منزل كفافيس مزاراً..وبيت درويش مقلباً للقمامة!
قضية اهانة رموز الموسيقي والغناء في مصر هي قضية كل العصور، وكثيراً ما تم تناولها عبر وسائل الاعلام المختلفة
لكن الدولة خلال ربع القرن الاخير كانت تنظر للمبدع علي أنه اراجوزاتي، لذلك هناك اسماء كبيرة عانت كثيراً قبل رحيلها و لم يلتفت إليها احد، واسألوا بليغ حمدي والموجي والطويل، الاهمال طال هذه الاسماء احياء وامواتا، وهناك اسماء اخري طالها الاهمال لا يتصورها عقل ام كلثوم وعبد الحليم حافظ وسيد درويش، والبعض قد يقول وماذا تفعل الدولة اكثر مما فعلته لأم كلثوم وحليم فالاحتفال بميلادهما ورحيلهما يتم بشكل منتظم، وهذا صحيح لكن الدولة اهانت ام كلثوم عندما سمحت لاسرتها ببيع منزلها بالزمالك وتحويله لفندق نعم هو يحمل اسمها لكننا في النهاية فقدنا اثراً مهماً لمطربة العالم العربي الاولي علي مر العصور، وعبد الحليم مازال منزله ايضا في يد الاسرة ولا نعلم مستقبلاً ماذا سيحدث فيه اما منزل الموسيقار محمد الموجي فعاد بالفعل الي مالك العقار عقب حريقه لأن المالك اصر علي اعادته لنفسه، حتي عندما حاولت الاسرة اطلاق اسم الراحل الكبير علي الشارع الذي يقطن به بالعباسية وهو بالمناسبة اسمه شارع البراد رفضت المحافظة.
وهناك اسماء اخري ماتت وهم في عداد الشحاذين، رغم ان ابداعهم هو العمود الرئيسي للنغم العربي علي مر العصور، ما اعلمه مثلاً ان ابنة الموسيقار الكبير محمود الشريف تعاني والجهة الوحيدة التي تدعمها هي جمعية المؤلفين والملحنين رغم ان من حقها علي الدولة ان تعيش ملكة لأن والدها من اهم ملحني الوطن العربي علي مر التاريخ، ابن الشاعر الراحل الكبير بيرم التونسي وكان يعيش في الاسكندرية ولا اعلم ان كان علي قيد الحياة ام لا؟ لأنني شاهدته منذ سنوات وكان مظهره يدل علي ما وصل اليه من حال لا يتناسب مع اهمية والده.
ونأتي لكارثة اخري وهو امر ايضا لا يطرح لأول مرة من خلال الصحف لكنه قتل بحثا، ولكننا سوف نظل نلح حتي يتم الاستجابة لنا، الكل يعلم قيمة وقامة الموسيقار الكبير سيد درويش الذي صنع النقلة الحقيقية في تاريخ الموسيقي العربية وحولها من مجرد اغان تعتمد علي غناء المشايخ وآمان يا لالالي الي غناء عربي له قواعد واصول حيث ادخل المدرسة التعبيرية في الغناء لأول مرة كما انه نقل الغناء من القصور الي الحارة حيث لم يكن يتمتع به سوي اصحاب السمو والمعالي فقط، لكن الشيخ سيد جعل العامة يستمتعون به في الحواري والأزقة، كما انه صنع مجد مصر في فن الاوبريت الذي انتهي تقريبا برحيله، هدف الموسيقي المصرية قبل الشيخ سيد كانت الطرب فقط ولكن الشيخ سيد جعل منها اداة للجهاد الوطني، اذن سيد درويش صانع حضارتنا الغنائية، هل يعلم المسئولون عن الثقافة في مصر ماذا وصل الحال لمنزله الكائن بحي كوم الدكة بالاسكندرية، تحول الي مقلب للقمامة منذ سنوات، القضية فضولي دفعني للكتابة فيها مرة اخري في اعقاب خبر عن احتفالية تستضيفها دار الاوبرا المصرية بالتعاون مع
الفارق الوحيد بين كفافيس ودرويش ان الاول حكومته تؤمن بالابداع والثاني حكومته تقتل الابداع ومبدعيه بل تنكل بهم وتدفعهم الي الهاوية، واذا قلنا ان الفرق بين منزل درويش وكفافيس بالاسكندرية كيلو متر فقط، فالفارق بين فكر الدولتين اليونانية والمصرية قبل الثورة حتي لا أظلم المسئولين الحاليين يوازي عشرات الملايين من الكيلو مترات في الفكر ودرجة الاهتمام بالرموز.
المسئولون الحاليون عن الثقافة المصرية في اختبار كبير لأن واجبهم يحتم عليهم عمل دراسة سريعة ومسح شامل لكل مبدعينا ووضع تصور لتكريمهم وتحويل منازل من رحلوا الي مركز للابداع الفني والاشعاع الثقافي، ولتكن البداية بمنزل سيد درويش بالاسكندرية إن وجدوه لأن الكثيرين متخوفون ان مقلب القمامة الذي كان منزل درويش سابقا ربما يتحول الي ناطحة سحاب كما حدث مع منزل أم كلثوم وغيرها.