رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

"فبراير الأسود" يصل بنا إلي حد البكاء علي الوطن المسحول

بوابة الوفد الإلكترونية

قبل أيام قليلة من 30 يونيو رأيت اننى يجب أن أشاهد للمرة الثانية فيلم محمد أمين «فبراير الأسود» وبالطبع بحثت عنه كثيرا فكالمعتاد مع أفلامه ذات القيمة الفنية المميزة تمر فى السينما مرور العابرين.

فما بالك ونحن الآن نعيش مرحلة من الانحطاط السياسى والفنى على يد الإخوان.. وساعد على اكتمال الصورة حالة الهرج والمرج التى نراها منذ قدوم بطل الثقافة المغوار الوزير «علاء عبدالعزيز» الذى جاء مبشرا بالقضاء على ما تبقى لنا من هوية فنية واقتصادية ويبدو أن فيلم «فبراير الأسود» الذى كتبه وأخرجه محمد أمين والذى يعد أحد الأفلام الكوميدية الكبيرة المهمة فى تاريخ السينما المصرية، خاصة أنه لا يملك فقط مشرط جراح شاطر يشرح أمراضنا السياسية والاجتماعية وحالة الانهيار والاضمحلال قبل 25 يناير ولكنه يبدو أنه يستقرئ سواد المرحلة الحالية والقادمة فى ظل الحكم الإخوانى. ففكرة الفيلم تصل بك إلي حد البكاء علي الوطن المسحول أمام أعيننا. معبراً عما يجيش داخل كل واحد فينا من حب لمصر.. محمد أمين بهذا الفيلم يستكمل العزف علي جروحنا.
«فبراير الأسود» يستجمع كل مخزونه الاستراتيجي من عشق لمصر ورفض يصل إلي حد الكره لها بسبب ما فعله به مترفوها فحق عليهم العذاب. وساعد علي توصيل فكرته التي تشير بكل قوة إلي حالة العلم والعلماء المزرية في مصر. والتي قد تفسر لنا لماذا وصلنا إلي هذا الحد المتدني في كل شيء؟.. حتي في أعماله كسيناريست تبدو روح أمين الميالة لكشف عيوب المجتمع ومساوئه حتي إن كان بشكل غير مباشر كما «أفريكانو» و«جاءنا البيان التالي»، «فبراير الأسود» فيلم يستحق المشاهدة في زمن أكثر سواداً من خلال، المخرج مهما كان متشائما فالواقع أشد غرابة من الخيال السينمائى. ولأن محمد أمين صاحب رؤية ووجهة نظر وخاصة فى فكرة المواطنة والمساواة التى تضيع هباء أمام سطوة السلطة والثروة، فإنه يجعل من مثلنا الشعبى «اللى له ظهر ما يضربش على بطنه» الأيقونة التى بنى عليه السيناريو الخاص به  وينقلها بحرفية  من خلال  أسرة حسن (خالد صالح) عالم الاجتماع عاشق مصر والرافع علم مصر فوق سطح فيلته والمحتفى بفوز زويل بنوبل. ورغم أن أسرته بها اثنان من العلماء اتجها إلى إنتاج الطرشى تحت اسم «طرشى نيوتن» فى ظل أزمة الاهتمام بالعلم والعلماء فى مصر فإنه متفائل ويحاول نقل هذا التفاؤل وحب الوطن الى تلاميذه. يبدو أن عائلة حسن ثرية من الأصل من خلال استعراض أفراد عائلته والمكان الذى يسكن به.
حياته تنقلب وتتغير بعد رحلة فى الواحات مع أسرته، حيث تهب عاصفة فيدفن  الجميع، وعندما تجىء فرق الإنقاذ العسكرية، تختار إنقاذ أحد القضاة وأسرته، وأحد رجال الشرطة وتترك حسن وأخاه وعائلتهما فتنقذهما الذئاب كوسيلة حادة للسخرية. ومن هنا  تبدأ نقطة التحول، فيجمع خالد صالح كل أفراد عائلته  الكبيرة، ليقرر ان الحل هو الهجرة، أو العيش فى ظل الفئات المسنودة لأن العلماء لا مكان لهم والأمن يكون إما بالاقتراب من الثروة أو النفوذ كالشرطة والقضاء. وحتى يحدث هذا يجب التخلص من فكرة المواطنة فيقوم حسن  بتدريب أسرته  على نسيان شعورهم عند سماع إحدى أغانى عبد الحليم طالبا منهم إخراج الوطن من داخلهم ثم يطلب منهم

الرقص على أغنية أجنبية, ثم يستعينون بأحد معدى البرامج الفضائية الذين يفبركون من خلال مداخلات وهمية لإظهار الوحدة الوطنية المزيفة وإعلان ان الشعب هو الذى يفترى على الشرطة, ومن خلاله يحضر سفير إيطاليا ليشاهد تفاصيل حياة اسرة تعشق ايطاليا لعل وعسى يحظون بفرصة الهجرة إليها لأنها أكثر البلاد قربا من الطبيعة المصرية. فترتدى الأسرة الملابس الإيطالية وترقص ولكن الفكرة تفشل بسبب صورة موسللينى، فتلجأ الأسرة الى فسخ خطبة ابنتهم من العريس العالم لأنه غير مسنود،  والإيقاع بأحد القضاة الشباب (أحمد زاهر) لخطبة ابنتهم، ورغم نجاح الخطبة فإن القاضى يرفض تزوير الانتخابات، فيُطرد من عمله، ويجىء التفكير فى أنجاب طفل فى الطائرة فيحصل الطفل على جنسية البلد التى يمر فوقها، ولكن الطائرة تهبط فى تشاد اضطرارياً، فيرى الاب حلما يظهر فيه مبارك ونجله يكرما لاعبى كرة القدم فيقررا تحويل ابنهما المتفوق دراسيا  إلى لاعب كرة عن طريق مدرب اسمه نزهى (سليمان عيد)، وفى نفس الوقت  يظهر عريس جديد لميار الغيطى، ضابط أمن دولة وتحاول الاسرة منعه من الوقوف مع الحق حتى لا يفصل فيتسببون فى كسر قدمه وفصله من الشرطة.
ثم يعود القاضى والضابط الى وظائفهما فيختار الضابط لأنه سلطة ولكن قبل كتب الكتاب تبدأ أحداث يناير فيقرر إلغاء الفرح والانتظار لعل حال البلد ينصلح فترجع البنت لخطيبها العالم أو يظل كما هو فتعود للضابط أو القاضى. ولا أعرف إذا  كتب السيناريو الآن هل كان سيبحث عن عريس إخوانى فى ظل ضياع هيبة الشرطة والقضاء الى جانب العلماء بعد قدوم الإخوان. وفى النهاية نحن أمام أداء مميز لخالد صالح يظهر مدى اقتناعه وإلمامه بأبعاد الشخصية، والقضية التى يناقشها الفيلم, ونفس الشىء بالنسبة لمعظم الممثلين. ورغم المباشرة أحيانا فى طرح الفكرة إلا أنه أحد أعمال الكوميديا السوداء المميزة والفانتازيا التى بها قدر من المبالغة المنطقية والمقبولة فى الإطار العام للفيلم، الذى لا ينتمى للحقيقة فى كثير من أحداثه، وبالتالى لا يمكن الحكم عليه بمعطيات المنطق والواقع.وساعد على ذلك المونتاج السريع الذى لم يشعر المشاهد بالملل والانتقال بسلاسة من مشهد إلى آخر.