رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الـ 7 خطايا للمبدعين..عقابها التهديد بالقتل

مشهد من مسلسل ذات
مشهد من مسلسل "ذات"

فى زمن يختلط فيه الحق بالباطل ويتعامل مع الإبداع على كونه رجسا من عمل الشيطان, تزداد نسبة المعارضة للفن والمبدعين ويقفون لهم بالمرصاد, ويلبسون أى فكرة رداء الكفر, وتصبح كلمة الإبداع مرادفها الخطايا التى لصقت بمعظم الفنانين فى الآونة الاخيرة.

فى الشهور الماضية قامت الدنيا ولم تقعد بسبب مسلسل «عمر», ولم يناقش الموضوع بشكل عقلانى من منطلق عدم تأليه البشر وأن الوحيد المعصوم ولا يمكن تجسيد شخصيته هو الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يكتفوا بالانتقادات اللاذعة منذ الإعلان عن تصويره نظرا لاختلافه مع الآراء الرافضة لتصوير الصحابة وبالطبع خرج الاعتراض من إطار العقلانية الى حد التطرف المتمثل فى تلقّى بطل مسلسل عمر ‮ «سامر اسماعيل» ‬تهديدات بالقتل من طرف مجهولين،‮ ‬بعد تجسيده شخصية سيدنا عمر بن الخطاب،‮ ‬ونفس التهديد كان للمخرج السوري‮ «‬حاتم علي»،‮ رغم أن المسلسل له قيمة كبيرة لأنه‮ ‬يقدّم عظمة سيدنا عمر بن الخطاب،‮ ‬في‮ ‬إدارة شئون الناس،‮ ‬و‬يرسّخ قيما عظيمة مثل العدل والحق والبعد عن العصبيات.‬ ‮
والطريف أن هذا التطرف تعدى كل الحدود وأصبح قرينا لآى تصوير فلقد تعرض فريق عمل «سيدنا السيد» لمشاكل متعددة وقامت عناصر سلفية بمنع التصوير في إحدي المقابر بحجة حرمانية التصوير في تلك الأماكن مما جعل المخرج يبحث عن أماكن بديلة من أجل استكمال التصوير. رغم أن المشاهد المصورة فى هذا المكان والتى عرضت أظهرت أهمية تصوير مشهد محاولة دفن البطلة حية.
ونفس الموقف حدث مع الفنان نور الشريف فى مسلسل «عرفة البحر» ومنع من التصوير في إحدى المقابر بمنطقة «شبرامنت» وتعرضت أسرة المسلسل للسب وإيقاف التصوير وبحثت عن مكان آخر لتصوير مشهد قتل «حرشى» لابنته فى المقابر والذى كان يعنى بداية الدمار لقرية حيث اعتمدت الفكرة على فلسفة عهد الدم والذى يعنى ان اعتداء أى طرف على أحد أفراد الأسرة يعنى بداية النهاية.
أما مسلسل «ذات» فكان الناقوس الذى دق أجراس الخطر منبها لقدوم التطرف, فبعد استخراج التصاريح اللازمة وموافقة الجهات المختصة وبدلاً من الاحتفال بأول يوم تصوير فوجئ صناع مسلسل «ذات» ببعض الطلاب المتشددين في كلية الهندسة بجامعة عين شمس معترضين على التصوير داخل الحرم الجامعي، اعتراضا على ما رأوه ابتذالا في ملابس بعض الممثلات بالمسلسل، رغم أن المسلسل الذى عكفت مريم نعومة علي كتابة قصة للروائي صنع الله إبراهيم وتتناول تاريخ مصر المعاصر بداية من عام 1952 وهو نفس عام ميلاد بطلة الرواية «ذات» وتنتهي احداث الرواية في 2011 مع انتخابات الرئاسة المصرية. ومن المنطقى ارتداء الممثلات ملابس مشابهة لفترة السبعينات, ولكن الواقعية فى أسلوب العرض لم تكن عذرا امام شباب الجامعة.
