عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الملحنون العرب يستنسخون أعمالهم من الأتراك والإسبان

وصف البعض عبد الوهاب
وصف البعض عبد الوهاب بحرامي الفن

سرقة الألحان ليست بموضة جديدة على الساحة الفنية، وبمجرد أن يوجه اتهام إلى ملحن معين بالسرقة يكون جوابه جاهزا.

يقال أيضا إن الموسيقار محمد عبد الوهاب نفسه كان يقتبس الألحان، ويبدو أن هذا الموضوع فيه شيء من الحقيقة، يؤكدها كتاب نشر تحت عنوان «محمد عبد الوهاب» تضمن حوارا مع موسيقار الأجيال أجراه معه مجدي سلامة، وسأله: «من الذي اتهمك بسرقة الألحان الغربية والمصرية؟ ولماذا سموك حرامي الفن..؟ فكان جوابه: لقد كانت حملة تبنتها جريدة (السفير) اللبنانية بدأتها بنشرها وثيقة اليونيسكو التي اتهمتني بالسرقة». ربما يرى البعض أنه من حق موسيقار كبير بحجم محمد عبد الوهاب استلهام مواضيع موسيقية من ملحنين آخرين، سواء عرب أو أجانب، وتقديم أعمال فنية رائعة، ولكن ماذا يمكن القول في تجربة بعض الملحنين الموجودين حاليا على الساحة الفنية، الذين يستنسخون الألحان التركية والإسبانية، هذا فضلا عن سرقة الملحنين العرب لبعضهم بعضا، خاصة أننا بتنا نسمع كل يوم عن لحن مسروق.
فعلى سبيل المثال لحن أغنية «كل يوم في عمري» مأخوذ من لحن أغنية «ليالي الشوق»، ولحن أغنية «بستناك» مأخوذ من لحن أغنية «لو أعرف»، أما لحن «مزيكا هادية» للفنانة ديانا كرازون فمسروق من أغنية «كرمالك» التي غنّتها إليسا.. واللائحة تطول.
الفنان إيلي شويري، صاحب التاريخ الطويل في الغناء والتلحين يرى أنه لم يعد يوجد في الزمن الحالي ابتكار وإبداع.. «الملحن يسافر إلى تركيا، ويعود إلى لبنان وفي جعبته مجموعة من الأغنيات اشتراها بثمن بخس جدا، ولم يعد ملحنون يتعبون على الأغنية كما كان يحصل في زمننا، بل الكلّ يستعين بإلحان الجاهزة ثم يركّب عليها كلمات».
ولأن معظم الملحنين، وبهدف التبرير لأنفسهم، يعطون مثالا على تجربة محمد عبد الوهاب في الاستلهام من الألحان الغربية، يقول شويري: «عندما كان محمد عبد الوهاب يعجب بلحن يوناني، يتفاعل معه، ثم يؤلف جملة جديدة مستوحاة منه، ولكنه لم يكن ينقله بحذافيره، ولا شيء يمنع من أن يستوحي الملحن من أعمال غيره.
أذكر أن الأخوين رحباني كسبا دعوى ضد ملحن أغنية (coupable) لأنه استنسخ لحنها عن لحن أغنية (حبّيتك بالصيف) لفيروز، بينما اعتبر الملحن الفرنسي أنه لجأ إلى الاقتباس، مع أن اللحن هو نفسه، وهذا يعني أنهم يسرقون الألحان، حتى في أوروبا».
شويري الذي يرفض الدخول في لعبة الأسماء يؤكد أن بعض ألحانه تعرضت للسرقة: «كثيرون استنسخوا ألحاني، وجميعهم من الأسماء الكبيرة، وهذا يؤكد أن لا علاقة لهم بالتلحين ولا يملكون الموهبة، وعندما فاتحت أحدهم بالموضوع ادعى أنه لم يكن يعرف أن اللحن هو لي. ولكني لم أقاضِ أيا منهم لأنهم زملاء وأصحاب، وتوجد (عشرة عمر) بيني وبينهم. أعرف أنه يحقّ لي أن ألجأ إلى القضاء، لكنني لا أريد ذلك، لكي أفسح