فيديو. عمر الشريف:الجوع أسقط "مبارك"
تمضي الأيام وكأنها في سباق.. ورغم قسوتها وقدرتها علي تغيير معالم الأشياء.. فشلت في التعامل مع الفنان الكبير عمر الشريف.. نعم فشلت في هزيمته أو تشويه جماله الداخلي.
تجرأت التجاعيد علي الوجه وأصبحت الحركة تحت رقابة الأطباء. لكن الرجل مازال يعشق الحياة إلي حد الهيام.. ومازال في صدره أحلام تتنفس وطموح يمتد إلي أطراف الدنيا الواسعة.
عمر الشريف.. إنسان بالألوان الطبيعية.. ضحكته دافئة.. كلامه عفوي شديد البراءة أحياناً ولاذع في أحيان كثيرة. بلغ من العمر 82 عاماً ويحن إلي ذكريات الصبا. ويتذكر الماضي وكأنه حاضر ونائم بجانبه في الفراش.. أحب الرجل امرأة واحدة وعاش مخلصاً من أجلها.. ورأي في مصر أماً تفيض بالحنان ولا تبخل أبداً.
حول الماضي والحاضر.. والأصدقاء الذين ارتبط بهم ورأيه في السادات وعبدالناصر ومستقبل مصر السياسي.. أجرينا مع الفنان عمر الشريف هذا الحوار:
مضي من العمر سنوات كثيرة ومازال عمر الشريف ينظر للحياة وكأنه شاب لديه أمل ورجاء.. ما سر ذلك؟
- منذ صغر سني وحداثة عهدي بالحياة تعلمت أن الحزن يقتل الإنسان ويعجل بنهايته.. لذا أتحرك بحرية ولا أفكر في أي شيء يزعج البال أو يدفعني للاكتئاب.. الدنيا جميلة ورائعة وكل شيء فيها يغري بالامتلاك.. والإنسان هو الذي يصنع جمال الأيام.. أو تعاستها.
بالتأكيد للنشأة أثر كبير في هذا الإحساس المليء بالتفاؤل؟
- أنا نشأت في أسرة صغيرة مكونة من الأب ويعمل تاجر أخشاب.. والأم كانت حالة مختلفة تماماً عن والدي.. كانت تحب القمار جداً ولا تشغل بالها إلا باللعب والمكسب، هذا علي عكس والدي الذي كان يميل تكوينه إلي الطيبة الشديدة.. ولي شقيقة وحيدة اسمها »ماجدة« وتعيش في إسبانيا منذ سنوات طويلة.
ألا تري معي أن هناك اختلافاً وتناقضاً داخل أسرتك، فالأب محترم.. والأم تهوي القمار.. من الطبيعي أن يتأثر تكوينك بهذا الخلاف؟
- معك حق.. كان هناك تناقض واختلاف.. لكن الحياة كانت سهلة، لا تندهش إذا قلت لك إن أمي هي التي علمتني لعب القمار وعمري 13 سنة.. وكانت تملك شقة وتدعو الناس إلي لعب القمار في بيتنا.. وكان الملك فاروق يلعب معها بشكل شبه يومي.. والحقيقة أنني كنت أحب أمي لأنها وفرت لي كل ما أحب أقصد »دلعتني« لكن كنت أحترم والدي وأحبه ويكفي القول إنني كنت لا أدخن السجائر أمامه حتي بعد بلوغي سن العشرين.
عفواً.. وكيف لأب بهذا الوقار والاحترام يسمح بلعب القمار في بيته؟
- كان الأمر بسيطاً بالنسبة لأسرتنا. وكان أبي يحب الحرية لنفسه ولغيره.. لذا رفض اعتراض رغبة أمي في لعب القمار.. واكتفي بمتابعة شغله وإدارة رأس ماله.. والحق أنه نجح في توفير المال وتوفير حياة كريمة لنا.. ويجب أن تعلم أنني ركبت سيارة وأنا صغير وتمتعت بكل مظاهر الثراء والغني.
وهل تتذكر موقفاً أثر في حياتك حدث بينك وبين أمك؟
- عندما كنت طفلاً وعمري 9 سنوات زاد وزني بشكل كبير جداً.. وغضبت أمي من منظري وصرخت قائلة »مش عايزة الواد ده.. بقي شكله وحش« وكان كلامها صادق جداً لأنها كانت جميلة وتريد أن يكون لها ولد جميل مثلها وتتفاخر به بين صديقاتها.
