رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كمون يحرر المرأة


يطرح المخرج التونسي معز كمون في فيلمه السينمائي الطويل الثاني‮ »‬آخر ديسمبر‮« ‬المشارك في مسابقة الأفلام العربية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي قضية تحرر المرأة التونسية ومساواتها مع الرجل في المجتمع التونسي،‮ ‬والتي ينظر إليها علي أنها من أكثر الدول العربية تحراً‮ ‬في مجال حقوق المرأة‮. ‬وانتقل كمون بعدسته إلي إحدي قري تونس النائية ليرصد تناقضات حياة امرأة ريفية تتقاذفها تيارات الحداثة وجمود التقاليد‮.‬

الفيلم الذي عرض لضيوف وجمهور مركز الإبداع الفني بساحة الأوبرا وأعقبه ندوة أدارها الناقد السينمائي أشرف البيومي‮ ‬ركز علي انعكاسات التحرر النسائي حتي علي المرأة الريفية ولم يكتف المخرج في فيلمه بإبراز الفهم الخاطئ لحرية المرأة بل حاول جاهداً‮ ‬أيضاً‮ ‬أن يفضح أنانية الرجل الشرقي الذي يرضي أن يعيش حياته بكل مجون مقابل أن يتزوج امرأة يكون هو أول رجل في حياتها‮. ‬الفيلم رغم طابعه الرومانسي الذي بدي في نهايته السعيدة بزواج البطل والبطلة قدم العديد من القضايا الاجتماعية العربية عامة والتونسية خاصة،‮ ‬كفكرة الهجرة التي أصبحت تسيطر علي عقول الإناث والذكور باعتبارها حلاً‮ ‬للهروب من البطالة والفقر والبحث عن حياة الحرية و»الجنة الموعودة‮«‬.

‮ ‬إضافة إلي الخيانة الزوجية والوصولية السياسية والتحرش الجنسي وهامشية المثقف في مجتمعه وبيئته وسوء البنية التحتية التي تحيط بعمل الطبيب في المناطق الريفية المعزولة،‮ ‬كل هذا الطرح الإشكالي لقضايا إنسانية ومصيرية عالقة تناولها معز كمون بكثير من الفانتازيا الجامعة بين الواقعي واللاواقعي عبر قضايا عامة تشمل كل الناس دون استثناء ودون موقع جغرافي ولا موضع اجتماعي‮. ‬

هذا علاوة علي ذاك الفضح الجريء لنرجسية رجال يسمحون لأنفسهم بممارسة كل الممنوعات،‮ ‬بينما لا يبدون أي تسامح مع أخطاء النساء‮! ‬في حين أتت زوايا التصوير‮ ‬غارقة في الرومانسية الإخراجية فالمشاهد مقربة ومكبّرة متي تعلق الأمر بتعبيرات وجوه أبطال العمل وبعيدة وشاملة للطبيعة والالتقاط الثنائي متي تعلق الأمر بحوار عاطفي لحبيبين‮. ‬الفيلم بدا ضعيفاً‮ ‬في بعض المشاهد من حيث الحبكة الدرامية،‮ ‬وبطء الأحداث الذي يعد في مواضع أخري عيباً‮ ‬إخراجياً‮ ‬صارخاً.

‮ ‬لكن عنوان الفيلم‮ »‬آخر ديسمبر‮« ‬يغفر هذا البرود السينمائي الذي جاء علي ما يبدو موازياً‮ ‬ببرودة الجو في شهر الأعاصير والثلج في ريف تونس هذا دون إغفال طرافة المواقف في مواضع أخري من الفيلم والتي لاقت قبولاً‮ ‬لدي جمهور القاهرة كموقف التذرع لله الذي قدمته الأم،‮ ‬وهوس مبدع القرية بـ»الشعر والثقافة‮« ‬اللذين زعزعا استقرار بيته،‮ ‬وفرقة الفنون الشعبية الغربية التي أراد منها عمدة القرية إبداعاً‮ ‬ومؤانسة للأهالي،‮ ‬فأتت عناصرها نشازاً‮ ‬في الأفكار والأجساد وأن تميز التصوير والموسيقي التي أبدع في وضع ألحانها الموسيقار التونسي ـ العالمي رياض الفهري.

