رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رقابة "الفانوس السحرى" تنتهك "تانية إعدادى"

مشهد من فيلم حسن
مشهد من فيلم "حسن ومرقص"

إنها الثورة .. تلك النار المقدسة التى طهرت مصر لثمانية عشر يوماً قبل أن تدنسها أطماع الفاسدين وتعيد هذا الوطن إلى نقطة الصفر مع كم المؤامرات التى تعرض لها الشعب والتى اضطرته لأن يضع مقدراته بين يدى رئيس وبرلمان لا يلبيان أبسط طموحاته ،

ورغم متاجرة الجماعة المحظورة ورجالها بشعارات الثورة إلا أن حالة الجمود التى تحيط بكافة أشكال الحياة والطرق التى يسلكها الرئيس المنتخب وحكومته الرشيدة تؤكد أن هناك محاولات مستميتة لإعادة إنتاج النظام السابق الذى لم يسقط فعلياً ولن نستطيع القضاء عليه مع خيانة النظام الحالى لشهداء الثورة وتكريم قاتليهم بجعلهم مستشارين ومنحهم قلادة النيل ليؤكدوا أن مبارك لم يرحل لكننا استبدلنا وجوهاً فاسدة بوجوه لم يكشف أغلبها عن فساده بعد.
وفى ظل نظام تعبث به كثير من الأيادى المتطرفة تواجه الفنون أزمة أكثر عمقاً من تلك التى كانت تواجهها قبل سقوط نظام مبارك الذى كان يضع قيوداً على كل ما يتماس مع سياسته الفاسدة أو يقترب من أسواره العالية ولكن مع صعود التيارات المتشددة لسدة الحكم اصبح اغتيال الفن المصرى أحد اولويات النظام الذى اتضحت نواياه بوقف دعم مهرجانات السينما وافلام مسابقة الدعم التى تنظمها وزارة الثقافة ووقف الانتاج المسرحى منذ انتخابات الرئاسة مما دفع فنانى قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية لتنظيم وقفة احتجاجية مؤخراً.
وتعتبر الرقابة أحد أسلحة الانظمة المستبدة لمحاصرة الإبداع والتى بدأت مع الاحتلال الإنجليزى لمصر ثم قننها النظام الناصرى بإصدار قانون 430 فى 31 أغسطس 1955 تحت مسمى قانون تنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمنولوجات والأسطوانات، ورغم أن مفهوم الرقابة على المصنفات الفنية تغير فى أغلب دول العالم إلا أن الرقابة فى مصر بقيت على حالها حتى أن قانونها الصادر قبل نصف قرن ما زال يحكم العملية الفنية مع إجراء تعديلات طفيفة عليه لم تسهم فى تحرير الفن المصرى من قيود جلاديه بل زادت فى محاصرته بالمواد الهلامية المطاطة التى يمكن تفسيرها للمنع لا للإتاحة ناهيك عن المحظورات القديمة التى استنها نظام مبارك من عدم الاقتراب من شخصية الرئيس أو حرب أكتوبر والتى ما زالت باقية رغم تغير الوجوه حتى اننا يمكن ان نقول بأن كثيرا من الرقباء يتعاملون مع السينما كمؤلفين يضيفون ويحذفون من النص الاصلى ثم يتحول الرقيب إلى مونتير بعد تصوير الفيلم فيحذف المشهد الذى لا يروقه رغم موافقة الرقابة على السيناريو واجازته ولكن النزعة الفنية لدى الرقيب المصرى تغلب عليه واذا استنكر احد ممارسات الرقابة تواجهنا اجابة سابقة التجهيز بأن القائمين على هذا الجهاز موظفون يطبقون القانون لا أكثر.
وهذا أمر يدعو الي السخرية لأن من يقرأ قانون الرقابة سيجد فيه الكثير من الثغرات التى تجيز تصوير افلام مثل «حسن ومرقص» و«بحب السيما» ولكن نفس القانون يمكن تفسيره لمنع فيلم «تانية إعدادى» الذى تقدم للرقابة فى المرة الأولى باسم «لا مؤاخذة» ورفض بحجة انه قد يؤدى لفتنة طائفية نظراً لتعرضه لعلاقة المسيحيين بالمسلمين داخل المدارس الحكومية وهو تأويل «يموت من الضحك» ولكن لأن مخرج ومؤلف الفيلم عمرو سلامة أحد السينمائيين الشباب الذين يقدمون رؤية حداثية للمجتمع المصرى وتاريخه لا يزيد علي فيلم روائى طويل بالاضافة لبعض التجارب القصيرة وهو ما دفع الجهاز العريق لممارسة أمراض السلطة تجاهه رغم حصوله على جائزة دعم وزارة الثقافة لفيلمه والجائزة بمثابة احتفاء بهذ العمل الذى رفضه واحد من أجهزة وزارة الثقافة وهو تحدٍ لقرار الوزارة بدعم الفيلم رغم أن الجهاز