وبعد تفكير طويل.. رأت أنها تتخلص مني بوضعي في مدرسة داخلي في الإسكندرية.. وبالفعل قدمت أوراقي في مدرسة »فيكتوريا كوليدج« ومن حسن الحظ أن الأكل في المدرسة كان سيئاً جداً.. وكانت النتيجة أن وزني انخفض جداً وأصبحت وسيماً لأني امتنعت عن تناول الطعام.. وفرحت أمي جداً بالتغيير الذي طال شكلي.. ومن مزايا هذه المدرسة أيضاً أنني تعلمت اللغة الإنجليزية وتعلمت التمثيل.. باختصار هذه المدرسة غيرت شكل وطعم حياتي.
من وجهة نظر عمر الشريف الفنان والإنسان ما الرابط بين الماضي والحاضر؟
- الرابط الوحيد بين الماضي والحاضر هو الناس.. مصر شعبها طيب جداً، فقد سافرت كل دول العالم ولم أجد شعباً مثل الشعب المصري »الناس غلابة« وأحلامهم بسيطة.. ذات مرة استوقفت رجلاً بسيطاً وملابسه متواضعة جداً وتكلمت معه.. وأثناء حديثي معه مرت سيارة فارهة فقلت له »إيه رأيك في الناس دي« فرد الرجل بصدق قائلاً: ربنا يبارك للجميع.
كلامه لم يكن محملاً بحقد أو غيرة.. أعلم أن في مجتمعنا بلطجية وخارجين علي القانون لكن عددهم قليل جداً.. أقصد من كلامي أن مجتمعنا يفيض بالخير.
كيف شاهد وتابع عمر الشريف أحداث ثورة 25 يناير؟
- أنا مقيم في فندق كبير يطل علي ميدان التحرير.. أخذت أتابع تدفق الناس إلي الميدان وبحكم السن لم أستطع النزول.. لكن أنا دائماً مع الشعب لأني جزء منه ويجب أن تعرف وتدرك جيداً أن »عمر الشريف« ملوش في السياسة، ولا أحب الاقتراب منها.. تقدر تقول عليَّ لم أكن علي يمين النظام، كنت بصراحة شديدة علي الهامش من النظام وفوجئت بفساد مبارك والهانم.
كمواطن مصري.. هل كنت تشعر بحجم الفجوة بين النظام الحاكم والشعب؟
- بصراحة شديدة.. لم أفكر في هذا الأمر »ماكنتش شايف« كانت هناك علاقة بسيطة بيني وبين سوزان مبارك وكانت تقوم بدعوتي لحضور بعض المناسبات في مصر وأوروبا.. لكني صدمت بحجم الفساد الذي تورط فيه الرئيس السابق مبارك وأولاده.. وقلت لنفسي: »الأب فاسد والأولاد فاسدين« معني كده أن سوزان مبارك زيهم.. رغم أن طريقة كلامها وملامحها كانت تظهر أنها سيدة طيبة وبعيدة عن ألغاز السياسة والسلطة واستغلال النفوذ.
كان النظام السابق يعد جمال مبارك ليكون رئيساً لمصر.. هل كنت تراه يصلح لهذا المنصب؟
- كما قلت لم أكن مغرماً بالنظام وفضلت البقاء علي الهامش.. ولكني كنت أري »جمال« لا يختلف كثيراً عن والده.. ومرت الأيام واكتشف الشعب المصري كله أن مبارك وعائلته خدعونا جميعاً.. أنا مصدوم مما حدث، وبصراحة »عيب جداً أن »مبارك« يعيش في عز وهناء طوال ٠٣ سنة والشعب المصري بيموت من الجوع و»مش لاقي ياكل«.
ما رأي الفنان عمر الشريف في جمال عبدالناصر والسادات ومبارك؟
- أنا أكره جمال عبدالناصر إلي حد كبير جداً.. ويكفي أنه إذا غضب من أي إنسان كان يقتله أو يسجنه وقد خدعنا جمال عبدالناصر بالرجل الطيب محمد نجيب الذي صنع منه »خيال ظل« وعندما استقرت الأمور تخلص منه تماماً.. وأحب الرئيس الراحل محمد أنور السادات كنت أراه ذكياً جداً وأراه فلاحاً فصيحاً.. تعلم السادات الإنجليزية وصنع نفسه بنفسه وعلي يده حدث نصر أكتوبر عام ٣٧٩١.. ولكن الرأي في مبارك لا يفيد لأن الشعب كله قال رأيه في مبارك الذي خدعنا طوال ٠٣ عاماً دفعت مصر خلالها فواتير عالية القيمة من الخسائر والتراجع للخلف.
