عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ابن الدولة حتى لو ابن «حرام»

سؤال.. يحلو لبعض زملائى استفزازى به أو مداعبتى، كلما شاهدوا غضبى من مئات الأوضاع الخاطئة فى مصر، وهو «ايه اللى رجعك» يقصدون، سبب عودتى بأسرتى من هولندا جنة أوروبا، وقد عشت بها قرابة العقدين، بالطبع يقصدون تذكيرى بالصبر على البلاء الذى نعايشه كل لحظة فى وطننا، منذ أن نصحو لنصلى الفجر بعد أرق ليلى مع أصوات الكلاب والقطط الضالة التى يحلو لها النباح والمواء الجنونى ليلا وكأن «راكبها عفريت»، والمختلطة بالكلاكسات خاصة «جاعورة النقل» ليلا رغم خلو الشوارع انتقاما من السائقين السهرانين من المواطنين «المرتاحين»، مرورا باصطباحة رائحة المجارى التى تنفجر مواسيرها مرة كل أسبوع على الأقل فى كل حى من أحيائنا لا فارق بين حى شعبى أو آخر.

مرورا أيضا بشوارعنا القذرة المختنقة بالسيارات والميكروباصات والتكاتك التى تسير عكس الاتجاه فى «بجاحة» تؤكد لك أنك فى دولة بلا مرور وبلا شرطة وبلا محليات، ناهيك عن ولاد الشوارع، الذين تمددوا «وبرطعوا» فى كل مكان وأصبح منهم «الآنسات مكحلات الأعين» بالعباءات المطرزة وهن «يتقصعن فى خلاعة» على نوافذ السيارات بزعم مسحها.!!!، والرجال الفتوات مدعى العاهات، يطاردون المارة والسيارات بسلع غريبة مليئة بالاوبئة، فيما يقف رجال المرور يدونون أرقام السيارات بصورة عشوائية، سواء ارتكبت مخالفة أو لم ترتكب لاثبات أنهم يؤدون عملهم.
مرورا برحلة العذاب التى أخوضها مع كل مصلحة حكومية لاستخراج أى ورقة، المكاتب «مبهدلة» الجدران متآكلة ومبقعة، الرائحة قذرة، الزبالة والحشرات أكثر من البشر، الموظفين «مبوزين» غضب الله على وجوههم، «يشخطوا وينطروا» في وفى غيرى من طالبى الأوراق وكأننا متهمون داخل سجن، والويل لمن يعترض، ستتعقد أوراقه وأوراق «اللى خلفوه»، وأوراق كل الصف «الغارق فى العرق» خلفه، لأن المصالح الحكومية تحولت إلى تأديب وتهذيب واصلاح للمواطنين، أما الكمبيوترات التى زعمت الحكومة أنها ستدخلها ليتم خدمة المواطنين الكترونيا، فحدث ولا حرج، أسلاكها ممزقة، تعلوها الأتربة، لوحة مفاتيحها تحولت إلى «مائدة»، يضع الموظفون فوقها ساندويشات الفول والطعمية، وعليه العوض فى ملايين الدولة وأكذوبة «حكومة إلكترونية».
وجعلتنى المصالح الحكومية أصاب بعقدة من مهنتى الصحفية، فما أن يرى السادة الموظفون بطاقتى، حتى يزداد انقلاب وجوههم رغم الترحيب الظاهرى، ثم يتعاملون مع أوراقى بكل تعقيد مبالغ فيه أكثر من أى مواطن عادى، لاظهار مدى الدقة والامانة فى عملهم، وللتأكيد على معاناتهم فى عملهم، وبالطبع لا يجرؤ أحدهم على طلب «الشاى» أو التلويح باكرامية للتيسير، لاختصار اللف والتوقيعات، خوفا من الفضح الاعلامى، أو كونى أحمل «قلم كاميرا» يسجل و«يوديه فى داهية»، وليس خوفا من الله، حتى أكاد أحيانا أن أصرخ فى وجوههم «ارتشو وخلصوا الأوراق» وسأستغفر الله لى ولكم.
أيها السادة، هل من اللاوطنية واللا انتماء أن أقارن بين بلدى وبين هولندا، بلدى الذى أعشق ترابه الذى يلوننى بجانب العادم، وأعشق رائحته المختلطة بالقمامة والمجارى، وشوارعه التى بلا شكل أو خارطة، وأشفق على موظفيها وهم يعملون فى ظروف لا آدمية لخدمة الملايين، هل لى أن اقارنها بهذا البلد الأوروبى الذى بنى نفسه من خراب وعدم بعد الحرب العالمية الثانية، بشوارعه المزدانة بالحدائق والزهور الرائعة، بالطرق الواسعة الممهدة كالحرير، بلا بالوعات أو حفر أو «خوازيق»، وقد امتدت على جانبيها فتحات لتصريف مياه المطر المتواصل هناك، فلا يتراكم بها «شبر ماء»، باشارات المرور الأتوماتيك التى يحترمها الكل دون وجود رجل مرور يقبل الرشوة ليتغاضى عن المخالفات، بكاميرات المراقبة المنتشرة لتأمين المرور والمواطنين والمؤسسات، برجال الشرطة بزيهم الانيق وأسلحتهم المتطورة فى كل شارع وحى وحديقة.
بمكاتب المصالح الحكومية فى كل حى، تدخلها فتحتضن انفك رائحة معطر الجو ورائحة النظافة، الأرض لامعة، الجدران متألقة، الاضاءة رائعة، التهوية لا جدال فيها صيف شتاء، المكاتب جديدة، بلا خدش واحد وكأنها خرجت لتوها من «الفابريقا»، لا زحام ولا مشاجرات، تقطع ورقة بها رقمك فى هدوء، تجلس تنتظر دورك ليظهر على الشاشة، لا يدفعك

