رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أنا والظلام وجزيرة الملوك..!

كنت قد بدأت فى كتابة مقالتى، وقررت ان أكتب فيها قصة صديقتى المهندسة إلهام، وكيلة وزارة الكهرباء، التى قررت ان تحتفل بزفاف ابنتها الوحيدة ياسمين الحاصلة على ماجستير بمجال الإعلام، تحتفل به فى يوم الذكرى الأولى لفض اعتصامى رابعة والنهضة، رغم ان العريس ضابط فى جهة سيادية، والاحتفال أقيم فى ناد تابع للجيش، وفى منطقة كانت تضج بالمظاهرات وأعمال العنف، والطريق الدائرى المؤدى للحفل كان إخوان العنف قد قطعوه وأشعلوا عليه الإطارات، وعندما سألتها: «ألا تخافين» قالت لا.. لقد اصررنا على الاحتفال بالزفاف وبدء حياة جديدة لابنتى فى هذا اليوم كنوع من التحدى، تحدى الحياة ضد كارهى الحياة، وأكدت لى بثقة المؤمن بالله ان الحفل سيمر بأمان، وان الامن سيقضى على أعمال العنف، و بالفعل كان ما قالت، ولم اتردد رغم مخاوفى مشاركتها فرحة هذا اليوم.

كنت انوى سرد قصة كفاح صديقتى بمفردها حتى وصلت بابنتها إلى هذا المستوى العلمى والحياتى المشرف، ومفارقة إصرارها ان تبدأ الابنة الوحيدة حياتها الجديدة فى يوم تحد انتشرت فيه أعمال الإرهاب ضد الوطن والحياة.. وكدت أنتهى من المقال، وأنا فى غمرة حماسى للقصة، نسيت أمر بسيط.. خطير، ان اضغط على مفتاحى «سيف» بالكمبيوتر، وإذا بالكهرباء تنقطع، ويعم الظلام، ليتبخر كل ما كتبته، اصبت بحالة من العتمة النفسية ولعنت التقنية التى حرمتنى كلماتى وقلت لنفسى «مالها الورقة والقلم»، فلم أستطع معاودة كتابة ما محاه الظلام عندما تفضل «النور» علينا وعاد لمدة ساعة، فالفكرة تأتى مرة واحدة ولا تعود بنفس العمق، وهكذا، تسببت وزارة الكهرباء فى تدمير قصة تجربة انسانية رائعة.
وإذا بزميلنا الخلوق على خميس نائب رئيس التحرير يفاجئنى بقصة اكثر درامية سببها ايضا انقطاع الكهرباء، كان نجله حسام خريج الصحافة عائدا لمنزلهم بالمعادى الجديدة، عندما سمع صرخات تنبعث من إحدى العمارات، وعرف ان أربعة اشخاص محتجزين فى «الاسانسير» قرابة الساعة بسبب انقطاع الكهرباء، وبينهم رضيعة 9 اشهر فقدت وعيها لنفاد الأكسجين، فتعالت صرخات امها التى تحملها اعتقادا انها ماتت، ولم يجد السكان وسيلة لفتح المصعد، فإذا بحسام يتدخل بتحطيم زجاج باب المصعد بيديه غير عابئ بان احدى يديه بها إصابة سابقة وشرائح معدنية، وكانت النتيجة تمزق حاداً بيديه وجروح عميقة، لكنه تمكن من انقاذ حياة أربعة اشخاص واستعادت الرضيعة وعيها، وتم نقله الى المستشفى ليفاجأ بأن العناية الإلهية انقذته من تمزق الشرايين، وعاد لمنزله وبيده اكثر من «10 غرز»، لقد اضاف الظلام لحياتنا مئات القصص الدرامية والخراب، دون وازع ولا رادع ولا مسئول يخبرنا بصراحة وشفافية، متى سينتهى هذا العذاب ومتى سيتم حل مشكلة باتت تلازمنا «باستثناء بعض المناطق التى يسكنها علية القوم وسادتهم من المسئولين فى مصر والعاملين فى الجهات السيادية»، وبين قصص الظلام طاردتنى قصة قديمة اسمها «جزيرة الملوك».
كان هناك مدينة صغيرة فقيرة، سكانها يحلمون بمجىء ملك ينتشلهم إلى الرفاهية، وكانوا يعطون كل ملك فرصة عام واحد ليحقق لهم ما أرادوا، وبعدها  يقومون بعزله ونفيه لجزيرة نائية تضج بالوحوش، ليلقى مصيره، فكان كل ملك يأتى للحكم يعلم انه لن يبقى كثيرا على كرسى العرش الذى حلم به، فيظل طيلة العام حزينا، لا يعمل ولا يقدم للمدينة أى جديد ولا يفارق الكرسي الذهب، يأكل ويتنعم فى مشهيات القصر، فى انتظار يوم عزله ونفيه للجزيرة، فكان العام يمر، والمدينة الفقيرة.. فقيرة، ولا شيء يتغير للاحسن، حتى جاء هذا الملك.
قرر هذا الملك ان يذهب للجزيرة التي ينفى لها

