رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أبناء الصبار وشهادة حياة يا ولاد الحلال

فى الفقر ولدت.. فى الفقر عاشت مع أشقائها الثلاثة بين أم تبيع الخبز، وأب عاجز هده المرض منذ الشباب فى حى أسقطه كل المسئولين من حساباتهم، رغم أنه فى قلب القاهرة الكبرى بساقية مكى.. ومن فقير فى عمر والدها تزوجت طلبا للستر ولتوفر لقمتها لإخوتها، والفقر الآن يضيع أولادها، الفقر يرفض أن يمنحهم شهادة حياة، شهادة ميلاد، ليحرمهم من التعليم من دخول المدرسة، «أنا عايزة أعلم ولادى، نفسى يكون حظهم احسن من حظى»، هكذا قالت لى من بين دموعها عبر الهاتف.

حكاية «س» ببساطة قد تتكرر يوميا فى مصرنا المحروسة، فى الأحياء الفقيرة..فى القرى.. النجوع، لكن الفارق هنا ان هذه السيدة الفقيرة غير المتعلمة، ترفض الاستسلام، وتطالب ليس بحقها، بل بحق ولديها التوأم مريم وزياد، فى ان تعترف بهما الحياة، وتكون لهما شهادتا ميلاد، فعندما تقدم لها هذا الأرزقى الذى يعمل باليومية فى محلات «الحلوى» لم ترفضه لأن عمره أكثر من ضعف عمرها، أو لأنه فقير، فقد أرادت الزواج ليكون لها بيت خاص بها حتى لو غرفة، بعيدا عن تكدس الغرفة المتآكلة المعدمة التى تعيش فيها مع أسرتها المكونة من خمسة أفراد، وقنعت بلقمة بسيطة، وأطاعت زوجها فى كل ما أمرها به، لأنه كما تقول كان يبدو شيخا مصليا، يردد دوما «قال الله وقال الرسول» لحيته تصل الى منتصف صدره، وألبسها الحجاب لستر جمالها عن العيون وهى الفتاة ابنة العشرين وقد اقترب هو من الخمسين، وحين قال لها «حرام تحديد النسل» استجابت أيضا رغم رفضها الداخلى إنجاب أكثر من طفل لظروفهم المالية الصعبة، فقد كان يعمل يوما ويتعطل عشرة.
وانجبت منه ولدين، وأصر على المزيد وعدم استخدامها أى موانع للحمل، فأنجبت التوأم مريم وزياد، كان يرفض الحاق اولاده بالمدارس، فهو لا يرى جدوى للتعليم وأن عليهم فقط حفظ القرآن، وكأنه ينتقم مما لاقاه فى حياته من أولاده، فكما لم يتعلم هو، كان يرغب فى تشغيلهم بمحل للحلوى أو فى أى ورشة لمساعدته على المعيشة، لكنها هذه المرة رفضت، وعلا صوتها، وتمسكت بتعليم الأولاد، وهددته، الطلاق أو تعليم الأولاد، فرضخ، وألحق الولدين الكبيرين بالمدرسة، ولكنه لم ينس لها تمسكها برأيها وفرضها تعليم الأولاد عليه، وقرر ان ينتقم منها فى ولديه التوأم مريم وزياد، بعدم استخراج شهادتي ميلاد لهما حتى لا تتمكن من الحاقهما بالمدرسة، ولأنها جاهلة وبسيطة، وكانت تسلم له كل أمورها فى الحياة، لم تتوقع منه هذا الغدر، ولم تسأله يوما عن شهادتي ميلاد الولد والبنت.
وفى العام الماضى، عندما بلغت مريم وزياد سن التعليم الإلزامى، طلبت منه إعداد الأوراق وتقديمها لأقرب مدرسة، لكنه رفض وماطل، وتعلل بعدم وجود أى أموال لتعليمهما، فعرضت عليه أن تبحث عن عمل، ثار وهاج وماج، وقال «الرجال قوامون.. و..» ومرت الأيام وهى تلح عليه فى طلب تقديم الأوراق، وتلح عليه فى الإنفاق على البيت، لكنه رفض الأولى، وعجز عن الثانية، فلم يعد يجد عملا بسهولة بعد أن بلغ سن الستين، وثقلت حركته، وترهل جسده، وأصبح يفرغ عجزه وفقره عليها غضبا وصراخا وضربا واهانة، وتحملت، من أجل أولادها الأربعة، وفجأة ومنذ تسعة أشهر، خرج من البيت بحجة البحث عن عمل، واختفى، ولم يعد للبيت ولا للإنفاق، ولا حتى للسؤال عن أولاده.
وقال لها البعض إنه يختبئ عند بعض أقاربه ولكنها لا تعرف لهم عنوانا، واكتشفت المفاجأة أنه لم يستخرج شهادتي ميلاد للولد والبنت التوأم، وقد بلغا الآن سن السابعة، وضاع عليهما عام دراسة أو أكثر، قالت لنفسها «هذا حظى من الدنيا ولن استسلم» نزلت للبحث عن عمل لتوفر اللقمة لأربعة أطفال معلقين فى رقبتها بعد أن فر العائل