المجال أمام كل ملحن يعجبه شيئا من ألحاني أن يؤلف مثلها، وأنا وحدي من يعرف هذه الحقيقة، ولأنهم متأكدون أنني لا أتوقف عند هذا الأمر ولا أتحدث فيه، يستمرون في سرقتي حتى إن أحدهم أخذ لحنا كما هو ووضع عليه كلاما ونسبه إليه، أما كلام الأغنية فاستخدم في أغنية أخرى، أما أنا فأتغاضى عن الموضوع وأتعامل معه على أنه تعدّ عفوي على أعمالي، ولا أنظر إليه من الناحية الأخلاقية، خاصة أن هناك من يعتبر أن مثل هذا التصرف غير أخلاقي».
ويحمّل شويري الإعلام مسؤولية سرقة الألحان: «لو أنه لم يكن راضيا لكان أثار الموضوع وأوقف من هم بلا أخلاق عند حدهم. من يسرقون الألحان يعتبرون أنفسهم (مهضومين) و(يمونون)، ولكنهم في الحقيقة ليسوا ملحنين بل قراصنة. هم من الأصحاب ويستغلون طيبتي، حتى إنهم سرقوا لي 20 لحنا ونسبوها إليهم، من بينها لحن غنته إحدى المطربات المعروفات جدا.. هل أفضحهم؟! لا أريد أن أفضحهم».
إلياس ناصر الرئيس السابق لجمعية «الساسيم» في لبنان، فرّق في عالم التلحين بين توارد الأفكار والإعداد والاقتباس: «بالنسبة لتوارد الأفكار، فالملحن يتأثر عادة بالمناخ الموسيقي الذي يوجد فيه، ويؤلف جملا موسيقية شبيهة بجمل موسيقية مخزنة في رأسه، دون أن يفعل ذلك بشكل متعمد، أما الإعداد فهو الاستعانة بلحن موجود، وإضافة جملة لحنية إليه أو إعداد نسخة جديدة منه، وفي هذه الحالة يجب على الملحن أن يستأذن الملحن الأصلي، أما إذا كان اللحن تراثيا، فيمكن أن يضيف إليه شرط أن يشير إلى أنه تراثي أو فلكلور، أما في حالة الاقتباس فيجب أن يشير الملحن إلى أن اللحن مقتبس من خلال ذكر المصدر الحقيقي، ومن دون ذكر اسمه، وجميعها أساليب شرعية ويمكن أن يلجأ إليها أي ملحن.
وبالنسبة للألحان التراثية، وبحسب قوانين (الساسيم) المعتمدة في أوروبا يمكن للملحن إعداد لحن بعد مرور 70 عاما على وفاة كل فنان شارك في العمل، أي المؤلف والناشر، أما في العالم العربي ولبنان، فالفترة هي 50 عاما، وقبل هذه المدة يجب أن ينال إذن الملحن والمؤلف والناشر، لأن الأغنية وحدة متكاملة كلاما ولحنا».
ويؤكد ناصر أن الموسيقار محمد عبد الوهاب «استأنس» بلحن أغنية إديث بياف «La vie en rose»، في لحن أغنية «في يوم وليلة»، أما جمال سلامة فاستأنس لحن أغنية «قال جاني بعد يومين» بلحن أغنية «A quoi ça sert l’amour» هذا اسمه استئناس بمقدمة الأغنية والانطلاق منها نحو لحن جديد.
لكن لا يمكن أن ننكر دور عبد الوهاب في تطوير الموسيقى الشرقية ونشرها، فهي كانت «مقولبة» في قالب معين وتعتمد على التجويد القرآني والموشحات، ولأنه رغب في الانطلاق نحو العالمية، استعان بالموسيقى البيزنطية والعالمية، ولذلك اتهم بالسرقة، وهو كان يرد «أنا ذواق وجواهرجي»، لأنه كان يتأثر بجملة لحنية صغيرة ويبني عليها لحنه، ولذلك لقّب بموسيقار الأجيال وموسيقار الشرق.
وهل التوزيع الموسيقي وسيلة يمكن يلجأ إليه البعض بهدف التمويه وإخفاء «حقيقة» لحن مسروق؟ يجيب: «نعم، إذا حصل