واستكمالا للاستهتار فى التعامل مع الفن, لم تكتف الرقابة بمنع عرض فيلم «الخروج من القاهرة» تجارياً داخل مصر بل تعدي الأمر لمنعه ضمن المسابقة الرسمية لـ«مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته الأولى، بحجة أنه يسيء للأقباط، والفيلم شارك في العديد من مهرجانات العالم وحصل على العديد من الجوائز من مهرجانات مختلفه منها مهرجان السينما العربية الأوروبية في أسبانيا وحصل الفيلم على أفضل مخرج وأفضل ممثلة وأفضل فيلم في المهرجان.
وفيلم «الخروج من القاهرة» بطولة محمد رمضان، مريهان، سوسن بدر، محمد الصاوي وصفاء جلال، من تأليف وإخراج هشام العيسوي وإنتاج شريف مندور.
ونفس المصير كان من نصيب فيلم «فرش وغطا» فقد قرارت الأوقاف منع تصويره في مسجد السيدة نفيسة. ورفض مدير مكتب وزير الأوقاف، محمد عبد الفضيل  القوصي، إنهاء أوراق تصوير الفيلم للمخرج أحمد عبد الله، لمطالبته بتصوير مشاهد داخل مسجد «السيدة نفيسة»، مؤكدًا أن التصوير في المساجد «مخالف للشريعة الإسلامية»، وأنه لن يحدث بعد الثورة.
رغم أن الكثير من الأفلام عبر تاريخ السينما صوَّرت في المساجد منذ «قنديل أم هاشم» الذى حاول البعض منع تكسير القنديل داخل السيدة زينب ولكن السيناريست صبرى موسى أصر على تصوير المشهد لأهميته الدرامية مرورًا بـ«أرض الخوف» بطولة أحمد زكى حتى «واحد من الناس» بطولة كريم عبد العزيز.
وفيلم «فرش وغطا» مبنى على الحكايات الموثقة للأحداث المؤسفة لفتح السجون المصرية، وما تعرض له المساجين خلال الأيام الأولى من الثورة المصرية عندما وجدوا أنفسهم في الشوارع، يتعرض الفيلم للواقع الإنساني المتردي للحي المهمش الذي ينتمي له البطل، والقمع المستمر الذي يتعرض له من دون أن يكون له يد فيما حدث أو يحدث، الفيلم مبني على المادة الفيلمية التي تم جمعها من قبل مؤسسات حقوقية حول أحداث سجون عديدة كسجن «القطا»، ويتم إعادة محاكاة الوضع بشكل درامي، ولكن مع الوضع في الاعتبار أن الفيلم فيلم روائي بحت، وبالتالي فهو لا يستغرق في المشكلة وعلاجها كشأن المشاريع التوثيقية، إنما يكتفي بالطرح وإعطاء القصة بعدا إنسانيا وفنيا بعيدا عن التوثيقات الرقمية الجافة.
أما أكثر المواقف غرابة فكانت عندما منع بعض طلاب جامعة عين شمس عرض الفيلم الإيراني «انفصال نادر وسيمين» داخل الحرم الجامعي، بحجة أنه نوع من المد الشيعي داخل

