رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فبراير الأسود وعشوائية القرارات


 

أقسم أننا لا نتعلم من أخطائنا، لا شعب ولا ساسة، أقسم ان تاريخنا يعيد نفسه بين حين وآخر، واننا فى اللحظة التى نعتقد فيها اننا نقدمنا وتفوقنا وسرنا خطوة للامام، نكون فى الواقع قد تأخرنا، تراجعنا الف خطوة للوراء، أقسم اننا لا نمتلك أى خطط استراتيجية أمنية لإعادة الحياة فى بلدنا الحبيب الى طبيعتها، ولا نمتلك أى خطط وقائية او حمائية ليمارس الشعب حياته اليومية وهوايته إن وجدت بصورة آمنة، اقسم على كل هذا وأحاسب على قسمى أمام الله، وإلا ما هذا الذى يحدث فى مصر، ما هذا بالله عليكم يا كل مسئولى الأمن والشباب والرياضة، ما هذا الذى حدث فى مباراة الزمالك وانبى، ما هذه الدماء وهذه الفوضى والغوغائية والعشوائية.

كنا قد قبلنا قرار عودة الجماهير للمدرجات على مضض، وتقبلنا الاصوات الرياضية والاعلامية التى ضجت بالدفاع عن هذا القرار، وتغاضينا عن الدوافع الشخصية والربحية والبحث عن الأمجاد تلك التى يسعى وراءها مديرو بعض الاندية الرياضية بإعادة الجمهور للمدرجات ،تقبلنا ذلك على اعتبار ان من اتخذوا هذا القرار مسئولون تماما عن تنفيذ عودة الجمهور بصورة آمنة، خاصة أنه لدينا تجربة سوداء فى فبراير عام 2012 باستاد بورسعيد، عندما وقعت تلك المذبحة المذمومة المشمومة التى تحيطها رائحة المؤامرة والأيادى السوداء الاخوانية وغير الاخوانية، والتى راح ضحيتها 74 شابا من زهرات مصر من جماهير الاهلى تحت الأقدام أو فوق المدرجات، بعد ان قتلتهم عمدا أيادٍ آثمة بالاسلحة البيضاء والسوداء، وثار المصريون والعقلاء حزنا وانتقادا لما جرى ببورسعيد، فقد تم اجراء المباراة حينها فى توقيت أمنى حساس جدا، وكانت مصر تواجه مؤامرة تسلل الاخوان للحكم، لإرساء قواعدهم وحكمنا بالنار والحديد، وإحراج المجلس العسكرى الذى كان يدير مصر وقتها فى مرحلة انتقالية، للاطاحة بالمجلس وإثبات فشله فى تأمين حتى مباراة.
وقلنا وقتها إن التوقيت الأمنى والظرف السياسى الذى كانت تمر به مصر لم يكن يسمح باجراء مباراة بهذا الجمهور العريض فى ستاد بورسعيد، أو على الأقل أن يتم وضع خطة امنية قوية ليس بها ثغرات لتأمين المباراة، ولمنع حدوث أى أعمال شغب أو عنف، ولكن ما حدث كان النقيض تماما، وقتل الشباب فى سبيل لعبة.
وتم اتخاذ قرار بحجب الجمهور عن المدرجات عقب مذبحة بورسعيد، لاحترازات أمنية، وضجت الاندية وكل المنتفعين من هذا القرار بسبب الخسائر المادية الجمة لقرار الحجب، ولكن حياة شبابنا اغلى من هذه المكاسب المادية أو المعنوية التى يحققها اللاعبون والاندية من الجمهور، وفى ديسمبر الماضى اجتمع وزير الداخلية مع المهندس خالد عبد العزيز وزير الرياضة وجمال علام رئيس اتحاد الكرة، وتم اتخاذ القرار بعودة الجمهور للمدرجات وان يكون العدد بين 5 الى 10 آلاف مشجع، وفرح الجمهور الكروى، وفرحت مصر، لأن المياه ستعود لمجاريها ولأن الرياضة خاصة كرة القدم تعد المتنفس الأول الجميل المحترم لشبابنا البائس، واعتقدنا أن هذا القرار لم يتم اتخاذه إلا استنادا على خطة أمنية ورياضية استراتيجية محكمة لتأمين المباريات، وكفالة الأمن والحماية لهذا العدد المحدود من الجمهور، بما فى ذلك مواجهة أى مخططات أو مؤامرات لإفساد أجواء المباريات والتى يحيكها هذا او ذلك لإحراج الأمن او تأجيج الغضب وإشاعة الفوضى.
وتم تتويج هذا القرار بلقاءات بين ممثلين عن روابط الألتراس والتجمعات الرياضية مع الرئيس عبد الفتاح السيسى، وجاءت المبادرة تحت اسم «اسمعونا» وتعرف الرئيس على وجهة نظر هؤلاء الشباب، وانطلقنا ننادى بضرورة اكتمال هذه المبادرة بلقاءات بين هذه الروابط وبين مسئولين بوزارة الداخلية وبوزارة الشباب