ذلك بشكل متعمد، ولكن إذا ظلت (الميلودي) ظاهرة، فبإمكان أي خبير في الموسيقى أن يكتشف ذلك. ومن خلال خبرتي يمكنني القول إن 30 في المائة أو 40 في المائة من الألحان مسروقة، ولكن المستمع العادي لا يمكن أن يكتشف ذلك».
ويرى ناصر أن القضاء لا يمكن أن يتحرك لمقاضاة «سارق الألحان» إذا لم يتحرك صاحب اللحن نفسه: «عادة أصحاب الألحان لا يلجأون إلى المحاكم، لأن الملحن الأساسي يكون قد تأثر هو أيضا بلحن سابق لملحن آخر، لأن الألحان عبارة عن تكامل وتواصل بين ملحن وآخر».
إيلي العليا، قائد أهم فرقة موسيقية في لبنان، الذي تعامل مع معظم الفنانين العرب يعتبر أن كلمة «سرقة» لا تنطبق على الجمل اللحنية المتشابهة: «عندما يتعمد الملحن استعمال جملة لحنية معينة بهدف السرقة، يمكن أن نقول عنه سارق ألحان، أما إذا ألف لحنا ثم تبين أنه يوجد لحن شبيه به في الهند مثلا، فهذا يعتبر توارد الأفكار، وهو احتمال موجود بقوة بين الملحنين. جمعية المؤلفين والملحنين، كانت تسمح في الماضي للملحن باستعمال 4 موازير موسيقية من لحن آخر حتى لو بشكل متعمد، ولكن قبل فترة وجيرة تم إلغاء هذا القرار ولم يعد يحق للملحن استخدام ولا حتى مازورة واحدة. ولكن ومن حيث المبدأ، يجب أن يكون الملحن شخصا عبقريا ومبدعا، وأن يعتمد على فكره لكي يؤكد إبداعه، وعندما يلجأ إلى أعمال الآخرين تنتفي صفتا الإبداع والعبقرية عنه، ومن هذا المنطلق يفترض به ألا يستعمل عمدا جملة لحنية لملحن آخر، ولكن إذا حصل هذا الأمر بشكل غير متعمد، وبسبب توارد الأفكار، فلا حول ولا قوة، وإذا تكرر هذا الموضوع، فلا بد أن نضع علامة استفهام كبيرة حول ألحانه».
ولأن بعض الملحنين يسرقون الألحان عمدا ويدرجون «سرقتهم» تحت خانة توارد الأفكار، يقول العليا: «ربما هو المخرج الأفضل عن البعض، ولكن مسألة توارد الأفكار موجودة وأنا متأكد من ذلك. صحيح أن البعض يلجأ إلى هذه الذريعة، ولكن لا يمكن أثبات الجرم إلا في المحكمة، وعندما يصدر قرار من القاضي».
العليا الذي يؤكد أنه لا يمكن تحديد نسبة سرقة الألحان في العالم العربي، لأنه خلال فترة وجيزة جدا تطرح مئات الأغنيات في السوق، يوضح أنه من خلال عمله يلاحظ تشابها كبيرا في الألحان: «ولكني لا أستطيع أن أعرف ما إذا كان السبب يعود إلى توارد الأفكار. الشبه لا بد وأن يظل موجودا بين لحن وآخر، لأن الملحن يختزن كميات من الألحان والجمل اللحنية (تختلط) في رأسه بطريقة أو بأخرى، وعندما يؤلف ألحانه الخاصة، يقدمها بالطريقة التي نسمعها. العبقرية تتجلى عندما يؤلف ألحانا لا تشبه ألحانا أخرى، وهي موجودة عند الجيل الحالي من الملحنين ولكنها كانت أكبر بكثير عند الجيل السابق. ومن بين الجيل الجديد يمكن القول إن سمير صفير ملحن بامتياز، لأنه أثبت نفسه في المجال كما أثبت حسا مرهفا في التلحين، ولكن هذا لا يعني أن الملحنين الآخرين غير جيدين. في المقابل هناك ملحنون يستسهلون العمل، ويستعيرون جملا لحنية من مجموعة أعمال ويصنعون ألحانهم الخاصة، ولكنني لا أستطيع أن أتهمهم بالسرقة لأنني لست قاضيا ولا أستطيع إثبات التهمة عليهم، ويضم السوق عددا لا بأس به من هذه الألحان، ولكن بالمقارنة مع كمّ الأغنيات التي تطرح في الأسواق يمكن القول إن العدد مقبول، بصرف النظر ما كانت هذه الأغنيات تتمتع بمستوى راقٍ أم أنها دون المستوى».
من ناحية أخرى يوافق العليا ناصر على أن التوزيع الموسيقي يمكن أن يكون وسيلة لتمويه لحن المسروق: «لكنه ليس السبب في رواج هذا المجال، بل البعض يعتمد عليه لكي يرفع مستوى الأغنية، لأن للتوزيع الموسيقي دورا تجميليا، على الرغم من أنه قد يكون أيضا سببا في تشويه الأغنية، وهنا يأتي دور الموزع».

منقول بتصرف عن صحيفة الشرق الاوسط