مصر، ورغم أن الفيلم لم يحمل أي مضمون ديني بداخله، ولا أعرف لماذا وجدتنى بدون أن ينتابني عند مشاهدة الفيلم الإيرانى «الانفصال» شعور أننا فى طريقنا الى نفس المصير والفارق سيكون قاسيا لأننا لم نقدم حتى الآن ابداعا يصل للأوسكار فالمعروف أن جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي هذا العام كانت من نصيب «انفصال نادر وسيمين»، التى تعد تتويجًا لفيلم تدور أحداثه ضمن قصة تقليدية في مجتمع محافظ لكنه في طور التغيير. ومشهد البداية أكبر تعبيرا عن معاناة الناس فى بلد يحكم بمرجعية دينية مثل إيران. فالكاميرا ركزت على القاضى بينما يوزع نظراته على أصحاب القضية. فى محاولة للفصل بين الحق والباطل، بمعايير الحكم الديني لإيران.

وحاول المخرج إظهار الثمن المدفوع متمثلا في صورة الخادمة التي تعيد إنتاج مفاهيم التخلُّف والبنت «ترمه» المتجهة نحو حالة عميقة من الكآبة الى جانب الرمز المصور فى الجنين المجهض الميت قبل ولادته؛ وكأنه يرمز لأجيال هي غير منسجمة واقعة تحت سلطان الدين والأخلاق، وباحثة عن قيم الحداثة. مع التركيز على انطباعات إنسانية متواجدة في كل زمان ومكان لا تعرف قوانين القوميات والأديان والحدود, ونراها فى افعال الهجرة التى نجبر عليه، ولا نقوم بها لمجرد حياة أفضل ولكن لقدر بسيط من الحرية. في مجتمع شرقي يتعامل مع مفاهيم الحداثة من خلال موروثته الدينية في عالم سريع التغير واقع تحت تأثير التناقض والصراع، ففي الوقت الذي نرى قيم الحداثة على خلفية الإنجازات الفردية من الحرية والمساواة، يكون على النقيض المجتمع التقليدي المتمثل فى الإنجازات ذات الطابع الجماعي المحافظة على قيم المجتمع وتلك هى الخلفية الفكرية لقصة الفيلم لتجعل الابطال ليسوا اصحاب قرار ولكنهم مسيَّرون رغم كونهم مخيرين ظاهريا..

فالقاضي نفسه يعانى من التناقضات وأظهره المخرج ممسكا برأسه بين يديه، مطالبًا بفتح شبابيك الغرفة. ملقيا بقطعة من السكر في شاي مرٍ على الرغم من ان الإيرانيين يشربون الشاى بدون سكر وهناك كبار السن الذين يحاولون إنهاء الخلاف بين أسرة «سيمين» و«نادر» ولكن من خلال نظرة ذاتية، فردية، لا تعترف بالآخر. إننا أمام عمل لا يعرف مفردات السعادة وكأنه نتيجة طبيعية لكل التناقضات التي يعيشها أفراد المجتمع. تحت الضغوط. المتتالية فينكسر نادر باكيًا حينما يغسل والده، ويلوم سيمين زوجته متهمًا إياها بالخوف والهرب من مواجهة ما عليها ,وهناك شخصية الخادمة راضية ممارسة الكذب، وغض الطرف عن التابوهات التى تعيش فى داخلها من خلال العمل في بيت رجل أعزب دون إذن زوجها.. والسيناريست يستعرض من خلال «نادر» و«سيمين». الحياة البيروقراطية للطبقة الوسطى المنتمين اليها ولكنها غير متلائمة مع توجهاتهم الفكرية. فهناك الشك فى كل ما كان بديهيًا، والدعاية لحياة مدنية مما يؤدى بهما إلى التعامل بوجهين مع الحياة. ويشترك كل من «نادر» و«سيمين» في رفضهم للواقع، ولكن أحدهما يختار «الهرب» والآخر يفضل «المقاومة السلبية دون صدام». وهنا يبرز «نادر» رمز للرجل الشرقي الحديث فهو واقعي، يستغل كل فرصة من أجل ممارسة حريته بدون الصدام مع المجتمع ونظامه. عقلاني في تصرفاته، عاطفي غير مفرط في ذكوريته خليط من الحداثة والتراث.
إن تلك الأعمال التى حوربت من المتشددين لم تكن الاولى ولن تكون الاخيرة و الازمة والمأساة ستكون من خلال تعامل المسئولين معها وعدم الخوف من المتأسلمين.