رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الشوق صورة غير واقعية لمصر


طوال متابعتي للأفلام المصرية والعالمية أظن أنني شاهدت منها عدداً لا بأس به، لم أشاهد فيلماً واحداً يعتمد علي مثل هذه التيمة حالكة الظلام التي شاهدتها في فيلم »الشوق« الحاصل علي جائزة الهرم الذهبي من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الـ34، الذي انتهت فعالياته مساء الخميس الماضي.

هذا الفيلم يتناول المجتمع المصري ممثلاً في إحدي حواري حي اللبان بالإسكندرية بمفهوم غريب فهو يقدم الرجل المصري في صورة القواد والمستسلم لأعباء الحياة، الذي يترك ابنه يضيع منه من أجل كشك سجائر يتحول فيما بعد إلي خمارة في قلب الحارة المصرية، ويظهر الإنسان الصعيدي وهو يحاول أن ينال ليلة مع زوجة جاره في الحارة، كما يظهر الرجل المصري بأنه مهتم بالحصول علي المخدرات تاركاً أهل بيته، وفي النهاية يذهب ليمارس الحب مع فتاة تبيع الفول السوداني في الخمارات، أما الشابان أحمد عزمي ومحمد رمضان فكل منهما يهجر فتاته الأول لأنه شعر بإهانة أهله جراء رفض أهل الفتاة له باعتباره فقيراً، والثاني فضل أن يعيش أحلامه بمفهومه الخاص، وفي النهاية يبيع نفسه لفتاة من وسط آخر، أما نساء الحارة فهن سوسن بدر قارئة فنجان تدفعها الظروف لكي تعمل بالشحاذة، ثم تحاول الانتقام من أهل الحارة بإقراضهم أموالاً تعينهم علي أعباء الحياة من خلال مشاركتهم في مشاريع تجارية، وهي السيدة في الوقت نفسه »راكبها جن« وتستغل معرفتها بهذا العالم لكي تساوم سيدات الحارة السيدة الثانية وهي زوجة تعاني بسبب مرض زوجها، وعدم قدرته علي القيام بمتطلباتها كزوجة »جنسياً«، وبالتالي تضعف وتحاول الاقتراب من الرجل الصعيدي، والزوجة الثالثة وهي متزوجة من رجل يكبرها مما يجعلها تمارس الجنس مع فتي لا يتجاوز عمره 15 عاماً وهو ابن جارتها، والذي بدوره يشتكي من سماعه طوال الليل للعلاقة التي يمارسها زوج الأم مع والدته، في المقابل نجد روبي وشقيقتها كوكي تلجآن لممارسة الدعارة بعد أن هجر كلاً منهما حبيبها، وتصل الأحداث لذروتها بدعوة العشيق لمنزل الأهل أمام مسمع ومرأي من أهل الحارة والأكثر من ذلك أن كليهما في النهاية تتمني موت الأم حتي تعيشا حياتهما كما تريدان، هذا هو الفيلم المصري »الشوق«، الذي أظهرنا أمام كل المجتمعات بهذا التدني من السلوك، أظهرنا وكأن المجتمع المصري لا يوجد فيه أخلاق، الكل يجري خلف الشهوات والنزوات، كنت أتصور أن مؤلف العمل ومخرجه سوف يقدمان نموذجاً للخير في مقابل نماذج الشر كما يحدث في كل الأفلام التي نشاهدها، لأن الله سبحانه وتعالي كما خلق الشر خلق الخير، وكما خلق الفاسد والعربيد والديوس خلق أيضاً الملتزم الذي يعلم حدود الله، لكننا في هذا العمل أراد صانعوه إظهار المجتمع المصري بشكل غير سوي وكأن السادة صانعيه من عالم آخر، كاتبنا الكبير الراحل نجيب محفوظ أهم من كتب عن الحارة المصرية تناول فيها كل السلوكيات شرها وخيرها في سلسلة الأعمال التي مازلنا نستمتع بها، والذي لم يعش أجواء الحارة المصرية عاشها من خلال أعماله »زقاق المدق« و»قصر الشوق« و»بين القصرين«، لكن الحارة في السنيما المصرية خاصة من يدعون أنهم تلاميذ يوسف شاهين لها شكل مختلف، المصري دائماً نجده راجل »رافع الإريال« والزوجة خائنة والفتاة »لعوب« والألفاظ خادشة، وأعتقد أن هذه الصورة أضرت بالمجتمع المصري لأنها حولتنا إلي مجتمع مهلهل بلا قيم، وبالتأكيد فهذا الأمر لا يليق بنا كمصريين لأننا من الناحية الواقعية من المجتمعات المتماسكة، وإذا كانت هناك سلبيات فهي لا تعبر

