عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أيها الشرفاء.. احترقوا أو انتحروا

حاول أهل الصعيد من عائلة أبى دون قصد منهم أو بحسن نية، أن يرسخوا بداخلى عقدة تميز الرجل عن المرأة، دون النظر إلى عمل هذا أو تلك، فالولد من حقه أن يفعل أى شيء وكل شيء، يثور.. يدمر.. يحطم فى ساعات غضبه، أن يعلو صوته على أمه، أو يضرب حتى أخته من قبيل فرض الرجولة وإثبات الوجود، يخرج ويأتى كيفما شاء، وكافحت أمى البحراوية بنت الإسماعيلية التى درست بمدرسة فرنسية بكل ما أوتيت من حكمة وثقافة متوسطة أن تحارب لمنع ترسيخ هذه العقدة بداخلنا، وبفضلها «رحمها الله» شعرت مبكراً بالمساواة مع هذا الكائن المتميز، فارتدت قصر الثقافة لأقرأ وأمارس هوايات فنية مثلهم، ذهبت إلى الساحة الشعبية لألعب «الجمباز»، فى الجامعة زاحمت زملائى فى عضوية اتحاد الطلاب، أقمت ندوات الشعر والمعارض الفنية الخاصة للوحاتى قبل أن تضيع منى هواية الرسم فى زحام الحياة، حتى إن أساتذة الجامعة كانوا يتحدون بى الطلبة فى إثبات الوجود والنجاح، بل إن بعضهم اشترى لوحاتى على سبيل التشجيع.

ولم يبق أمامى من الانتصار على عقدة تفوق الرجل إلا مسألة خروجه وعودته فى أى وقت يشاء، وهو أمر مرفوض بالطبع حتى من أمى، وأردت تذوق هذا الشعور بالحرية المطلقة، لأقضى على أى شعور بنقص ما، وحانت الفرصة ليلة شم النسيم فى هذا العام كنت فى السنة الثانية بكلية الصحافة، وكان إخوتى الشباب قد خرجوا مع أصدقائهم للسهر حتى الصباح كما اعتادوا فى هذا اليوم، وبقيت أنا وإخوتى البنات نراقب ما يحدث فى أسى، وقفزت إلى الفكرة وقررت تنفيذها، وطاوعتنى شقيقتى «فاتن» وهى تكبرنى بأربعة أعوام، اعترضت أمى كثيراً، لكنها حين رأتنا فى صورتنا الأخيرة وافقت على مضض، فيما كان أبى يقضى ليلته فى عمله كمفتش بالسكة الحديد.
انطلقنا فى شوارع سوهاج، والساعة تتجاوز منتصف الليل، وقد ارتدت كل منا جلباباً من جلابيب أبى، الرأس مغطى بشال، وكذلك معظم الوجه وقد رسمت كل منا شارباً وحواجب غليظة بالقلم الفحم، وبيد كل منا عصا غليظة «شومة» لزوم إحكام الدور بأننا شباب صعايدة خرجوا فى حرية لشم النسيم، تجولنا فى الحدائق والمزارع، وعندما أصابنا الإجهاد قبيل الفجر عدنا فى سلام وكانت أمى فى النافذة تنتظرنا وقد أجهدها السهر والقلق، وبادرتنا بجملة واحدة: «خلاص كده ارتاحتوا»، بالفعل كنا قد ارتحنا بالقضاء على آخر ما يمكن أن يميز الشباب عنا، وفقاً لتفكيرنا فى حينه، الغريب أننى ندمت، فقد كان سهرى مع أمى وإخوتى البنات فى المنزل أمتع وأجمل، لكن ذكرى تلك الليلة تعاودنى بابتسامة كلما جاء شم النسيم، الذى تغيرت فيه أوضاع المجتمع فلم يعد حتى هذا الفرق باقياً فى خروج البنات وعودتهن فى أى وقت فى كثير من الأسر المتحررة، رغم رفضى شخصياً الآن لذلك مع ابنتى، لكنى تعلمت أن أى إنسان بما هو عليه ذكر أو انثى يمكن أن يحقق ذاته وسعادته ووجوده ولا يرتبط هذه بكونه ذكراً أو انثى، بل بكونه إنساناً استخلفه الله فى الأرض وورثه إياها ليعمر ويجاهد حتى آخر نفس.
البنت تتعلم وتتفوق وتصبح من أوائل دفعتها، تعمل وتنافس زملاءها لتحقق الكفاءة والتميز، وقد تتقدم عليه فى المنصب، هذا إن كانت إدارة المكان الذى تعمل به محترمة ومحايدة، ولا يعانى مديرها عقدة التميز غير المبررة لتحويل الإدارة إلى مجتمع ذكورى، أو لا تصل المرأة إلى المنصب الذى تستحقه إلا إذا تنازلت عن كرامتها أو شرفها، وأعلم أن كثير من نساء مصر بمن فيهن حتى فى مجالنا الإعلامى يعانين عقدة شعور الرجل بالتميز، حتى إن انتحرت أو قتلت نفسها فى العمل تفانياً وعطاء، وحكت لى صديقتى فى مرارة، وهى مهندسة تحتل مكاناً مرموقاً فى عملها ومرشحة لنيل درجة نائب وزير، حكت لى عن الحرب الشعواء التى