نفسه سمح لنجم بحجم عادل امام بتمرير فيلم مثل «حسن ومرقص» بما يحمله من كراهية وتأكيد على اضطهاد الاقباط فى مصر وهى حقيقة لا يمكن نكرانها كذلك فيلم مثل «بحب السيما» لأسامة فوزى الذى هاجمه كثير من الأقباط ورأى بعضهم انه يسيء للمسيحيين ولكن الرقابة أجازته ولم تلتفت لمن تدعى الدفاع عنهم من تطرف عمرو سلامة الذى أطمئنه بأننى أعرف بطل فيلمه الحقيقى لأنه جلس جوارى فى مدرستى الابتدائية وانكر انه مسيحى خوفاً من كونه مختلفاً لا من بطش اساتذته ولا انسى ان «مجدى» هذا الطفل الطيب تعرض للضرب من قبل زملائه لينطق بالشهادتين وهو ما فعله لتعلو تكبيرات الاطفال وينجو مجدى من براثنهم ويتطهر بالبكاء لتبدأ صداقتى به من وقتها قبل أن يلاقى ربه فى المرحلة الاعدادية فخوف الشخصية التى صاغها عمرو سلامة مبرر واستماتته فى الدفاع عن فيلمه ليس انتصاراً لدين على آخر بل انتصار للانسانية التى انتهكناها باسم إله لا يرضى عما نفعله فى بعضنا البعض.
وجل ما أرجوه هو أن تدرك وزارة الثقافة بأجهزتها المختلفة التى تعتبر الرقابة على المصنفات الفنية أحدها أن السينما المصرية لن تستكين ولن يقبل جيل عمرو سلامة ومحمد حفظى بالصفقات الرخيصة أو بتقديم سينما موجهة لأنه جيل بلا حسابات أو توازنات ويكفى السينما المصرية أن هؤلاء هم من يحركون الدم فى شرايينها بعد أن توقفت الكيانات الكبيرة عن الإنتاج لتوقف عمليات غسيل الأموال أو لضعف التوزيع للخليج الذى التفت لهوليوود وبوليوود ولم يعد يلتفت للسينما التجارية التى سأمها الجمهور المصرى قبل العربى وعلى الدكتور سيد خطاب أن يفكر بذاته المبدعة لا بصفته الوظيفية ويتخذ القرار الصائب تجاه فيلم عمرو سلامة خاصة أن تصريحاته الاخيرة تؤكد رغبته فى الغاء هذا الجهاز العتيق وتحويله لجهاز لتصنيف الأفلام عمرياً وهى خطوة قد تكتب فى تاريخ السينما مقترنة باسمه إذا ما قام بها لأن مصطلح الرقابة لم يعد مرتبطاً بالإبداع إلا فى الدول المتخلفة ورغم الأزمات التى تمر بها مصر لا يمكن اعتبارها إحدى هذه الدول ولكن ما قد يعيدنا الى الوراء هو تسخير أجهزة الدولة لمحاربة الإبداع وهو ما تمارسه وزارة الثقافة ولا أرجو أن يكون جهاز الرقابة على المصنفات الفنية أحد أطراف هذا المخطط الذى يسعى لوأد الإبداع وأخونة الفن المصرى «لا مؤاخذة».


[email protected]