وتركها وحدها فى مهب الريح، ولم تجد سوى الخدمة فى البيوت، ورفضت ان يترك ولداها الكبيران التعليم، الأول فى أولى إعدادى، والثانى فى الصف السادس الابتدائى، رغم هذا كل ما تتمناه الآن حتى لو باعت عمرها أن تعلم الولد والبنت الصغار، «داخت».. حفيت قدماها على كل باب لمساعدتها فى استخراج شهادتي ميلاد لهما، حملت معها بطاقتها، شهادتى ميلاد ولديها الكبار، صورة من بطاقة الزوج الهارب، صورة من وثيقة الزواج، لكن كل هذه الأوراق لم تكف، قال لها المسئولون فى السجل المدنى ومصلحة الأحوال المدنية «لا يمكن استخراج الشهادات إلا بحضور الأب ببطاقته وتوقيعه».
صرخت، بكت.. انهارت.. توسلت، ساعدونى يا أولاد الحلال، أرجوكم لا تضيعوا مستقبل طفلين بلا ذنب،  ليس ذنبهما أنهما ابناء الصبار المر الذى عشته، لا أريدهما أن يعيشا كأشواك الصبار منبوذين.. نكرة، بلا شهادة حياة وبلا تعليم أو اعتراف بوجودهما، ما ذنبهما إذا كان الأب نذلا معدوم الضمير، قالت لى المسكينة «س» بكلمات بسيطة عميقة هزت أعماقى ما معناه أن الفقر فى حد ذاته ليس عيبا ولا جريمة، وأن الله خلق الناس درجات وأرزاقا، وهذه قسمتها فى الحياة، ولكن العيب والجريمة ان تتعمد اقدام القادرين دهس الفقراء ليبقوا دوما «مسحولين» على الأرض لا تقوم لهم قائمة ولا يرتفع لهم رأس، والجريمة ألا تمتد أيادى القادرين من المتعلمين والأثرياء وقادة التنوير وأصحاب الكلام المنمق والياقات البيضاء لتنتشل الفقراء من حاجتهم وعوزهم، الجريمة أن يتم تركهم فريسة لضياع الأحلام والأمل فى غد أفضل، أن يتعاون المجتمع ويتفق مع الفقر لقتلهم إنسانيا، أن نسلب منهم حق الحياة، وبكت طويلا وهى تختم مكالمتها معى: «عايزة أعلم ولادى لو هابيع عمرى، مش عايزة حظهم يطلع زى حظى، التعليم هينفعهم، يخليهم بنى ادميين، مش عايزاهم يضيعوا ويتلطموا زيى، ولا يبقوا صورة من أبيهم» .
يا سادة.. يا مسئولون.. أى قانون هذا، وأى إجراء رسمى وأى ضمير إنسانى يسمح بهذه الجريمة فى حق طفلين لا حول لهما ولا قوة، ليربط وجودهما فى الحياة وحقهما فى التعليم بتوقيع أب بلا قلب هارب من كل مسئولية، أوجه صرخة الأم المسكينة الفقيرة الضائعة، أوجهها الي كل مسئول معنى فى هذا البلد بل الى الرئيس السيسى..انقذوا ابناء الصبار بشهادة ميلاد يا أولاد الحلال.. شهادة حياة، وإلى كل من يرغب فى مساعدة هذه الأم وحل كارثتها التواصل معها عبر هاتف 01120752383، فهل ستتحرك القلوب والضمائر؟


[email protected]