قلت إنك تكره الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.. فهل تعرضت لضغوط من رجاله خاصة أن هناك آراء تؤكد اضطهاد الفنانين واستخدامهم في هذه الفترة؟
- سمعت عن اضطهاد للفنانات في عهد جمال عبدالناصر لكني لا أعرف أي دليل علي ذلك.. لكن هناك موقف حدث بيني وبين المشير عبدالحكيم عامر لن أنساه أبداً.. والحكاية باختصار أن برلنتي عبدالحميد كانت ممثلة متواضعة جداً واسمها محدود.. وطلبني مخرج فيلم »فضيحة في الزمالك« لمشاركتها البطولة.. وبصراحة اسم الفيلم وتواضع موهبة برلنتي عبدالحميد أمور دفعتني لرفض المشاركة في الفيلم.. لكن بعد أيام فوجئت باستدعاء من رئاسة الجمهورية وطلب مني المشير عبدالحكيم عامر القيام بطولة الفيلم لأنه في ذلك الوقت كان متزوجاً منها.. وبصراحة طلعت جبان ووافقت علي التمثيل في الفيلم خوفاً من عبدالحكيم عامر الذي أجبرني علي العمل مع زوجته.
في رأيك ما الدافع الحقيقي لثورة 25 يناير؟
- الجوع.. هو الدافع والمحرك للثورة.. نظام مبارك حرم الناس من لقمة العيش وفرصة العمل.. وعلي فكرة أنا ضد الكلام الذي يتردد حول أن الثورة خرجت بحثاً عن الحرية.. لأن الإنسان لو امتلك الطعام الجيد والشقة ولديه فرصة لتعليم أولاده بشكل محترم.. مستحيل يخرج ويتظاهر ويطالب بإسقاط النظام..
يقال إن الفن يستطيع التأثير والتغيير في الواقع السياسي؟
- كلام جميل لكن »مفيش فن في مصر علشان يغير« الفن في بلدنا ضعيف جداً ولا يوجد الفنان المبدع الذي يعمل من أجل الفن.. سامحني، الفنانين في مصر بيشتغلوا بمنطق لقمة العيش.
أفهم من كلامك أنه لا يوجد فنان حقيقي في مصر؟
- بالتأكيد فيه لكن العدد قليل جداً.. ولكن أفضل وأعظم فنان في تاريخ السينما المصرية هو أحمد زكي.. ممثل عبقري وله رؤية وحضور.. ولا أبالغ إذا قلت إن أحمد زكي أفضل مني ألف مرة.. وفي النساء تأتي فاتن حمامة لتحتل القمة.. فهي ممثلة موهوبة ومثقفة وشيك وأعمالها ناضجة إلي حد كبير.
ربما يتم تفسير دفاعك عن فاتن حمامة وحماسك لها علي أنه حنين إلي »القديم«؟
- أنا لا ألتفت إلي أي كلام.. ولم أكذب طيلة حياتي وليس هناك ما يدفعني للكذب.. فاتن حمامة فنانة كبيرة وعظيمة ولها مكانة كبيرة في قلوب المصريين.
ما حقيقة انفصالك عن فاتن حمامة؟
- أنا تعلمت من فاتن حمامة التمثيل.. فهي فنانة كبيرة ونشأت بيني وبينها قصة حب كبيرة أثناء تصوير فيلم »صراع في الوادي« تزوجنا وبعد عشر سنوات تم ترشيحي لجائزة الأوسكار عن فيلم »لورانس العرب«، وفتحت لي الدنيا أحضانها ووقعت عقد احتكار مع شركة »كولومبيا بيكتشر«.. قلت لفاتن حمامة تعالي هوليوود نعيش سواء لكنها رفضت أن تضحي بحلمها.. وعلي فكرة الطلاق لم يحدث بسرعة لأننا اتفقنا علي الحياة وكأننا زوجان لمدة 20 سنة كانت علي ذمتي لكني لا أراها.. وعندما أرادت الزواج من شخص آخر طلبت الطلاق.. وعلي الفور أرسلت لها ورقتها.. وعلي فكرة أنا لم أحب أو أتزوج بعد فاتن حمامة.. فهي حبي الأول والأخير.. وتعتبر المرأة الوحيدة في حياتي.