تواجهها من زملائها لعرقلتها عن التفوق والتقدم وإثبات وجودها، وكيف أن زميلاً سرق من الكمبيوتر الخاص بها جهد ستة أشهر لرسالة الدكتوراه التى تحضرها فى مجالها الهندسى، وقام بتدمير المعلومات.
وكيف لفقوا لها أغرب تهمة، وهى التيسير على المواطنين لأن الجمهور أحبها وكانوا يقصدونها دون غيرها لقضاء أمورهم، ولم يجد السادة الرجال حرجاً فى توجيه تهمة تقاضى رشوة، لأنهم فى المقابل يعقدون السهل، ويتمسكون بالبيروقراطية، وبعد التحقيق وأيام سوداء أثبتت لها أن الشرفاء عليهم أن ينتحروا أو سيقتلوا بالمؤامرت، ثبتت براءتها، وقالت لهم فى التحقيق: أخدم الجمهور لأنى لدى ضمير ومتدينة، ولأنى ابنة عائلة محترمة، وأنا لا ينقصنى المال الذى تزعمون، لأنها فى الواقع ابنة عائلة ثرية، وأغلق التحقيق، ولكنها تشتت عن رسالة الدكتوراه، وعن حلمها فى الدرجة التى تستحقها، لماذا.. لماذا يا بشر، تحاولون قتل الشرفاء أو تدفعونهم للانتحار لماذا نجاح امرأة لن ينتقص نجاحكم، المجال مفتوح للعمل والعطاء بإخلاص، خاصة فى عهد مصر الجديدة التى تحتاج منا جميعاً رجالاً ونساء العمل والتيسير على الجمهور ليشعروا بالتغيير للأفضل بعد ثورتين، فلماذا تتم محاربة الشرفاء من النساء أو الرجال، لماذا يحاول الفاسدون إطفاء كل بصيص للأمل ليصبح الجميع فسدة، فيضيع الجميع وتضيع مصر.
وفى حين تعاقب سيدة لكفاءتها وتفانيها مع الجمهور، وصلتنى رسالة يكاد صاحبها يبكى من الفوضى بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، الموظفون يحتفلون بالمناسبات السعيدة أثناء مواعيد العمل الرسمية بتبادل الشيكولاتة والمشروبات وجلسات السمر، وذهب عادل سعيد زايد بتاريخ 5/4/2015 إلى الكلية (شئون الدراسات العليا) لاستلام شهادته فى الماجستير، فوجد الشهادة تحتاج إلى مراجعة الموظفة المختصة، والأخيرة تأتى فى الصباح للتوقيع بالحضور ثم تختفى، فتتعطل مصالح ووقت الراغبين فى الحصول على شهادات الدبلوم أو الماجستير أو الدكتوراة.
توجه صاحبنا إلى وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث لتقديم شكوى، وجد سكرتارية الوكلاء لديهم تعليمات صارمة بمنع دخول صاحب أى شكوى للوكيل، ويقول صاحبنا: إن الإهمال وتعطيل مصالح المواطنين يخالفان القانون الذى ينص على أن يؤدى الموظف عمله بدقة وأمانة وأن يخصص وقت العمل الرسمى لأداء واجبات وظيفته وأن يحترم القواعد والأحكام و.. و.. إلخ، ويطالب صاحبنا  وزير التعليم العالى بالتدخل لوقف المهازل التى تحدث داخل الكلية.
أخى الفاضل عن أى قانون تتحدث، والفساد ضرب وتلاعب بكل القوانين، للأسف الإهمال والفساد لم يعشش فقط بجامعة الإسكندرية، بل كل مكان وإدارة فى مصر ومنذ عقود، وبتنا نحتاج إلى ثورة تطهير حقيقية قبل أن ينتحر الشرفاء، أو نترك الفسدة يقتلونهم بالمؤمرات.


[email protected]