عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"الحرامى والعبيط" صراع بين الفريسة والصياد

بوابة الوفد الإلكترونية

كثيراً ما يتعرض الكتاب والمفكرون للشخصية المصرية من خلال كلاشيهات سابقة التجهيز من نوعية أن المواطن المصرى طيب ولكنه لا يترك حقه أو أنه خفيف الدم وجاد فى المواقف المصيرية أو كريم لكنه لا يقبل الاستغلال يعنى «حدق» ويفهمها وهى طايرة وغيرها من الصفات الحميدة التى قد تتضاد فى مرحلة من «الهرى» الطويل حول الشخصية المصرية..

التى لا يعرفها أحد حتى علماء الانثربولوجى. والغريب أن كل الصفات المميزة والهزيلة للشخصية المصرية لا تزيد علي مجرد «هرتلة» وكلام مرسل يحاول به رجال السياسة وبعض المثقفين أن يستقطبوا جمهور المصريين الذى لم يعد يصفق لهذه العروض المؤثرة التى يعطيها ظهره أو يضحك عليها بداية من خطابات الرئيس وحتى ملاعيب الحواة فى الموالد لأننا ببساطة لم نعد نحمل نفس القيم ولا تحركنا نفس المبادئ كما اننا لسنا مجتمعاً تحكمه نفس القوانين والأعراف وبنظرة بسيطة لقوانين مجتمع الجنوب أو المجتمع البدوى فى سيناء سندرك اننا أمام نمطين مختلفين واعراف مختلفة وإذا ما استخدمنا نفس القياس داخل العاصمة ستختلف طبيعة الشخصية المصرية من حى المهندسين لحى بولاق الدكرور بل داخ الشارع نفسه مع اختلاف الأيدولوجيا التى سادت ولم تعد مقتصره على النوعيات المتعارف عليها فمصر يا سادة أصبحت مسخا لا ينتمى لأى من الصور التى نختلقها من حكايات الجدات وأطياف الماضى البعيد.
وينطلق فيلم «الحرامى والعبيط» من هذا الواقع المشوه المعروف بمجتمع العشوائيات الذى يعكس صورة مختزنة لكل ما هو مقيت فى أذهاننا على الرغم من أن مصر كلها أصبحت منطقة عشوائية كبيرة نتيجة سيطرة الفوضى وقوانين الغاب على شوارعها من شمالها لجنوبها ولكن السيناريست احمد عبدالله صاحب الكثير من الافلام التجارية والذى تحول مع السبكى بثلاثية «كباريه، الفرح، ساعة ونص» الى عين صادقة تعكس بشاعة الواقع المصرى من منظور إنسانى لا يخلو من القهر كرابط اساسى فى ثلاثيته الشهيرة كذلك فيلمه الأخير. تبدأ احداث «الحرامى والعبيط» من حارة شعبية تعكس تفاصيلها صورة لمجتمع انهارت جنباته وبقى فيه الإنسان كجزء من ديكور الأرض الخراب التى يمتطيها حرامى يرى فى نفسه الشط الذى يؤوى السمك الصغير من شرور حيتان البحر الكبير الذى لا يقوى أمثالهم على خوض غماره فكما نصب نفسه حاكماً بأمره ووزير داخلية الحارة وضع سيناريو الشخصية فى موضع الراوى الذى يقدم شخصيات الفيلم بصورة كاريكاتيرية لينتهى من رصد بعض النماذج البشرية ويتوقف أمام شخصية «العبيط» التى سترافقه وسيرتبط قدراهما لا بسبب انتزاع أعضائه ولكن لأن كل لص يحتاج لضحية لتكتمل المعادلة ويمارس كل منهما دوره فى الحياة، فالعبيط فريسة والحرامى هو الصياد.
ورغم ان قضية تجارة الأعضاء البشرية تم تناولها بشكل أو بآخر فى السينما المصرية إلا ان السيناريو لا يقتطع من جسد العبيط بقدر ما يقتطع من روح الشخصية المصرية الكثير من مكوناتها الإنسانية ويمضى بنا فى رحلة داخل هذه الروح التى تحمل قيم الوفاء الذى انهار أمام الخيانة وليهجر الروح الصوفية بما تحمله من حب وتسامح

ليعيش وسط أكوام القمامة فمفتاح العمل ليس فى يد الصياد ولكنه فى قلب الفريسة أو العبيط الذى يقيده الحرامى بالأغلال ولكنه يجذب من قيده بأغلاله ليتحكم به ويمنعه من تحقيق رغباته وفى النهاية يقتله بسلاحه الذى طالما هدده به وكأنه أراد أن يقول فى النهاية «المجد للعبيط».
ويمكن ان نؤكد على أن اختيار المخرج محمد مصطفى لخالد صالح وخالد الصاوى كان موفقاً لانهما من النوع الذى يبرع فى تقمص الشخصية ويهتم بتفاصيلها فكلاهما تبارى فى تقديم أداء راق وممتع بغض النظر عن طريقة تقييم الممثل بمقارنته بنظيره لأنها لا تعتبر تقييماً بقدر ما تشير إلى تحيز لاسم دون أخر فلا مجال للمقارنة بين ممثلين يؤدى كلاً منهما شخصية الفرق بينها وبين الاخرى كالفرق بين الشجرة والبندقية، ولكن العمل لا يخلو من بطء فى الإيقاع خاصة فى الجزء الاول منه، واستخدام تقنية الراوى للتعريف بالشخصيات ساهم فى تحقيق هذا الشعور كما أن المشاهد التى لحقت مقدمة خالد الصاوى أكدت كل ما جاء فيها من التأسيس لملامح شخصيته وشخصية شريكه فى العمل.
ورغم استعانة محمد مصطفى بروبى التى تتلاءم ملامحها مع طبيعة الشخصية التى قدمتها إلا انها لم تجد استخدام هذه الملامح المصرية فى التعبير عن مكنون الشخصية فى كثير من المشاهد على العكس من المخضرم سيد رجب الذى تجرك عيناه الى المعنى الذى يريده ويضعك وجهه المنحوت بالتجاعيد أمام ما يريد أن يقوله كما تقف السيدة عايدة عبد العزيز كأيقونة داخل العمل بحضورها القوى وأدائها الذى يرسم البسمة على الوجوه رغم جديته.
ولا يمكن أن نغفل موسيقى عمرو اسماعيل التى تسربت داخل مفردات العمل بما يحمله من قتامة وشارك ديكور حمدى عبدالرحمن البسيط والمتقن فى صنع إطار واقعى لهذا المجتمع الذى نقتات على دمائه ويقتات من دمائنا، فالجميع ما عادانا بلطجية والجميع يستغل الجميع فابحث فى نفسك لتكتشف هل ستكون الفريسة أم الصياد وبالمنظور الذى يطرحه محمد مصطفى هل ستكون الحرامى أم العبيط.