ما وجه الخلاف بين ثورة 52 وثورة يناير 2011؟
- الشعب.. هو وجه الخلاف الحقيقي بين الثورتين.. ففي ثورة يوليو 52 تحرك الجيش وأسقط الملك، أما في ثورة 25 يناير الشعب هو كلمة السر وهو الذي أطاح برجال الفساد.. والحق أن لي ذكريات مع الملك فاروق كنت أعرفه كويس جداً لأنه كان بيلعب قمار مع أمي.. وكنت أجد سيارته »لنيكولن خضراء اللون« تحت البيت فأعرف أنه هيلعب كوتشينة النهاردة.. وبالمناسبة أمي لم تكن من عائلة كبيرة ولم تكن قريبة من السلطة، كانت »بتاعة قمار بس« وعندما قامت الثورة شاهدت الملك فاروق وهو يترك مصر متوجهاً إلي إيطاليا. وأدركت وقتها أن الحاكم ربما يبدأ كويس لكن السلطة سرعان ما تحوله إلي فاسد.. يسهل عليه الاستيلاء علي أموال الناس مقابل راحته ورفاهيته فقط.
حدثنا عن مساحة الصداقة في حياتك وعلاقتك بالفنان أحمد رمزي؟
- أحمد رمزي صديق عمري وأحبه جداً.. عشقنا الحياة والتمثيل معاً وجمعت بيننا مواقف كثيرة.. لكني غاضب منه لأنه يعيش في الساحل الشمالي ويرفض الحركة.. أتمني منه أن ينطلق فالحياة جميلة مهما تقدم بنا العمر.
قال لي أحمد رمزي إن العلاقة بينك وبين رشدي أباظة كانت سيئة جداً وأنه حاول إصلاح الأمر بينكما لكنه فشل؟
- الكلام غير صحيح.. والحكاية أن رشدي أباظة كان مرشحاً لبطولة فيلم مع ممثلة متواضعة جداً والجمهور لا يعرفها وأثناء لعب البلياردو انتقدت رشدي أباظة لأنه وافق علي العمل معها لكن بعض الناس نقلوا الكلام بشكل سيئ له.. فوجدته ثائراً جداً وتهجم علي وكان شكله عاوز يقتلني لأن الناس وصلوا له الكلام بشكل غلط ومبالغ فيه تماماً.. لكن العلاقة بيني وبين رشدي كانت جيدة.. لكن العلاقة مع أحمد رمزي كانت لها أبعاد وعمق مختلف لأنه صديق العمر كله.
تردد أن عمر الشريف غضب وأعلن الندم علي المشاركة في فيلم »المسافر«؟
- »المسافر« فيلم زبالة.. والسبب أن أحمد ماهر المخرج سيئ جداً وكان لا يفهم أي شيء.. الفيلم عبارة عن ثلاثة أجزاء وقد أديت دوري بشكل جيد وهو بالمناسبة آخر جزء في الفيلم.. وعلي فكرة اختيار الفيلم للعرض في فينيسيا حدث بسبب علاقتي الطيبة برئيس المهرجان.. الغريب أنه أثناء العرض فوجئت بعدد كبير من المشاركين في الفيلم لدرجة أنني اكتشفت وجود كومبارس الفيلم في فينسيا.. المهم عندما بدأ الفيلم أدركت أنه فضيحة صنعتها وزارة الثقافة. الفيلم متواضع في كل شيء.. بصراحة كنت »عايز أضرب المخرج« وطلبت منع عرض فيلم »المسافر« لأنه إساءة لتاريخي.
ما رأيك في الفنان خالد النبوي الذي شاركك الفيلم؟
- خالد النبوي أسوأ ممثل في العالم.. فقد خنقني عندما وجدته يحضر كل ساعات تصويري وسألته »ليه كده« فقال إنه يريد تقليد مشيتي.. اندهشت من إجابته، أنا راجل عجوز وهو يؤدي دوري لكنه في مرحلة الشباب.. إزاي تكون طريقة حركته مثل حركتي.. باختصار هو ممثل ضعيف جداً جداً.. والمخرج أحمد ماهر أتعبني أثناء التصوير.
سؤالي الأخير: ماذا يتمني الفنان عمر الشريف خلال الأيام القادمة وأيهما أكثر اتساعاً بداخله مساحة التفاؤل أم التشاؤم؟
- أتمني الخير لمصر وأتمني أن تسترد مكانتها وريادتها بين دول العالم.. وأتمني أن تحكمنا حكومة مدنية ويختفي الحكم العسكري.. وعموماً أنا متفائل بالمستقبل.
شاهد الفيديو