أحد، ولا يستأذنك أحد لأخذ دورك لأنه «مستعجل»، يمكنك ان تشرب فنجان قهوة أو شاى مجانى من جهاز مخصص للمواطنين، للتسرية عنك فى دقائق الانتظار، يستقبلك الموظف بلا تكشيرة، يعرفك بحقوقك، يكتب لك كل المطلوب من الأوراق مرة واحدة فلا تدوخ «السبع دوخات، تقضى طلبك من بناية أو مكتب واحد بلا كعب داير على 20 بناية فى أماكن متفرقة كما فى بلدنا الاسطورى، كله شىء يتم بضغطة زر على الكمبيوتر.. «آه والله ده حقيقه مش أحلام»، لا يمكن لموظف أن يأكل أو يشرب شيئا باستثاء المياه فى ساعات العمل، ممنوع المحادثات الهاتفية الخاصة، أو أن يستقبل شخصا خاصا فى مكتبه أو يقرأ جريدة، ساعات العمل للعمل، يتخللها ساعة استراحة فى منتصف النهار يفعل بعدها الموظف ما يحلو له.
لن تجد أبداً أولاد شوارع، لأن الطفل وهو جنين يعرف رسميا بأنه ابن الدولة، حتى لو كان والعياذ بالله ابن حرام، أى من علاقة بلا زواج، الدولة تتكفل برعايته الصحية والتعليمية من الميلاد للممات، يرسل لك الحى مواعيد التطعيم على عنوانك، وموعد إلحاقه بالحضانة ثم بالمدرسة، وأسماء المدارس القريبة من سكنك بالحى، التعليم هناك اجبارى، لا تسرب ولا أعذار، كان اجباريا حتى سن 18، ومؤخرا تم رفعه إلى سن 21 لتشجيع الإقبال على الكليات، بعد رصد اكتفاء معظم الأولاد بالتعليم المتوسط أو التعليم الفنى لعشقهم للعمل والاستقلالية، اذا تأخر الوالدين عن الحاق طفلهم بالمدرسة يتعرضان للمحاكمة، ويمكن انتزاع حضانته منهم واسنادها لأسرة بديلة، لأنه «ابن الدولة»، إذا انهى الولد أو البنت الدراسة، يتوجه لأى مكتب عمل من المكاتب المنتشرة، إذا تعذر حصوله على عمل بشهادته، يتم اعطاؤه دورة تدريبية فى مجال آخر للحصول على فرصة عمل مؤقتة، حتى تتوفر له فرصة العمل بشهادته، وإذا تعذر تماما الحصول على عمل، وأثبت ذلك بالأوراق تمنحه الدولة بدل بطالة بما يعادل الحد الأدنى للأجور.. ويا حزنى على كل مصرى، لم يحصل حتى على حق «ابن الحرام» فى هولندا.
مؤكد ستسألونى مثل زملائى «إيه رجعك»، .. «الاخلاق» خشيت على فلذاتى الانفلات الأخلاقى والاباحية المجتمعية، خفت ان انهرهم، حال أهملوا الصلاة، أو حادوا عن الاخلاق، فيرفع أحدهم سماعة الهاتف ليستنجد ببوليس الأطفال وفقا لما يعلمونهم فى المدارس، فينتزعوه منى، ويسندوا رعايته لأسرة بديلة يهودية أو حتى بلا دين، هذا ما أعادنى، حرصى أن أربى أولادى على الاخلاق المصرية الأصلية.. لكن دعونى أعترف لكم.. حتى هذا السبب صار محل جدال نفسى، فانظروا حولكم.. أين تسير أخلاق ابناء هذا الجيل؟؟ وللحديث بقية.

[email protected]