاً أو جهة ما إنها أساءت من بعيد أو قريب لتلك الشخصيات التي نجلها جميعاً، غير أن بعض المؤسسات الدينية ومنها الأزهر كان لها رأي آخر لم تحد عنه، وهو رفضها التام لتلك الأعمال، وهو الأمر الذي يتصور البعض أنه قد يشكل عقبة أمام عرض المسلسل العربي «الحسن والحسين ومعاوية» الذي يلعب بطولته رشيد عساف الممثل السوري بالاضافة لمجموعة من نجوم التمثيل في من سوريا ولبنان والأردن والمغرب! المسلسل من تأليف محمد اليساري وإخراج عبد الباري أبو الخير ويُلقي المسلسل الضوء علي حياة الإمامين «الحسن والحسين» أحفاد رسول الله والفتنة الكبري التي هزت الأمة الاسلامية بعد وفاة سيدنا محمد، ودورهما في الدفاع عن الخليفة عثمان بن عفان ويذكر أن سيناريو العمل قد أجازه عدد من علماء الشريعة المعروفين من بينهم الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ الدكتور سلمان العودة، والشيخ حمود الهتار وزير الأوقاف بالجمهورية اليمنية, والدكتور خالد والشيخ الدكتور عبدالوهاب الطريري والشيخ الدكتور الطريقي, والشيخ هاني الجبير القاضي بالمحكمة العامة بمكة المكرمة, إضافة إلي قطاع الافتاء والبحوث الشريعة ووزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت، كل تلك الشخصيات والجهات قرأت سيناريو المسلسل قبل الموافقة علي تصويره! وهو ما يعني أنها لم تجد فيه ما يسيء أو يخالف الشريعة أو يحرض علي الفتنة بين الشيعة والسنة.

وقد تواترت الاخبار عن عزم شيخ الأزهر بملاحقة المسلسل ومنع عرضه من علي كل القنوات العربية، وزادت شطحات البعض تصوروا أن الأزهر يمكن أن يستصدر حكما بحق الضبطية القضائية، أو مهاجمة مقر كل قناة عربية لمنع عرضه بقوة القانون، وهو أمر يدخل في باب الخرافات، وكل ما سوف يحدث ان مؤسسة الأزهر قد تنجح في منع عرض المسلسل علي شاشة التليفزيون المصري! وهو أمر غير مؤثر لأن قنوات التليفزيون المصري لا يشاهدها أحد، كما أنها لم تشتر حق عرض المسلسل، أما بقية القنوات العربية فليس علي الأزهر سلطة عليها حتي لو استصدر أمراً قضائياً، غير أنه في هذه الحالة يكون غير ملزم للقنوات التي تبث من الخارج، لأن ملاحقة الفضاء نوع من العبث، ضف علي ذلك أن تجارب التاريخ تؤكد أنه لم تستطع قوة علي الأرض منع عمل فني من العرض، فالأعمال الفنية لها قدرة الدفاع عن نفسها طالما خرجت من يد مبدعيها وكل محاولات المنع كانت مؤقتة، ومع تطور التكنولوجيا، تعددت طرق الحصول علي الأعمال الفنية، وأصبحت أكثر يسرا من استنشاق الهواء! ومع بداية شهر رمضان المعظم سوف يتابع العالم العربي أحداث مسلسل «الحسن والحسين»، علي مجموعة من القنوات العربية، ولعله يكون بداية للخروج من قبضة خفافيش الظلام، وفاتحة طريق لتقديم المزيد من الأعمال الفنية التي تستعرض أهم الأحداث والشخصيات في التاريخ الاسلامي!