‮ ‬كانا من أبرز العناصر الجمالية التي ميزت هذا العمل لاسيما وأن المخرج اختار مناطق ريفية لتصوير أغلب مشاهد الفيلم لما تتوفر فيه من لوحات طبيعية خلابة في مشاهد رائعة كانت أشبه ما تكون بلوحات رسم كلاسيكي لطبيعة حية،‮ ‬فقد نجح المخرج نجاحاً‮ ‬كبيراً‮ ‬في اختيار أماكن التصوير واختيار تلك القرية النائمة علي ربوة جبل قاس بصخوره الناتئة

مثل عقول أهله المتوحشة،‮ ‬ويحسب لكمون في تجربته السينمائية مع الأفلام الطويلة ابتعاده عن الطابع الفولكلوري وتعامله بمنتهي الواقعية والجدية مع الواقع التونسي المعاصر بلغة سينمائية جديدة لذلك جاء فيلمه سلساً‮ ‬دون تعقيد يروي قصة إنسانية ومعيشاً‮ ‬تونسياً‮ ‬ممكناً‮ ‬في معظمه لولا بعض الهفوات التي بدت واضحة في الفيلم وأهمها اللهجة التي كانت تتحدث بها البطلة خاصة التي لم تغادر القرية وتحلم بالخروج منها من ناحية ومن ناحية أخري كانت ترطن بلهجة أهل المدينة في أكثر من مشهد وخاصة مشهد تألمها إثر اكتشافها لحملها والسقطة الثانية للفيلم هي المغالاة في التخييل الذي بدا ساذجاً‮ ‬ومسقطاً‮ ‬أحياناً.

‬خاصة فيما تعلق بقصة إنشاء فرقة للرقص العصري بمجموعة من المومسات وقد بدت مشاهدها بلا معني وغير مستساغة في تطور الحكاية،‮ ‬حكاية سكان القرية المتمسكين بقمم الجبال ومساكنهم القديمة،‮ ‬والذي أهملهم الفيلم بعد ذلك إلي النهاية ولم يحسم في أمرهم أصلاً‮ ‬ولا أوضح حتي أنهم ظلوا متمسكين برأيهم بل إنه أظهرهم في مظهر الانتهازيين عندما ختم مشاهدهم بأن اتفقوا أن تدفع لهم الدولة كي يغادروا البيوت العالية وهنا يسقط المخرج عن الرفض الجماهيري رمزيته لأنه أصبح رفضاً‮ ‬من أن المساومة لا من أجل المبدأ‮.‬

كما كانت النهاية فجأة فالانتقال من ذروة الحدث الدرامي وهو سقوط البطلة من الجبل وظهورها بعد ذلك عند الشاطئ مع الطبيب في مشهد رومانسي ختامي بدا مشهداً‮ ‬مبتوراً‮ ‬رغم أن التقطيع والمونتاج كان متميزاً‮ ‬من أول الفيلم إلي هذه النهاية المبتورة،‮ ‬وإن كان البطل قد أنقذ البطلة في آخر الفيلم كأنما هو بذلك ينقذ السنة الميلادية كلها وهي قراءة ممكنة لعنوان الفيلم‮ »‬آخر ديسمبر‮«‬،‮ ‬كما عاب الفيلم الانحياز إلي رجل المدينة المنقذ الذي يساعد الفتاة الريفية علي التخلص من حملها ثم لا يتردد في أن يتزوجها في النهاية وكأنه بذلك يصلح أن يعالج ما ارتكبه الشاب القروي الجاهل مع إنه لم يمهد لذلك الارتباط بعلاقة حب فقد كانت الفتاة تفكر فقط في الخروج من القرية‮.‬