الملوك، لكي يستعد لمصيره الأسود، وذهب مع أسطول، فكان أول ماشاهده بالجزيرة جثث الملوك السابقين!! فعرف نهايته، وضاعت منه فرحة الملك والسطوة، وفقد رغبته فى البقاء بالقصر  الفاخر او فى الكرسى الذهبى، وصارت الجزيرة التي باتت مقبرة للملوك السابقين تطارده .
فقرر ان يغير اسلوب حكمه عمن سبقوه، بدأ فى تقليل طلباته من الخدم، أصبح يعامل الجميع معاملة جيدة، نزل للمدينة، بدأ ينظر فى شئون العباد، ويصلح أمرهم، يستزرع الارض ويهتم بالحرث، يشجع التجارة والصناعة ويصلح الطرق، وعندما اصلح امر المدينة وبدأ اهلها يشعرون بالنعيم يعود عليهم، قرر هو ان ينقل اصلاحاته الى الجزيرة المشئومة، فذهب على رأس جيش، وأمر بقتل  جميع الحيوانات المفترسة، وقطع الاشجار الكثيفة، وامر ببناء قصر وحديقة، وتربية حيوانات مفيدة،  واصبحت الجزيرة جنة مع هذا الحاكم، واستغرب الجميع من تعمير الجزيرة على هذا النحو، ومر العام وانتهت ولايته ولم يستفد من منصبه أي شيء شخصى، واعتبره الجميع أفضل الملوك الذي حل على هذه المدينة، حتى ان الشعب فكر فى تغيير تقليد خلع الحاكم بعد عام من السلطه، لكنه الملك نفسه أصر على التخلى عن الملك بعد العام، بعد ان شعر بأنه أعطى الشعب كل ما يستطيع وكل ما أراد، وكان يبتسم وهو يودع شعبه الكبير الحزين لفراقه وهو فى طريقه للجزيرة، وذلك على نقيض من سبقوه،  فاستغرب الجميع من ابتسامة، وسأله أحدهم: «لماذا انت سعيد وسوف تنفى لجزيرة ليس بها إلا الموت!!، فقال «عندما دخلت هذا  القصر علمت انني سوف انفى بعد عام، وانى سوف استمتع في هذا العام واترك شعبى وهو يكرهنى ويلعننى لانه يئن فى الفقر والجوع، وعندما ذهبت للجزيرة وشاهدت نهايتى، قررت ان اغير كل شيء بالمدينة والجزيرة، حتى لا يلعننى شعبى، وألا ألقى الهلاك بين انياب الوحوش، والآن اصبحت الجزيرة شبيهة بالمدينة، ساغادر قصراً لأدخل في قصر جديد فى أمان ونعيم، لاني عملت لما بعد الولاية، ونجحت وسوف أذهب الآن لأعيش باقي حياتي سعيدا بما عملت وبما ينتظرنى..
أهدى القصة التى استعادتها ذاكرتى أثناء تأملاتى فى العتمة إلى كل المسئولين على كراسيهم، إلى كل وزراء مصر.. خاصة إلى وزراء الكهرباء والبترول والتموين والتنمية المحلية.. والآن انقطع النور مجددا، لكنى تعلمت من خيبتى الأولى، و«سيفت» الكلام قبل ان يمسحه الظلام...!

[email protected]