والرياضة وبالاتحاد العام للكرة، للتعرف على أفكار شباب الروابط الرياضية وتوجهاتهم، وفتح الحوار معهم، وإقناعهم بفصل السياسة عن الرياضة، فالرياضة شىء والسياسة شىء آخر، إقناعهم بضرورة عدم الانصياع لمن يخربون عقولهم من الاخوان ومن كل أعداء الوطن المتسللين المتغلغلين بين صفوفهم، ممن يعمدون لبث العداء ضد رجال الأمن وضد الحكومة وكل النظام الحالى، لكن للاسف لم تستكمل المبادرة، وتوقفت مبادرة اسمعونا عند باب القصر الرئاسى.
وهكذا تكرر المشهد مساء الاحد الدامى، تكرر فبراير الأسود مرة أخرى على غرار مذبحة بورسعيد التى وقعت فى فبراير أيضا، وحدثت المواجهات بين الشباب من مشجعى الزمالك وبين الأمن، لسبب تافه، أو يبدو هكذا لنا ظاهريا، ولأن هؤلاء الشباب مشحونون بالغضب والتحدى والاندفاع والعنف ضد رجال الأمن، ولأن رجال الأمن لم يستعدوا باستراتيجية وقائية حمائية تمكنهم من مواجهة أى شغب أو أعمال عنف أو غضب من الشباب بصورة سلمية تتسم بضبط النفس وتطويق هذا الشغب بلا خسائر فى الأرواح، لكل هذا كانت المواجهات، وكان التدافع، وسالت الدماء البريئة وزهقت الأرواح، لأننا نتحرك بعشوائية امنية وعشوائية رياضية، ولأننا لا نتعلم من أخطائنا، ولأننا لم نقدر خطورة المرحلة التى تمر بها مصر، فاتخذنا قرارات غير مدروسة بعودة الجمهور للمدرجات، ونفذنها بعشوائية غريبة.
فى الدول الأوروبية يكون الأمن مستعدا لأى مباراة محتمل حدوث أى شغب أو عنف بها بسيارات بها خراطيم للمياه، وبشباك يتم إلقاؤها على المشاغبين حقنا للدماء، وبقوات مدربة على مواجهة الشغب ولشل حركة المشاغبين بآليات متطورة دون أن تؤدى هذه الآليات الى القتل، ستكشف التحقيقات الثغراب والاخطاء التى أدت إلى كارثة أخرى فى فبراير الأسود، وحتى هذا الحين، نرحب بتعليق المباريات، وبحجب الجمهور فى الفترة القادمة عن المدرجات، حتى نصبح جميعا على قدر المسئولية، أمنا.. ورياضة.. وجمهورا.
أن يقتل أبناؤنا أو نقتل نحن على أيدى الارهابيين الخونة، فهذا قدرنا، لأننا فى حرب حقيقية ضد الارهاب، وكل حرب لها ضحاياها، ولكن أن يقتل شبابنا فى مباريات لكرة القدم، والتى من المفترض أنها مجال للترفيه والتنفيس، فهذا ما نرفضه، لأننا فى غنى عن زهق المزيد من الأرواح، فى غنى عن حشد المزيد من الأحزان والغضب لدى عائلاتنا، فى غنى عن إثارة أى مشاعر للعداء بين الشباب والأمن، متى نتعلم من الأخطاء، ومتى تصير لنا خارطة أمنية وقائية؟


[email protected]