عن عموم الناس، ومثل هذه الأعمال تقدم صورة سلبية عنا للمجتمعات الأخري التي تحاول النيل من صورة مصر وحضارتها وعاداتها وتقاليدها.

وأتصور أن أغلب المصريين الذين شاهدوا هذا العمل شعروا بحالة من القرف والاشمئزاز لأن الأحداث تمس أمي وأشقائي وجارتي وجاري.. القضية تمس أهل مصر. قبل عرض الفيلم انشغلنا بوجود مشاهد للشذوذ بين الشقيقتين، وأفرط الصحفيون الحديث عن هذا الأمر قبل العرض، وخرج مخرجه خالد الحجر يدافع ويؤكد أن الفيلم لا يهين مصر مدافعاً عن المشهد، لكننا اكتشفنا أن المشهد لو كان صحيحاً مع وجود عنصر واحد يقول لهم عيب أي يمثل الضمير الإنساني لصفقنا للمخرج والمؤلف، لكننا مع عرض الفيلم اكتشفنا ما هو أسوأ وشاهدنا فيلماً يؤرخ لبلدنا بصورة خاطئة، ولا أعلم ماذا سنقول للأجيال المقبلة عندما تشاهد هذا العمل بعد 20 سنة، هل سنقول لهم إن هذه هي صورة المجتمع المصري في 2010، وأن هذه هي مصر وأن الجار يبيع شرف الحارة ككل من أجل المال وأن الدعارة في شوارع وحارات مصر عيني عينك وأن كشك السجائر يقلب إلي خمارة لكي يدخل البهجة علي أهل الحارة والزوجة هي التي تقدم المشهيات للزبائن من أهل الحارة ولا أعلم كيف وافقت الرقابة علي التصريح لعمل يظهر مجتمعنا بهذا الشكل دون أن يكون هناك خط مواز يقول إن مصر بها خير أيضاً، وأتصور لو أن هذا الفيلم يتناول الحياة السياسية ما وافقت الرقابة علي التصريح له، بدليل أن هناك أفلاماً كثيرة حذفت منها مشاهد وأخري تعطلت لأنها تمس الحياة السياسية.

مؤلف العمل ومخرجه والجهة المنتجة ربما يشاهدون مصر من زوايا واحدة، وهو أمر لا يتفق مع لغة السينما التي تحتم علي العاملين بها استغلال كل الزوايا لكي يخرج العمل بشكل جيد، لأن مصر لا يمثلها الرجل المقهور والديوس، ومصر ليست الزوجة الخائنة والفتاة اللعوب وإذا كانت هذه اللغة التي نلعب بها لكي نحصل علي جائزة من المهرجانات فنحن لسنا بحاجة إليها إذا كانت سوف تعيدنا إلي الخلف، وعلي صناع هذا العمل مشاهدة الفيلم الأيرلندي »أبداً لم أكن هناك« الذي يتناول قضية حرب »البوسنة والهرسك« لعلهم يعون كيف تكون المعالجة السينمائية وهو الفيلم الذي حل ثانياً بعد »الشوق« في مهرجاننا السينمائي الكريم والبار بأبنائه.

أمجد مصطفي